دراسة تشير إلى أن الميكروبات قادرة على البقاء حية في النيازك إذا ما حُجِبت عن الإشعاع فوق البنفسجي


قد يكون الفضاء الخارجي البيئة الأقسى للحياة، إلا أن بعض الميكروبات (microbes) القوية استطاعت النجاة فيه ولمدة مفاجئة من الزمن، وتبقى التساؤلات حول المدة التي يمكن لهذه الميكروبات الاستمرار فيها على قيد الحياة، والسبب وراء قدرتها على الصمود في وجه صعوبات الفضاء موضعَ جدلٍ.

 

لقد تمَّ اكتشاف سلالات مستمرة من الميكروبات في حجرات نظيفة في الفضاء، ففي عام 2014 ظهرت تقارير روسية حول وجود عوالق (plankton) باقية على قيد الحياة على السطح الخارجي لمحطة الفضاء الدولية (International Space Station)، وهي ادعاءات رفضها مسؤولو ناسا NASA لعدم كفاية الأدلة.

 

مع ذلك، فإن فهم مدى قدرة الميكروبات على النجاة في الفضاء أمر مهم عند إرسال مراصد مدارية (orbiters) أو بعثات (Landers) إلى الأجرام التي قد تبدو فيها الظروف مناسبة للحياة مثل المريخ (Mars).

 

يريد العلماء أن يكونوا حذرين لتجنب تلويث عوالم أخرى بأشكال الحياة من عالمنا، وتعزز المرونة التي تبديها الميكروبات باتجاه الفضاء الخارجي من احتمالات التبذُّر الشامل (panspermia) الذي يمكن من خلاله نشر بذور الحياة بين الكواكب بواسطة نيازك وأجرام مسافرة أخرى.

 

شكَّلت هذه القاعدة جزءاً من المبررات المنطقية التي قامت عليها دراسة يقودها روكو مانسينللي Rocco Mancinelli، وهو عالم أبحاث بارز لدى معهد البحوث البيئية في منطقة الخليج Bay Area Environmental Research Institute، وهي مجموعة غير ربحية لبحوث الفضاء وعلوم الغلاف الجوي.

 

كتب مانسينللي، في رسالة بالبريد الإلكتروني لمجلة البيولوجية الفلكية astrobiology، أن لنتائج هذه الدراسة صلة بفهم تطور الحياة وتكيفها.

نُشِرت نتائج مانسينللي في طبعة كانون الثاني من المجلة الدولية للبيولوجية الفلكية International Journal of Astrobiology تحت عنوان "تأثير بيئة الفضاء على نجاة جراثيم (Halorubrum chaoviator) و (Synechococcus Nägeli): بيانات من التجربة الفضائية (OSMO) على (EXPOSE-R)".

 

تستطيع الميكروبات النجاة والعيش خارج محطة الفضاء الدولية لمدة سنتين تقريباً، إذا كان إشعاعها فوق البنفسجي محدوداً أو مُحيداً.Credit: NASA
تستطيع الميكروبات النجاة والعيش خارج محطة الفضاء الدولية لمدة سنتين تقريباً، إذا كان إشعاعها فوق البنفسجي محدوداً أو مُحيداً.Credit: NASA

 

إيجاد الحدود


 يركّز جزء من بحث مانسينللي على تفاعلات بيئة الميكروب، ويبحث على وجه التحديد في الحدود البيئية التي يمكن لهذه الكائنات الحية أن تعيش فيها، ومن الأمور التي ركز عليها البحث كذلك الفراغ في الفضاء حيث لا يوجد هنالك جو لتتم تصفيته، كما أن هنالك إشعاع فوق بنفسجي شديد صادر عن الشمس.


أخذ مانسينللي في تجربته زُرُوع نقية من ميكروبين محبين للملح هما: (Halorubrum chaoviator) و (Synechococcus nägeli) من قشور ملحية صلبة ثم استنبتها، وبعد تجفيفها أُرسِلَت بعض النماذج إلى منصة خارجية لمنشأة التَعَرُّض الفضائي لمحطة الفضاء الدولية (ISS) التي تدعى بـ (EXPOSE-R)، وقد بقيت هذه الميكروبات على السطح الخارجي لحوالي عامين، في حين تمت إعادة عينات من ميكروبات أخرى إلى الأرض للتأكد من النتائج.

يقول مانسينللي :"وبشكلٍ مثير للدهشة، تمكنت بعض هذه الميكروبات من البقاء على قيد الحياة".

وأضاف قائلاً: "لقد نجت كل الكائنات الحية التي عُرِّضت للفراغ في الفضاء فقط، بينما ماتت الكائنات الحية التي تعرضت لجرعاتٍ عالية من الإشعاع فوق البنفسجي، أما تلك التي تعرضت لجرعات خفيفة من هذه الإشعاعات فقد أظهرت بعض القدرة على البقاء".


ثم أضاف :"أحد الآثار الكبيرة هو احتمال قدرة الميكروبات على الحركة في كل أنحاء النظام الشمسي، وبعبارةٍ أخرى فحتى إذا ما تم حفظ القليل منها فقط بعيداً عن الأشعة فوق البنفسجية، ستنجو هذه الكائنات في رحلة إلى كوكب آخر أو قمر في نظامنا الشمسي".

 

من المفترض أن تمنع إجراءات الحماية الكوكبية سفر الميكروبات على متن المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ، لكن من الصعب عموماً تحييد كل شيء. Credit: NASA/JPL-Caltech/MSSS
من المفترض أن تمنع إجراءات الحماية الكوكبية سفر الميكروبات على متن المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ، لكن من الصعب عموماً تحييد كل شيء. Credit: NASA/JPL-Caltech/MSSS

 

أي نوع من التنقلات؟


هناك أمثلة عديدة لأجزاء كوكبية من المريخ تتحرك نحو الأرض، وتحديداً على شكل نيازك (Shergottites, Nakhlites, Chassignites) تنطلق من سطح المريخ خلال الاصطدامات المولدة للنيازك.

يقول مانسينللي أنه، ومع ذلك، فإن الزمن النموذجي للانتقال بين الكواكب هو ملايين السنين؛ ما يجعل النتيجة غير ذات صلة إذا كانت النيازك من نوع (SNCs)، وعلى كل حال فإن الميكروبات تستطيع النجاة عند انتقالها على متن النيازك في غضون بضع سنوات، وذلك عند توفير حماية لها من الإشعاع فوق البنفسجي.

على نطاق أوسع، فإن التجربة هي إظهار لمدى أهمية الحفاظ على المركبة الفضائية نظيفة وخالية من الميكروبات قدر ما أمكن قبل مغادرة المختبر، وتملك كل من ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency وغيرها من الكيانات مبادئ إرشادية للحماية الكوكبية والتي تفصّل في السبل الأفضل لتحقيق ذلك، كما يشير مانسينللي إلى أنه يجب مواصلة البحث في هذا المجال.


وأخيراً يقول مانيسيلي:" نحن ندرك أنه ليس بمقدورنا تعقيم المركبة تماماً، لكن باستطاعتنا إنقاص الحمل الحيوي بشكلٍ ملحوظ، وتكمن الأهمية هنا في وجوب فهم أن احتمالية التلوث موجودة وأن علينا إنقاص هذه الاحتمالية إلى أقصى حدّ ممكن".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات