يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
أجرام فيزيائية فلكية ضخمة تحكمها معادلة دون ذرية

تصوّر فني لعمل بحثي مقدّم من قبل كونستانتين باتِجين Konstantin Batygin في العدد الرابع/المجلد 475 من "مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية" Monthly Notices of the Royal Astronomical Society) MNRAS). يمكن فهم انتشار الموجات عبر القرص الفيزيائي الفلكي من خلال معادلة شرودينجر Schrödinger's equation وهي حجر أساس ميكانيكا الكم. حقوق الصورة: James Tuttle Keane, California Institute of Technology

ميكانيكا الكم هي أحد فروع الفيزياء التي تحكم السلوك الغريب من حين لآخر للجسيمات الصغيرة التي يتألف منها الكون، إذ تُبين المعادلات أنّ العالم الكمي يقتصر بشكل عام على العالم دون الذري، فالرياضيات المتعلقة بالمستويات الصغيرة جداً لا تربطها علاقة بالمستويات الأكبر والعكس صحيح.

وعلى أي حال، يشير اكتشاف جديد ومفاجئ توصّل إليه باحثو معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (اختصارًا: كالتك Caltech)، إلى أنّ معادلة شرودينجرSchrödinger's equation (المعادلة الأساسية لميكانيكا الكم) مفيدة بشكل لافت للنظر في وصف التطوّر طويل الأمد لبعض الهياكل الفلكية. وقد شُرِحَ هذا العمل المضني الذي قام به كلًا من الأستاذ المساعد كونستانتين باتِجين Konstantin Batygin في علم الكواكب في كالتك، وفان نايس Van Nuys الباحث في الصفحة، في الورقة البحثية التي نُشرت في العدد الخامس من "مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية Monthly Notices of the Royal Astronomical.

تُحاط الأجرام الفلكية الضخمة في أغلب الأوقات بمجموعة من الأجرام الصغيرة التي تدور حولها، مثل الكواكب حول الشمس. وعلى سبيل المثال، تدور حول الثقوب السوداء فائقة الكتلة أسراب من النجوم، وتدور حول النجوم كميات هائلة من الصخور والجليد إلى جانب الحطام الفضائي. ونتيجةً لقوى الجاذبية، تتشكَّل تلك الأحجام الضخمة من المادة ضمن أقراص مسطحة ودائرية. وعلى الجانب الآخر، تُشكِّل تلك الأقراص جسيمات مفردة لا حصر لها تدور جميعًا في آنٍ واحد، في نطاق يصل إلى حجم المنظومة الشمسية وقد يمتد إلى سنوات ضوئية عديدة.

وبشكل عام، لا تحتفظ أقراص المادة الفيزيائية الفلكية بهيئاتها الدائرية البسيطة طيلة حياتها، في حين أنه على مدار عدة ملايين من السنين، تتطوّر تلك الأقراص تدريجيًا وببطء لتُبدي تشوهات وانحناءات والتواءات على نطاق واسع مثل التموجات التي تحدث على سطح بركة ما، وقد حيّر لغزُ كيفية ظهور وانتشار تلك الانحناءات الفلكيين لمدة طويلة، حتى أنّ عمليات المحاكاة الحاسوبية لم تقدم جوابًا حاسمًا في ذلك الشأن، إذ إنّ عمليةَ إجراءِ نموذجٍ مباشرٍ معقدةٌ وباهظةُ التكاليف.

وبينما تُدرَّس دورة كالتك للفيزياء الكوكبية، اتَّجه باتِجين إلى مخطط تقريبي يُدعى نظرية الاضطراب Perturbation Theory لإعداد عرض رياضي بسيط لتطوّر القرص، وتلك القيمة التقريبية -التي غالبًا ما يَستخدمها الفلكيون- قائمةٌ على معادلات طَوَّرَها رياضيَّا القرن الـ 18 جوزيف-لويس لاغرانج Joseph-Louis Lagrange، وبيير-سيمون لابلاس Pierre-Simon Laplace. وداخل إطار تلك المعادلات تصير الجسيمات المفردة، وكومة الحصى على المسار المداري لكل جسيم على حدةٍ، ملطّخة معًا رياضيًّا. وهكذا يمكن نمذجة القرص على هيئة مجموعة أسلاك متحدة المركز تتبادل الزخم الزاوي المداري بين بعضها البعض ببطء.

فعلى سبيل التشبيه، نستطيع أن نتخيل تحطُّم كل كوكب في مجموعتنا الشمسية إلى قطع صخرية ومن ثمَّ انتشار تلك القطع في المدار الذي يدور فيه الكوكب حول الشمس، بحيث تُحاط الشمس بمجموعة من الحلقات الهائلة التي تتفاعل ثقاليًا. تعكس اهتزازات تلك الحلقات التطوّرَ المداري الكوكبي الفعلي الذي نما على مدار ملايين السنين، مما يجعل القيمة التقريبية صحيحة تمامًا. ومع ذلك، فاستخدام تلك القيمة التقريبية لنمذجة تطوّر القرص كان له نتائجُ غير متوقعة.

وفي هذا السياق، علق باتِجين: "عندما نفعل ذلك مع كل المادة المتواجدة في القرص، سيتسنى لنا الحصول على المزيد والمزيد من الدقة التي تمثل القرص كعدد أكبر لأسلاك أقل سماكة". وأضاف قائلًا: "وفي النهاية، يمكنك أن تُقدِّر عدد الأسلاك في القرص لتكون لا نهائية، مما يسمح لك بتلطيخهم معًا رياضيًّا في سلسلة متصلة. وعندما فعلتُ ذلك، ظهرت معادلة شرودينجر -وبشكلٍ مدهش- ضمن حساباتي".

تُعدُّ معادلة شرودينجر أساس ميكانيكا الكم، فهي تشرح السلوك غير المتنبأ به للأنظمة على المستويات الذرية ودون الذرية. واحد من تلك السلوكيات غير المتنبأ بها هو أنّ الجسيمات دون الذرية تتصرف إلى حد كبير مثل الموجات أكثر مما تفعله الجسيمات المنفصلة، تُدعى تلك الظاهرة بـ "ازدواجية الموجة-الجسيم Wave-Particle Duality".

هذا ويشير عمل باتِجين إلى أنّ الانحناءات واسعة النطاق في الأقراص الفيزيائية الفلكية تتصرف بشكل مشابه للجسيمات، وأنّ انتشار الانحناءات ضمن مادة القرص يمكن وصفها بنفس الرياضيات المستخدمة في وصف جسيم كمومي منفرد، في حالة ارتدادها جيئةً وذهابًا بين الحواف الداخلية والخارجية للقرص.

لقد دُرِست معادلة شرودينجر على نحو جيد، وقد اكتُشِفَ أنّ تلك المعادلة الاستثنائية قادرة على وصف التطوّر طويل الأمد للأقراص الفيزيائية الفلكية، وينبغي أن تكون مفيدة للعلماء الذين يقومون بنمذجة الظواهر واسعة النطاق. إلى جانب ذلك، صرّح باتِجين أنه أمر يثير الاهتمام كوْن فرعين من الفيزياء لا تجمعهما علاقة ظاهرية -يمثِّلان الطبيعة على أكبر مستوياتها وأصغرها- يمكن أن تحكمهما الرياضيات ذاتها.

وفي سياق متصل، قال باتِجين: "لقد فوجئنا بذلك الاكتشاف، لأنّ معادلة شرودينجر هي صيغة من غير المرجح ظهورها بالنظر إلى المسافات التي قد تصل لسنوات ضوئية". وأضاف قائلًا: "بشكل عام، المعادلات المتعلقة بالفيزياء دون الذرية لا ترتبط بالظواهر الفلكية الضخمة، لذلك كنت منجذبًا لاكتشاف موضع توجد فيه معادلة تُستخدم عادة للأنظمة فائقة الصغر فقط، وتعمل في الوقت ذاته على وصف الأنظمة فائقة الكبر". وفي آخر تصريحاته، قال باتِجين: "تحكم معادلة شرودينجر بشكل أساسي تطوّر الاضطرابات الشبيهة بالموجة".

واختتم بقوله: "بمعنى آخر، فإن الأمواج التي تمثل الانحناءات ومَيَلان الأقراص الفيزيائية الفلكية لا تختلف كثيرًا عن الأمواج الناتجة عن الخيط المهتز، التي لا تختلف هي الأخرى إلى حد كبير عن حركة الجسيم الكمومي في الصندوق، فقد بدا فيما مضى كأنه اقتران واضح، لذلك فمن المثير البَدء في إزاحة الستار عن العمود الفقري الرياضي الذي يقف وراء مبدأ التبادليّة ذاك".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات