اكتشاف جديد يساهم في تقليل آثار العلاج الشعاعي

التاريخ: 14 يونيو/حزيران 2017. المصدر: جامعة مركز كانساس Kansas للسرطان.

أُجريَ بحثٌ جديد في المركز الطبي بجامعة كنساس University of Kansas Medical Center قد يجعل علاج السرطانات المعدية المعوية أكثر أمانًا، كما قد يساعد أيضًا في التخفيف من مخاطر الحوادث النووية والهجمات الإرهابية.

بدأ البحث منذ أكثر من خمس سنوات، بقيادة سوبراجيت ساها Subhrajit Saha، وهو دكتور وأستاذ مساعد في قسم العلاج الشعاعي للأورام في المركز الطبي لجامعة كنساس، وذلك عندما شرع فريقه في السعي لفهم البيولوجيا وراء المتلازمة المعدية المعوية الناجمة عن الإشعاع Radiation Induced Gastrointestinal Syndrome/RIGS، وهي خطر جدي يهدد الأشخاص المُعالَجين من سرطانات المعدة والبنكرياس والقولون والمستقيم وغيرها من السرطانات في المنطقة البطنية.

وتمنع RIGS الجسم من امتصاص المواد الغذائية، وغالبًا ما تسبب الغثيان والإقياء والإسهال، حيث تحدث في البداية عندما يدمر العلاج الشعاعي لهذه السرطانات الأنسجة السليمة في الجهاز الهضمي، وخاصة الطبقة الخارجية من الأمعاء، والمعروفة باسم الظهارةEpithelium. فعندما تغيب الظهارة، تصبح البكتيريا قادرة على أن تعبر إلى الجسم وتسبب الإنتان، مما يمكن أن يقتل المريض. ونظرًا لعدم وجود أدوية تعالج RIGS، فإنه يتعين على الأطباء اللجوء إلى الإشعاع لعلاج مرضاهم، مما يتطلب منهم توخي أقصى درجات الحذر حتى الوصول إلى جرعة العلاج اللازمة. ويُعتبر هذا مصدر قلق وخاصة لمرضى السرطان، لأن أكثر من نصف المرضى ممن يُعالَجون بالعلاج الشعاعي في منطقة البطن يصابون بـ RIGS.

ويقول ساها: "لهذا السبب لا يرجح الأطباء العلاج الشعاعي عندما يكون القولون مصابًا، ولا يستطيعون عادةً استخدام جرعات شعاعية قوية للأعضاء الأخرى في المنطقة، وذلك بسبب حساسية الظهارة. حيث يجب عليهم أن يكونوا حذرين للغاية".

يحدث RIGS أيضًا عندما يتعرض الناس للإشعاع من خلال حادث أو هجوم نووي. ويضيف ساها: "هذا أمر مهم للغاية، لقد قامت الحكومة بالأبحاث من أجل اتخاذ إجراء فعال مضاد للإرهاب الذي يشمل الإشعاع. والمشكلة هي أنه من الصعب علاج شخص بعد تعرضه للإشعاع لأن الضرر يحدث بسرعة كبيرة، ويموت المريض عادةً في غضون سبعة إلى عشرة أيام".

 الخلايا البالعة تساعد الخلايا الجذعية المعوية على التجدد


بينما كان ساها لا يزال في كلية ألبرت أينشتاين للطب في نيويورك Albert Einstein College of Medicine in New York ، بدأ فريقه البحثي بالمعلومة التي تفترض أن أحد أسباب صعوبة علاج RIGS هو كون المنطقة البطنية في الجسم تمتلك معدل تحول مرتفع للخلايا الجذعية المعوية، ومثل هذه الخلايا التي تنقسم بسرعة تكون معرضة بشكل كبير للضرر الناتج عن الإشعاع لأن الـ DNA الخاص بها يتعرض للإشعاع بشكل أكبر.

ولمعرفة كيفية التغلب على ذلك، احتاج الباحثون إلى معرفة المزيد عن بيولوجيا الظهارة، وتحديدًا كيف تتجدد وتتكاثر الخلايا الجذعية المعوية ISC. وقد نشروا أول اكتشافاتهم منذ ست سنوات، بعد أن حقنوا خلايا سدويّة ضمن فئران مصابة بالإشعاع، وهذه الخلايا stromal cells هي خليط من أنواع الخلايا المختلفة التي تشكل النسيج الضام، ووجدوا أنها تحفز تجديد الخلايا الجذعية المعوية وتقلل من الضرر الذي تسببه RIGS.

الآن يعرف العلماء أن الخلايا الجذعية المعوية تعتمد على النسيج الضام لإعادة إنتاج خلايا جديدة، ومن بين الأنواع المختلفة للخلايا السدويّة، كانت الخلايا البالعة ذات دور حاسم. والخلايا البالعة Macrophages هي خلايا دموية بيضاء تلتهم الحطام الخلوي، وخاصةً الخلايا المصابة. ويقول ساها: "نعلم جميعًا أن البلاعم مسؤولة عن تحفيز جهاز المناعة، ولكننا تعلمنا أنها تساعد أيضاً في نمو الأعضاء وإصلاحها وتجديدها".
لكن السؤال كيف يحدث ذلك؟

حل لغز تجدد الخلايا الجذعية المعوية


كان السؤال الأول لساها الذي كان قد انتقل بعد ذلك إلى المركز الطبي في جامعة كنساس، هو ما إذا كانت الخلايا البالعة هي التي ساعدت الخلايا الجذعية المعوية على التجدد والتكاثر أم لا. وكان الباحثون قد قرؤوا دراسات تبين أن بروتينات WNT، وهي عائلة من البروتينات التي تنظم تكاثر الخلايا والإشارات المتعلقة بذلك، كانت مهمةً للغاية لتجديد وتكاثر الخلايا الجذعية المعوية. علاوة على ذلك، وجدوا أن البلاعم تُطلِق أيضًا هذه البروتينات WNT.

وليعلموا أكثر، وضع الباحثون نموذج الفأر لإيقاف إطلاق جميع أنواع الـWNT التسعة عشر التي تنتجها الخلايا البالعة. وقد وجد الباحثون أن الفئران الخالية من WNT المشتقة من البلاعم، قد كانت أكثر حساسية للإشعاع وأصيبت بإصابات معوية أشد مقارنة بالفئران التي لم تُعالَج. يقول ساها: "وهكذا علمنا أن WNT المشتقة من البلاعم مهمة في مقاومة الأمعاء للإشعاع".

وبالنسبة إلى ساها، جعله هذا الاكتشاف يحظى بواحدٍ من أفضل أيامه في المختبر، ولكنه كان أول الاكتشافات فقط، حيث أظهرت دراسات إضافية أنه يمكن إصلاح الضرر في الفئران المعالجة بالبالعات القادرة على إطلاق بروتينات WNT، وأُصلِحت ظهارة الأمعاء، كما أُنقِذت الخلايا الجذعية المعوية.

وقد عززت عدة دراسات لاحقة النتائج التي توصلوا إليها. وأكدت أن إطلاق البالعات لـ WNT ضروري لإعادة تجديد الخلايا الجذعية المعوية وإصلاح الأنسجة الظهارية. ومن المثير للاهتمام، أنه عند الفئران التي لا تتعرض للإشعاع لا تبدو WNT مهمةً في الحفاظ على صحة الأمعاء، ولكن عندما تكون هناك حاجة للتجديد، فإنها تصبح حاسمة. يقول ساها: "لقد فوجئنا كثيرًا، فالبالعات تُعرف بإشرافها على جهاز المناعة، لكننا نعرف الآن أنها تستطيع أن تشارك في إصلاح الأعضاء".

 كل شيء مُخزَّن


بالتعاون مع أندرو غودوين Andrew Godwin، وهو بروفيسور ونائب مدير مركز السرطان في جامعة كنساس، وفريقه. لاحظ فريق ساها أيضًا أن البالعات تطلق الـWNTs عبر حويصلات خارج خلوية، وهي عبارة عن أكياس غشائية صغيرة تتحرر من سطح الخلايا، ويقول ساها: "لم يكن هذا معروفًا. الآن نعرف كيف تُنقل WNTs في الجهاز".

ومن خلال هذه المعرفة، يمكن للباحثين البدء في التفكير بتطوير علاجات باستخدام الـ WNT المشتقة من البالعات للسماح للأطباء بمعالجة السرطانات المعدية المعوية بجرعات عالية، وتقليل الضرر الذي يحدث في حال وقوع حادث نووي ما. وقد نُشرت دراستهم العام الماضي في Nature Communications.

ويعمل فريق ساها حاليًا على تطوير جزيئات صغيرة يمكنها تعديل هذه البالعات لزيادة دورها في عملية التجدد. ويقول: "نحن واثقون من أننا نستطيع التوصل إلى إجابة للتخفيف من متلازمة الإشعاع الحاد في وقت قريب جدًا".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الهليوم (helium): ثاني أخف العناصر الكيميائية وثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرةً. تتألف ذرة الهليوم النموذجية من نواة مكونة من بروتونين ونترونين محاطة بالكترونين. تم اكتشاف الهليوم للمرة الأولى في شمسنا، حيث تصل نسبة الهليوم في الشمس إلى ما يُعادل 25% من كتلتها. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات