أقمار ناسا الصناعية تقيس الزيادة الحاصلة في معدل امتصاص الطاقة الشمسية في القطب الشمالي

رَصدت أدوات ناسا الفضائية زيادةً ملحوظة في امتصاص الإشعاع الشمسي في القطب الشمالي منذ عام 2000، وهو ما ينسجم مع الانخفاض المتزايد في مستويات جليد البحر القطبي الشمالي خلال نفس الفترة. في حين أن الجليد البحري غالباً ما يكون أبيض ويعكس أشعة الشمس، إلّا أن مياه المحيط تكون مظلمة وتمتص طاقة الشمس بمعدل أعلى.

إن انخفاض البياض في المنطقة-وبالتالي انخفاض الانعكاسية (reflectivity)-هو مصدر قلق رئيسي لدى العلماء. ففي العقود الأخيرة، بدأ الغطاء الجليدي البحري بالتقلص مع بدء فصل الصيف. ومع زيادة امتصاص الطاقة الشمسية من قبل النظام المناخي، أصبحت تُعزز الدفيئة المستمرة في المنطقة، التي يظهر عليها آثار الاحتباس الحراري أكثر من أي منطقة أخرى على الكوكب.

حسب قول نورمان لوب (Norman Loeb)، من مركز أبحاث لانغلي التابع لناسا في هامبتون-فيرجينيا، فإنه منذ عام 2000 ارتفع معدل الإشعاع الشمسي الذي يُمتص في القطب الشمالي في يونيو، ويوليو، وأغسطس بنسبة خمسة في المئة؛ وتم إجراء القياس باستخدام أداة " نظام الطاقة المُشعّة للأرض والغيوم''، أو سيرس (CERES) التابعة لناسا، والتي تحلق على متن أقمار صناعية متعددة.

في حين أن زيادة خمسة بالمئة قد لا تبدو كبيرة، إلا أنه يجب الأخذ بالاعتبار أن المعدل العالمي بقي مستوياً خلال الوقت نفسه؛ إذ لا توجد منطقة أخرى على الأرض تُظهِر تغيير محتمل على المدى الطويل. عند حساب المعدل في المحيط المتجمد الشمالي بأكمله، بلغ معدل الزيادة في امتصاص الإشعاع الشمسي حوالي 10 واط لكل متر مربع؛ وهذا يُعادل وجود لمبة من نوع 10 واط تسطع بشكل مستمر لكل 10.76 قدم مربع من المحيط المتجمد الشمالي على مدى فصل الصيف.

ويقول لوب أن الزيادة الإقليمية هي أكبر من ذلك؛ فهناك مناطق، مثل بحر بوفورت شهدت انخفاضاً واضحاً في الغطاء الجليدي البحري، ويُظهر زيادة بمقدار 50 واط لكل متر مربع في معدل امتصاص الإشعاع الشمسي.

يُضيف لوب: "سيعتمد التقدم في فهمنا لتغير المناخ في القطب الشمالي، والعمليات الأساسية التي تؤثر عليه بشكل حاسم على المراقبات عالية الجودة -مثل تلك القادمة من (سيرس) ".تُعتبر منطقة القطب الشمالي واحدة من بين أكثر المناطق على الكوكب التي تُظهر تغير مناخي جذري؛ وتشمل هذه المظاهر؛ ارتفاع في درجات حرارة الهواء بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة ببقية مناطق الكوكب، وأيضاً فقدان الجليد البحري في سبتمبر بمعدل 13 في المئة في العقد الواحد.

في الوقت الذي يُمكن فيه لقياسات (سيرس)  الحالية أن تصبح في نهاية المطاف من العلامات الدالة على التغير المناخي الجذري، يقول العلماء الآن أنهم حصلوا على الحد الأدنى من البيانات اللازمة لمعرفة ماذا يحدث على المدى الطويل. تقول جنيفر كاي (Jennifer Kay)، وهي عالمة في الغلاف الجوي في معهد الأبحاث والعلوم البيئية في جامعة كولورادو، أن الحصول على بيانات ما بعد 15 عاماً ستسمح للعلماء بالحصول على تقييم أفضل ومعرفة فيما إذا كان الانخفاض الأخير في الغطاء الجليدي هو خارج نطاق التقلبات الطبيعية.

تُضيف كاي: "نحن بحاجة إلى سلسلة زمنية طويلة للكشف عن إشارات تغير المناخ على مدى التباين الداخلي. على سبيل المثال، لا يُمكن تفسير نقصان الجليد البحري، الملاحظ على امتداد الثلاثين سنة الماضية، عن طريق التقلبات الطبيعية وحدها. خمسة عشر عاماّ هي مدة طويلة، وغالباً ما يتم تعريف المناخ بمعدل يمتد على أكثر من ثلاثين عاماً، وبالتالي فنحن فقط في منتصف الطريق بوجود مراقبات (سيرس) ".

حللت كاي وزملاؤها مراقبات الأقمار الصناعية لسحب القطب الشمالي خلال الفترة نفسها لمدة 15 عاماً؛ وأظهر بحث كاي أن كمية الغيوم، والسحب، والبُنى الشاقولية لها لم يتأثرا بفقدان جليد البحر في الصيف؛ وفي الوقت الذي تُثير فيه هذه النتيجة الدهشة، أظهرت المراقبات أن السطح الجليدي الساطع للبحر لا يُستبدل تلقائياً عن طريق سحب ساطعة. في الواقع، إن فقدان الجليد البحري هو ما يُفسر زيادة امتصاص الإشعاع الشمسي التي تم رصدها من قبل (سيرس)، و ليست الغيوم هي السبب.

يقول والت ماير (Walt Meier)، وهو عالم في الجليد البحري من مركز غودارد للطيران الفضائي التابع لناسا في جرينبلت-ماريلاند، أن الزيادة في امتصاص الإشعاع الشمسي تُسبب العديد من التغيرات في الغطاء الجليدي البحري؛ ويشمل اثنين من هذه التغيرات توقيت بداية موسم الذوبان في كل عام، وفقدان الجليد الأقدم والأكثر سماكة.

ويُضيف ماير، أن بداية موسم الذوبان في منطقة القطب الشمالي هي الآن وسطياً أبكر بحوالي سبعة أيام مما كانت عليه في عام 1982؛ ومن الممكن أن يؤدي الذوبان المبكر إلى زيادة في امتصاص الإشعاع الشمسي؛ وهذه خطوة واحدة في دورة ردود الفعل المحتملة، التي تبدأ بارتفاع درجة الحرارة، الأمر الذي يؤدي إلى الذوبان، والذوبان بدوره يؤدي إلى زيادة امتصاص الإشعاع الشمسي، والزيادة هذه تؤدي إلى تعزيز ارتفاع درجة حرارة الأرض.

منذ عام 2000، فقد القطب الشمالي 1.4 مليون كيلومتر مربع من الجليد القديم، الذي تبلغ سماكته أكثر 3 أمتار، والذي تم استبداله خلال الشتاء بجليد تبلغ سماكته أقل من 2 متر وفقاً للبيانات التي قدمها مارك تشودي (Mark Tschudi) من جامعة كولورادو؛ ويقول ماير بأن هذه الحادثة تُعتبر مرة أخرى خطوة في سلسلة ردود الفعل. يُضيف ماير: "إن وجود جليد أكثر حداثة وأقل سُمكاً خلال الشتاء يجعل النظام أكثر عُرضة لفقدان الجليد خلال موسم الذوبان الصيفي". تُحلق أدوات (سيرس) حالياً على الأقمار الصناعية -NPP تيرا، وأكوا، و سومي.

أطلق القمر الصناعي تيرا في 18 ديسمبر 1999 وبدأ (سيرس) بجمع أولى بيانات القطب الشمالي في عام 2000، وبالتالي فإن عام 2015 سيكون العام الخامس عشر لقياسات (سيرس) المتواصلة فوق القطب الشمالي؛ وتشمل الأدوات ثلاثة أدوات لقياس الإشعاع: واحدة تقوم بقياس الإشعاع الشمسي المُنعكس من الأرض (موجات قصيرة)، وأخرى تقيس الإشعاع الحراري بالأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأرض (موجة طويلة)، والأخيرة تقوم بقياس كل الأشعة الخارجة سواء منبعثة أو منعكسة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات