أحيت مجموعتين من الفيزيائيين من المملكة المتحدة الآمال بتوحيد مجالي ميكانيكا الكم والنسبية العامة وذلك بعد فكرة تجربة جديدة، إذ تُشكِّل حقيقة أن نظرية الكم لا تتفق بشكل جيد مع الجاذبية حجر عثرة كبير في الفيزياء، وهو أمر شكّل سحراً لدى بعض أعظم العقول في العلوم منذ فترة طويلة.
تُعرّف ميكانيك الكم بنمذجة الجسيمات المنفصلة كاحتمالات لا توجد فعلاً حتى قياسها، ولا تعتبر الفيزياء الكمومية بحد ذاتها علماً غامضاً، فقد جعلها قرن من التجارب إحدى أكثر النظريات متانة في مجال العلوم.
وعلى الطرف الآخر تقف النسبية العامة، وتقوم النظرية على وصف فعل كبير يطبق على نسيج مستمر سلس من المكان والزمان يعطينا الجاذبية، وتعتبر النسبية العامة واحدة من أكثر النظريات موثوقية لدينا في العلوم، إذ تسمح لنا بالتنبؤ بحركات الأشياء على مقاييس كبيرة وبدقة عالية. ولكن على الرغم من نجاح كل منهما في وصف الكون، إلا أن النظريتان تكرهان بعضهما البعض، والذي يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو حقيقة صعوبة دراسة الجاذبية على المستوى الذري.
يقول عالم الفيزياء سوجاتو بوس Sougato Bose من جامعة لندن موضحاً لـ Physics World: "إن المشكلة الكبيرة هي الضعف الهائل في التفاعل الجذبوي مقارنة بالقوى الأساسية الأخرى في الطبيعة، فعلى سبيل المثال تتفوق القوة الكهروستاتيكية بين إلكترونين على قوة الجذب بين كتلتين تقدران بـ 2 كيلوغرام بعدة مرات".
وللحصول على أساس مشترك بين النظريتين، جاء الفيزيائي الأمريكي الشهير ريتشارد فاينمان Richard Feynman بتصميم تجريبي في عام 1957.
تخيل فاينمان كتلة صغيرة كانت موجودة كاحتمال - أو تراكب - بين مكانين، فإذا وُضِعت الكتلة في حقل الجاذبية، فيجب عندها أن ترتبط بالخصائص الكمومية للجاذبية في ظاهرة تسمى التشابك (entanglement).
وقد اقترح فاينمان البحث عن علامات التداخل بين الموقعين المحتملين قبل قياس موضع الكتلة "الحقيقي" لمعرفة ما إذا كان الحقل كمومي بطبيعته. فإذا تداخل هذان الموقعان المحتملان مع بعضهما قبل فصلهما عن الحقل، فستكون للجاذبية طبيعة كمومية يمكن دراستها. على الأقل، كانت هذه هي الفكرة.
ووفقاً لمؤلفي بحثين جديدين، فإن حقيقة أنّ جسيماً في وضع التراكب يمكنه أن يتداخل مع نفسه، حتى داخل حقل الجاذبية الكلاسيكي والمستمر، ترك مجالاً كبيراً للشك. ولكنهم الآن يقترحون نهجاً مختلفاً قليلاً للتجربة من شأنه أن يُخفِّف بعض نواقص الاختبار، ويمكنها حل واحدة من أكبر المشاكل في العلم الحديث.
وضع عالما فيزياء في جامعة أكسفورد دليلاً على أن أي نظامين كموميين يمكنهما أن يتشابكا من خلال نظام ثالث، ولكن فقط إذا كان كمومياً. وهذا يفتح الطريق بشكل ملائم لزوج من الكتل - كل منها في وضع التراكب - ليتم اقترانهما بشكل منفصل عن طريق التشابك مع نسخة كمومية من حقل الجاذبية، فإذا لم تكن الجاذبية كمومية، فليس هناك تشابك.
واستناداً إلى هذا المبدأ، اقترح فريق ثانٍ من جامعة كاليفورنيا تفاصيل عن تجربة فعلية يمكن أن تستخدم "وسيط الجاذبية الكمومي" (quantum gravity mediator) الافتراضي لشبك لف Spin كتلتين منفصلتين.
ولن تكون مثل هذه التجربة بدون تحديات عملية خاصة بها، فالسحب والدفع الكبير للقوى الكهرومغناطيسية يمكن أن يكون كافياً للتوسط في التشابك ومحو أي آثار محتملة للجاذبية الكمومية. لكن الأمر يستحق المحاولة نظراً إلى حجم المكافأة المحتملة، ولنأمل ألا نضطر إلى الانتظار لمدة 60 عاماً أخرى لنرى كيف تنجح تجربة فاينمان.