بيانات ناسا تظهر أمواجاً تشبه أمواج الركمجة في الفضاء القريب من الأرض

شوهد نمط أمواج الركمجة الأيقونية، الظاهرة هنا، في الغلاف الجوي لكوكب زحل، والتي التقطتها بعثة كاسيني التابعة لوكالة ناسا، في كثيرٍ من الأماكن في كل أرجاء الكون، بما فيها حواف البيئة المغناطيسية للأرض.

حقوق الصورة: كاسيني، ناسا.


يفيض الكون بالأنماط المتكررة. ومن أصغر الخلايا إلى أكبر المجرات، غالبا ما يُكافأ العلماء بمشاهدة أنماط متماثلة في أماكن مختلفة إلى حد كبير. أحد هذه الأنماط، هو أمواج الركمجة (ركوب الأمواج) التي تُشاهد في المحيط -سلسلة من القمم المفتولة تتحرك بثبات في اتجاه واحد.


لهذا الشكل سبب بسيط. هناك مائع سريع، من مثل الرياح، يعبر آخر أبطأ منه، من مثل الماء، ليصنع بطبعه هذا الشكل الكلاسيكي. في أواخر القرن التاسع عشر سميت هذه الموجات "موجات كلفن-هيلمولتز" Kelvin-Helmholtz نسبة لمكتشفيها، ومنذ ذلك الحين اكتُشفت هذه الموجات في جميع أرجاء الكون: في الغيوم والأغلفة الجوية لكواكب أخرى وعلى الشمس. والآن، هناك ورقتان بحثيتان نُشرتا مؤخراً، تُبرزان هذه الموجات المتناسقة في حدود الفضاء القريب من الأرض.

يرغب العلماء في فهم تفاصيل ما يحدث في تلك الحدود، لأن الأحداث المتنوعة هناك قد تعكر صفو بيئتنا الفضائية. إذ بوسع هذا الطقس الفضائي، عندما يصبح قوياً بما فيه الكفاية، أن يقطع أنظمة اتصالاتنا أو الإلكترونيات على متن الأقمار الصناعية. وفي حين أن العلماء قد تمكنوا أحياناً من العثور على موجات كلفن-هيلمولتز في هذه الحدود من قَبل -مما منح العلماء سبباً للتساؤل حول قدرتهم على تعزيز أو تمكين مثل هذا الطقس الفضائي- فقد بينت الورقتان أن هذه الأمواج شائعة أكثر من المتوقع. هذا وقد عرضت الورقة الثانية دراسة حالة تصف طريقة لم تُدرَك من قبل لتشكّل هذه الموجات. وتشير كلتا الورقتين معاً إلى أن هذه الموجات قد تكون ذات تأثيرٍ على بيئتنا الفضائية أكبر مما تبين سابقاً.

يقول شيفا كافوسي Shiva Kavosi، وهو عالم الفضاء لدى جامعة نيو هامبشر New Hampshire في دورهام، والمؤلف الأول لإحدى الورقتين، والتي نشرتها مجلة Nature Communications في 11 مايو/أيار 2015: "لقد كنا نعرف سابقاً بوجود موجات كلفن-هيلمولتز على حدود البيئة المغناطيسية للأرض -لكنها كانت تُعتبر نادرة نسبياً ويُعتقد أنها تظهر فقط تحت ظروف مخصّصة"، ويضيف: "لقد تبين أنها قد تظهر تحت أي ظرف، وأنها أكثر انتشاراً بكثير مما كنا نظن. إنها موجودة في 20% من الوقت".

إن الموجات هي نتيجة مباشرة للطريقة التي يتناغم فيها كوكبنا مع النظام الشمسي الأكبر. فكوكب الأرض مغناطيس ضخم، وفعاليته المغناطيسية تمتد إلى الخارج في فقاعة كبيرة تسمى الغلاف المغناطيسي (magnetosphere). والتدفق الثابت للجسيمات من الشمس الذي يسمى الرياح الشمسية، يهب على الغلاف المغناطيسي -لا يختلف ذلك عن هبوب الرياح على سطح المحيط. وخلال حالاتٍ معينة، تستطيع الجسيمات وطاقة الشمس اختراق الغلاف المغناطيسي، لتعبر إلى الفضاء القريب من الأرض. إن هذا التدفق يقبع في صميم أحداث الطقس الفضائي، التي يمكن أن تؤثر على تقنياتنا قريباً من الوطن.

موجة الركمجة الكلاسيكية، التي تعرف باسم موجات كلفن-هيلمولتز، من الممكن رؤيتها في كل مكان من الطبيعة، كما هو الحال في هذه الغيوم. حقوق الصورة: داني راتكليف. Credits: Danny Ratcliffe
موجة الركمجة الكلاسيكية، التي تعرف باسم موجات كلفن-هيلمولتز، من الممكن رؤيتها في كل مكان من الطبيعة، كما هو الحال في هذه الغيوم. حقوق الصورة: داني راتكليف. Credits: Danny Ratcliffe


لالتقاط تردد موجات كلفن-هيلمولتز، اعتمد الفريق على بيانات أجهزة اثنتين من مركبات ناسا الفضائية: مستكشف التركيب المتقدم (the Advanced Composition Explorer)، أو اختصاراً ACE، وتأريخ توقيت الأحداث والتفاعلات على مقياس ضخم نسبياً أثناء العواصف الثانوية (Time History of Events and Macroscale Interactions during Substorms)، أو اختصاراً THEMIS.


تستقر ACE بين الأرض والشمس، وتقيس الرياح الشمسية قبل نحو 30 إلى 60 دقيقة قبل ملامستها المجال المغناطيسي للأرض. أما THEMIS فتدور حول الأرض، وتنتقل بانتظام إلى داخل وخارج حدود الغلاف المغناطيسي. لقد أكد الباحثون، أولاً، كيف تبدو موجات كلفن-هيلمولتز بواسطة المحاكة الرقمية. ثم استخدموا مشاهدات THEMIS لمعرفة متى وأين تحدث.

وبعد ذلك، ربطوا بين ما شاهدوه في حدود الغلاف المغناطيسي وما قاسته ACE في الرياح الشمسية. لقد ألمحت النظريات السابقة إلى أن موجات كلفن-هيلمولتز ستحدث فقط تحت حالات محددة جداً، مثل حالة توافق اتجاه المجالات المغناطيسية للرياح الشمسية مع اتجاه المجالات المغناطيسية للأرض. إلا أن الفريق، وبشكل غير متوقع، وجد أن موجات كلفن-هيلمولتز ظهرت تحت مجموعة واسعة التنوع من الظروف. لقد كانت لدى الرياح -السريعة والبطيئة منها، والرياح ذات الحقول المغناطيسية، وفي أي اتجاه كانت- القدرة على إنتاج هذه الموجات الكلاسيكية.

بينما قارنت الورقة البحثية الأولى موجات كلفن-هيلمولتز بما شوهد في الرياح الشمسية، فقد قارنها الفريق الثاني بما كان يحدث على مقربة من الأرض ويقدم تفسيراً محتملاً لسبب إمكانية مشاهدتها بهذا القدر من التكرار. وقد نُشرت الورقة البحثية الثانية على الإنترنت في مجلة البحوث الجيوفيزيائية Journal of Geophysical Research، في 26 يونيو/حزيران 2015، وأعدّها كل من بريان والش Brian Walsh من جامعة بوسطن، وإيفان توماس Evan Thomas، وهو طالب لدى جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في بلاكسبرج بولاية فرجينيا وينتظم في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في غرين بلت بولاية ماريلاند.


يستخدم توماس بيانات مستمدة من شبكة من المراصد الأرضية تعرف باسم SuperDARN، وهو اختصار لشبكة الرادار الشفقي المزدوج الفائق Super Dual Auroral Radar Network. وتقيس هذه البيانات الحقول الكهربائية في الفضاء القريب من الأرض. يركز والش على بيانات THEMIS. وباستخدام المشاهدات المجمَّعة من الفضاء ومن على الأرض، رصد الفريق موجات كلفن-هيلمولتز متزايدة إلى الأسفل من جانب حدود الغلاف المغناطيسي. كما رصدت THEMIS شيئاً آخر: قبل أن تبدأ الأمواج مباشرةً، أطلق خزانٌ من الغاز المشحون حول الأرض -يعرف باسم الغلاف البلازمي plasmasphere- عموداً رقيقاً من البلازما التي عبرت أكثر من 20 ألف ميل لتلامس حواف الغلاف المغناطيسي، مرسبةً ذرات إضافية في الحدود الفاصلة بين الشمس والأرض.

تبين هذه المحاكاة الفقاعة المغناطيسية حول الأرض، والتي تسمى الغلاف المغناطيسي. وبينما تسرع الرياح الشمسية في عبورها -تدفق ثابت للجسيمات من الشمس- فإنها تصنع الشكل الكلاسيكي لموجات الركمجة التي يُسمّيها العلماء باسم موجات كلفن-هيلمولتز. حقوق الصورة: يواكيم ريدر وشابنام كافوشي من جامعة نيو هامبشير. Credits: S. Kavosi/J. Raeder/UNH
تبين هذه المحاكاة الفقاعة المغناطيسية حول الأرض، والتي تسمى الغلاف المغناطيسي. وبينما تسرع الرياح الشمسية في عبورها -تدفق ثابت للجسيمات من الشمس- فإنها تصنع الشكل الكلاسيكي لموجات الركمجة التي يُسمّيها العلماء باسم موجات كلفن-هيلمولتز. حقوق الصورة: يواكيم ريدر وشابنام كافوشي من جامعة نيو هامبشير. Credits: S. Kavosi/J. Raeder/UNH


إن مثل هذه الأعمدة هي أحداث اعتيادية إلى حد ما، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الربط بينها وبين موجات كلفن-هيلمولتز. وتشير دراسة الحالة هذه إلى أن العمود نفسه قد يحفّز الموجات، ربما لأنه يزيد من الكثافة على حدود الغلاف المغناطيسي، مما يؤدي إلى تكوّن مائع أكثر ركوداً بشكل ملحوظ من الرياح الشمسية التي تهب مارةً به، موفراً الشروط اللازمة لتشكّل موجة كلفن-هيلمولتز.

يقول توماس: "لقد أُعدّت نظرية موجات كلفن-هيلمولتز إعداداً جيداً، ولكن ليس لدينا كثير من المشاهدات"، ويتابع: "إن هذه المشاهدات الجديدة تبيّن أن الموجات تحدث في أحيان أكثر من المتوقع وربما كانت أكثر أهمية مما كنا نتصور -ولكننا ما زلنا لا نعرف كل التفاصيل".

إن فهم حدود الغلاف المغناطيسي الفاصلة تلك، وكيف لها أن تسمح بدخول المواد الشمسية، يتطلب فهم مجموعة متنوعة من العمليات التي يمكن أن تؤثر فيها وتعكّرها.

يقول يواكيم ريدر Joachim Raeder: "هناك كثير من العمليات المقترحة لكيفية دخول المواد في الغلاف المغناطيسي، وموجات كلفن-هيلمولتز هي واحدةٌ منها. لقد كنا نظن سابقاً أن الموجات لا تحدث بقدر كافٍ إلا عند امتلاكها تأثيراً قوياً، ولكن، إذا سببت موجات كلفن-هيلمولتز اضطراباً على الحدود وخلطت المواد الشمسية مع الفضاء القريب من الأرض، فإن ذلك سيكون وسيلة لوصول البلازما من الرياح الشمسية إلى الغلاف المغناطيسي".

وسواء كانت موجات كلفن-هيلمولتز محفّزاً قوياً لأحوال الطقس في الفضاء القريب من الأرض أو لم تكن، فإن هذه التفاصيل الحاسمة تساعد في رسم صورة أكثر اكتمالاً عن غلافنا المغناطيسي، مما سيساعدنا في نهاية المطاف على حماية كوكبنا.

يُدار يكل من THEMIS و ACE ضمن برنامج الاستكشاف التابع لناسا، الذي ابتُكر لتوفير الفرص لرحلات متكررة لإجراء تحقيقات علمية من الفضاء من الطراز العالمي، ضمن مجالي علوم الفيزياء الشمسية heliophysics والفيزياء الفلكية astrophysics.

يدير مركز غودارد التابع لوكالة ناسا البرنامج لصالح مجلس إدارة المهمات العلمية لدى الوكالة.

SuperDARN هي شبكة رادار علمية دولية، يموَّل الجزء الأمريكي منها من قِبل مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation، ضمن إطار برنامج أبحاث طقس الفضاء Space Weather Research Program. والجزء الأمريكي هو تعاون بين جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، بصفتها المؤسسة الرائدة، وكلية دارتموث Dartmouth College، وجامعة ألاسكا فيربانكس University of Alaska Fairbanks، ومختبر الفيزياء التطبيقية لدى جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغلاف المغناطيسي (Magnetosphere): هي المنطقة من الفضاء التي تكون قريبة من جسم فلكي ما ويتم داخلها التحكم بالجسيمات المشحونة من قبل الحقل المغناطيسي للجسم.
  • كلفن (Kelvin): هي الواحدة الدولية الرئيسية لدرجة الحرارة الترموديناميكية وتُعرف على أنها جزء من 273.16 من درجة الحرارة الترموديناميكية للنقطة الثلاثية للماء. وللحديث بشكل عملي أكثر، يقيس سلم كلفن درجة حرارة الجسم التي تكون فوق الصفر المطلق، وهي درجة الحرارة النظرية الأشد برودةً. على مقياس كلفن، تكون نقطة التجمد للماء 273 كلفن (0 درجة سيلسيوس، 0 درجة كلفن) (الكلفن= 273 + سيلسيوس= 273+ 9/5 (فهرنهايت-32) ). غالباً ما يتم استخدام سلم كلفن لقياس درجات الحرارة في علوم مثل علم الفلك. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات