صلاحيات جديدة لميكانيكا الكم

تُعتبر النّظريّة النّسبيّة العامة لأينشتاين العمود الفقريّ المتين للفيزياء على المقياس الفلكيّ، لكنّ عالم الكواكب قنسطنطين باتيغن Konstantin Batygin مكتشف الكوكب التّاسع مع مايكل براون ذكر أنّه يمكن لميكانيكا الكمّ أن تصف أيضًا تطوّر الأجسام فائقة الكتلة المذهل في الفضاء، بنفس الرّوعة الّتي تبدو فيها.

وبحث باتيغن خلال تدريسه فيزياءَ الكواكب في معهد كاليفورنيا للتّكنولوجيا مفهومَ أقراص الفيزياء الفلكيّة astrophysical disks، والّتي تُدعى أحيانًا بالأقراص المتنامية accretion disks، وهي عبارة عن دوّامات من المادّة ذاتيّة التّجاذب، والّتي وصفها باتيغن بأنّها من بين أكثر الأجسام المنتشرة بشكل كبير في الكون المعروف، لأنّ هذه الأقراص تتشكّل على ما يبدو في كلّ مكان، فالكواكب تدور حول النّجوم مشكّلة أنظمةً شمسيّة تدور هي الأخرى حول ثقوبٍ سوداءَ فائقة الكتلة في المراكز المجرّيّة.

تبدأ هذه الأقراص من شكلٍ دائريّ، وبعد زمنٍ طويل تستطيع التّموّج والالتفاف، مظهرةً تشوّهاتٍ كبيرةً ما زالت عصيّة على الشّرح بدقّة من قبل علماء الفيزياء الفلكيّة, إنّها مجرّة بعيدةٌ عن ما يسمى معادلة شرودنغر Schrödinger equation المحور الرّياضيّ لميكانيكا الكمّ، وقد سُمّيت بذلك نسبةً للفيزيائيّ النّمساويّ إيرفن شرودنغر Erwin Schrödinger .

وقال برندن كول Brendan Cole في تصريح لمجلة ScienceAler: "بيّن شرودنغر أنّك لا تستطيع وصف الإلكترونات أو الذّرّات أو أيّ قطعٍ أخرى أصغر في الكون بنفس الطّريقة الّتي تصف فيها كرات البلياردو الّتي ستكون بشكل دقيق في المكان الّذي تتوقّعه في الزّمن الّذي تتوقّع وجودها فيه بدقّة".

فعوضًا عن ذلك، عليك أن تفترض أنّ هذه الجسيمات تمتلك مواقعَ منتشرة في الفضاء، ويوجد فقط بعض الاحتمالات لظهورها حيث تعتقد في لحظة ما من الزّمن، وقد فُسّرت هذه الظّاهرة بما أصبح معروفًا بمعادلة شرودنغر الّتي نشرت عام 1926 تحت عنوان "وصف حالة الجسيمات في شروط التّابع الموجيّ".

ولكن حسب بحث باتيغن الجديد، والّذي يأتي بعد قرنٍ تقريبًا، لا تصف المعادلة الجسيمات فقط، بل يبدو أنّ هذه الحسابات الكموميّة تحكم الأشياء الأكبر بكثير أيضًا، فخلال البحث في نطاق من الفيزياء الكموميّة يدعى نظريّة الاضطراب perturbation theory لمعرفة كيفيّة تمثيل هذه القوى في تطوّر القرص المتنامي رياضيًّا، يشرح باتيغن كيف تتشوّه هذه الأجسام الضّخمة بمرور الزّمن، لقد اكتشف باتيغن شيئًا رائعًا.

يُمَثَّل القرص المتنامي في هذه النّظريّة بسلسلة من الأسلاك متّحدة المركز، تتبادل الزخم الزّاويّ المداريّ ببطء فيما بينها، ونظرًا للنّطاق والحجم الكبيرين لهذه الأقراص، والكمّيّة المذهلة من الكواكب والنّجوم والتّراكيب المجريّة المحتواة داخلها، يصبح الأمر معقّدًا نوعًا ما، وكان هذا ما حدث حين كشفت النّمذجة عن التواءٍ مذهل.

ويشرح باتيغن ذلك: "عندما نقوم بهذا مع كل المواد في القرص، نستطيع الحصول على المزيد والمزيد من الدّقّة، وتمثيل القرص بعدد متزايد ومتناقص القطر إلى اللانهاية من الأسلاك، في النّهاية تستطيع أن تقدّر عدد الأسلاك في القرص بعدد لانهائيّ، مما يسمح لك بجمعها معًا في سلسلة متّصلة، عندما قمت بهذا، اندمجت معادلة شرودنغر في حساباتي بشكل مذهل".

وفق باتيغن، تسلك التّشوهات ذات المقياس الكبير الّتي تشوّه الأقراص الفيزيائيّة الفلكيّة مع الوقت سلوكًا مشابهًا للجسيمات، ويمكن للطّريقة الّتي تنتشر بها عبر مواد القرص أن تفسَّر وفق نفس الرّياضيّات الّتي تحكم ما يُسمى نظريّة التّبعثر الكمّيّ quantum scattering.

ويؤكّد باتيغن أنّ هذا التّطبيق من معادلة شرودنغر لا يمكن أن يعمل كبديل عامّ للمزيد من عمليّات المحاكاة العدديّة المعقّدة، لكنّه يمكن أن يُستخدم بشكل مفيد لتوفير سياقٍ نوعيٍّ للنّتائج العدديّة، ومع ذلك فمن المدهش التّفكير بأنّ معادلةً تستخدم لوصف سلوك أشياء صغيرة جدًّا لا يمكنك رؤيتها، يمكن أن تطبّق أيضًا على سلوك قوى الجاذبيّة الدّاخليّة الكبيرة والبعيدة، والّتي بدأ العلماء للتّوّ بإدراكها.

يقول باتيغن: "هذا الاكتشاف مثير للدّهشة لأنّ معادلة شرودنجر هي صيغة غير محتملة الظّهور عند النّظر إلى المسافات بناء على السّنوات الضّوئيّة، بمعنىً آخر، فإنّ الموجات الّتي تمثّل التّشوّهات والانحرافات في الأقراص المتنامية ليست مختلفة تمامًا عن الأمواج الّتي تمثّل خيطًا مهتزًّا، والّتي لا تختلف بحدّ ذاتها عن حركة جسيمٍ كموميّ في صندوق، وفي المحصلة يبدو ذلك صلة واضحة، ولكن من المثير أن نبدأ بكشف العمود الفقريّ الرّياضيّ وراء هذه التّبادليّة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • قرص التضخم (التراكم) (accretion disk): صفيحة مسطحة نسبياً ومكونة من الغاز والغبار المحيطين بنجم مولود حديثاً، أوثقب أسود، أو أي جسم فائق الكتلة ينمو بالحجم من خلال جذبه للمواد.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات