دِلتا الجبّار في حزام الجبّار

يعد دلتا أورايون نظاماً نجمياً معقداً، حيث يتألف بشكل إجمالي من خمسة نجوم.

المصدر: X-ray: NASA/CXC/GSFC/M. Corcoran et al.; Optical: Eckhard Slawik


تعتبر كوكبة الجبّار (الصياد) إحدى أكثر الكوكبات تميزاً وروعةً في السماء، ولعل "الحزام" الموجود فيها هو أكثر سمة مشهورة تُعرف بها. يتألف هذا الحزام من ثلاثة نجوم ساطعة تقع كلها على خط واحد، حيث يمكن رؤية كل واحدة منها دون الحاجة إلى استخدام أي تلسكوب.

يُعرف النجم الموجود في أقصى غرب الحزام بشكل رسمي باسم دلتا الجبار Delta Orionis (وعلى اعتبار أنه تم رصده على مدى عدة قرون من قبل المهتمين بمراقبة الأجرام السماوية في مختلف أنحاء العالم، فهو يحمل العديد من الأسماء الأخرى في عدة ثقافات مختلفة، على سبيل المثال: مينتاكا Mintaka). علماء الفلك المعاصرين يعلمون أن دلتا أورايون ليس عبارة عن نجم واحد فقط، وإنما هو نظام معقد متعدد النجوم.


يعتبر دلتا أورايون مجموعة نجمية صغيرة تتألف من ثلاثة عناصر تُشكل ما مجموعه خمسة نجوم وهي: دلتا أورايون A، ودلتا أورايون B، ودلتا أورايون C. يتصف كل من دلتا أورايون B ودلتا أورايون C بأنه نجم صغير يطلق ربما مقداراً ضئيلاً من الأشعة السينية، أما دلتا أواريون A فقد تم رصده باعتباره مصدراً قوياً للأشعة السينية، كما أنه يشكل بحد ذاته نظاماً نجمياً ثلاثياً كما يظهر في هذا التصوير الفني.



يتكون دلتا أورايون A من نجمين منفصلين قريبن جداً من بعضهما، ويدوران حول بعضهما البعض كل 5.7 يوم، أما النجم الثالث فيدور حول زوج النجوم هذا خلال فترة زمنية تقدر بحوالي 400 عام. يفوق وزن النجم ذي الكتلة الفائقة الأكبر بين زوج النجوم المنفصلة والمعروف بالنجم الأساسي (الأولي)، كتلة الشمس بحوالي 25 مرة. أما النجم الآخر ذو الكتلة الفائقة الأصغر والمعروف بالنجم الثانوي، فيفوق كتلة الشمس بحوالي 10 مرات تقريباً.

 

يظهر هذا التصوير الفني نظام النجم دلتا أورايون A. المصدر: NASA/CXC/M.Weiss
يظهر هذا التصوير الفني نظام النجم دلتا أورايون A. المصدر: NASA/CXC/M.Weiss


تسمح إمكانية اصطفاف زوج النجوم بهذه الطريقة لأحدهما بالعبور أمام الآخر في كل مدار، وذلك من وجهة نظر الراصد الأرضي. ويسمى هذا النوع من الأنظمة النجمية بـ "النظام النجمي الكاسف"، وتكمُن أهميته في أنه يوفر لعلماء الفلك طريقة مباشرة لقياس كتلة وحجم النجوم.

على الرغم من أن النجوم فائقة الكتلة نادرة الوجود نسبياً، إلا أنه يمكن أن تتسبب بآثار عميقة على المجرات التي توجد فيها. تتميز هذه النجوم العملاقة بأنها ساطعة جداً إلى درجة يؤدي الإشعاع الصادر عنها إلى هبوب رياح قوية محملة بالمواد النجمية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث بعض التأثيرات في الخصائص الفيزيائية والكيميائية للغازات الموجودة في المجرات المضيفة لتلك النجوم. هذا ويمكن للرياح النجمية أيضاً تحديد مصير النجوم بحد ذاتها، والتي في نهاية المطاف ستنفجر على شكل سوبرنوفا (المستعر الأعظم)، مخلفة وراءها إما ثقباً أسودَ أو نجماً نيوترونياً.


من خلال استخدام مرصد تشاندرا للأشعة السينية لمراقبة النظام النجمي الكاسف الذي يشكل أحد عناصر نجم دلتا أورايون A (يطلق عليه دلتا أورايون Aa) لمدة ستة أيام، استطاع فريق من الباحثين الوصول إلى معلومات مهمة حول النجوم فائقة الكتلة، وحول طبيعة الدور التي تلعبه الرياح في تطورها والأثر الذي تتركه في البيئة المحيطة بها. يمكن مشاهدة صور مرصد تشاندرا في الصندوق، كما يمكن رؤية صور ضوئية لكوكبة الجبار تم الحصول عليها باستخدام التلسكوبات الأرضية.

وعلى اعتبار أن دلتا أورايون Aa هو أقرب نظام نجمي كاسف، فبالتالي يمكن استخدامه كعامل مساعد في فهم العلاقة بين الخصائص النجمية التي تم الكشف عنها بواسطة أرصاد التلسكوبات الضوئية، وبين خصائص الرياح النجمية التي تم الكشف عنها بواسطة انبعاث الأشعة السينية.

يتصف النجم المرافق ذو الكتلة المنخفضة بأن الرياح النجمية الصادرة عنه ضعيفة، كما أن انبعاث الأشعة السينية هو الآخر ضعيف جداً. ويمكن لعلماء الفلك استخدام مرصد تشاندرا لمشاهدة كيف يُشكل النجم المرافق عائقاً أمام أجزاءَ كبيرة من الرياح الصادرة عن النجم ذي الكتلة الأكبر. وهذا بالطبع سيساعد العلماء في الحصول على رؤية أفضل لطبيعة ما يحدث للأشعة السينية التي ينبعث منها الغاز في المنطقة المحيطة بالنجم الأساسي، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى الإجابة عن سؤال بقي عالقاً لفترة طويلة من الزمن حول أي مكان داخل الرياح النجمية تتشكل الأشعة السينية التي تبعث الغازات. تشير البيانات إلى أن معظم انبعاث الأشعة السينية صادر عن رياح النجم العملاق، ومن المرجح أنها ناتجة عن موجات الصدمة التي تتشكل بفعل الاصطدام بين كتل الغاز سريعة الحركة والموجودة داخل الرياح.

وجد الباحثون أيضاً أن انبعاث الأشعة السينية من ذرات معينة داخل رياح النجم دلتا أورايون Aa، يتغير بالتزامن مع حركة النجوم في زوج النجوم المجاور، ويعود سبب هذا إلى الاصطدام الحاصل بين الرياح الصادرة عن كلا النجمين، أو من اصطدام الرياح الصادرة عن النجم الأساسي مع سطح النجم الثانوي. ويشكل هذا التأثير عائقاً أمام جزء من الرياح الصادرة عن النجم الأكثر سطوعاً.

كشفت البيانات الضوئية المستقاة من تلسكوب قياس التغيرات الصغرى والاهتزازات في ضوء النجوم MOST التابع لوكالة الفضاء الكندية، عن أدلة حول وجود اهتزازات في ضوء النجم الأساسي ناجمة عن التأثيرات المدِّية المتبادلة بين كل من النجم الأساسي والنجم المرافق، وذلك عند حركتهما في مداراتهما.

تم استخدام قياسات التغيرات في السطوع بواسطة التلسكوبات الضوئية، إضافة إلى التحليل المفصل للأطياف الضوئية والأشعة فوق البنفسجية، في تحديد المعايير لكلا النجمين. كما كان الباحثون قادرين أيضا على حل بعض التناقضات السابقة بين المعايير النجمية والنماذج المتعلقة بالطريقة المتوقعة لتطور النجوم مع مرور الوقت.

تم عرض هذه النتائج في 4 صفحات مترابطة نُشرت مؤخراً في مجلة Astrophysical Journal. وقد قاد فريق البحث كل من مايكل كوركوران Michael Corcoran (من مركز غودارد لرحلات الفضاء، واتحاد جامعات أبحاث الفضاء)، وجوي نيكوكز Joy Nichols (من مركز هارفرد-سميثوسنيان للفيزياء الفلكية)، وتومير شينار (من جامعة بوستدام)، وهيربرت بابلو Herbert Pablo (من جامعة مونتريال). يتولى مركز مارشال لرحلات الفضاء في هانتشفيل ألاباما، إدارة برنامج تلسكوب تشاندرا لصالح إدارة المهام العلمية التابعة لناسا ومقرها واشنطن. كما يدير مرصد سميثوسنيان للفيزياء الفلكية في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، علوم تشاندرا بالإضافة إلى عمليات الرحلة الفضائية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مركز غودارد لرحلات الفضاء (GSFC): هو واحد من المراكز العلمية التي تقوم ناسا بتشغيلها. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات