لطالما سعى الباحثون لإيجاد وسائل علاج تبطئ من تقدم داء باركنسون "Parkinson's disease". تعمل وسائل العلاج الحالية، وعلي مدار العقود السابقة، علي معالجة الأعراض فقط بتزويد مُصابي داء باركنسون بالناقل العصبي "الدوبامين"، والذي لا يعود باستطاعة الخلايا العصبية إفرازه بعد موتها في هذا المرض. تقدم لنا نتائج الدراسات الجديدة أملًا أن وسائل العلاج المستقبلية قد تتمكن من الاستفادة من آلية الدماغ للدفاع عن نفسه للحد من موت الخلايا العصبي، واستعادة إنتاج "الدوبامين" لمعدلاته الطبيعية.
أجرى الفريق الطبي بجامعة لوند ومعهد كارولينا دراسة يقومون فيها بتزويد المخ بعامل نمو على أمل الحفاظ على الخلايا المفرزة للدوبامين بمشاركة اثني عشر مريضًا وهي المرة الأولى التي يشترك فيها بشر في هذا النوع من الدراسات.
من بين عوامل النمو المتعددة، أظهر "عامل النمو المشتق من الصفيحات – Platelet derived growth factor" قبل ذلك في تجارب على الحيوانات المصابة بأعراض مشابهة لداء باركنسون تأثيراتٍ إصلاحية على كل من الخلايا والألياف العصبية مما أدى إلى تحسن في المهارات الحركية.
تظهر نتائج الدراسة الحالية على المرضى أن تزويد أدمغة المرضي بعامل النمو لم يؤد إلى أيّة أعراض جانبية خطيرة أو غير قابلة للحل، والشيء الأكثر تشجيعًا هو صور أدمغة المرضى بعد أربعة شهور من إعطائهم عامل النمو.
باستخدام تقنية التصوير المقطعيّ بالإصدار البوزيتروني PET scan، وجد الباحثون أن معدل إفراز الدوبامين عند المرضى لم يظل كما هو وحسب، بل ارتفع!
تقول جيسِن بول Gesine Paul قائدة فريق البحث بجامعة لوند والمؤلف الرئيس لهذه الدراسة: "يفقد المصابون بداء باركنسون الخلايا العصبية بشكل مستمر، مما يعني أننا نرى الإشارات المعبرة عن معالجة الدوبامين تقل باستمرار. ما رأيناه هو أن المرضى الذين أخذوا الجرعة العليا لم يحدث لديهم انخفاض في الإشارات بنفس نسبة الانخفاض الحادث لدى المرضى المعالجين بالغُفْل (العلاج الكاذب وهو حيلة سيكولوجية تتضمن إعطاء المريض شيء له كل مواصفات القرص العلاجي من ناحية الشكل والحجم لكن بدون فاعلية دون أن يعرف المريض ما تلقاه هو العلاج الحقيقي أم العلاج الكاذب). عوضًا عن ذلك، رأينا ارتفاعًا في نسبة إشارات الدوبامين مما يعني أننا عكسنا عملية موت الخلايا وهذا شيء مثير حقًا".
بدأ الباحثون تجاربهم لاختبار عامل النمو على الحيوانات منذ عشر سنوات بينما استغرق البدء في التجارب السريرية مدة طويلة. نأمل أن تؤدي تلك النتائج الإيجابية إلى تجارب سريرية أكبر نستطيع فيها تقييم الآثار العلاجية لعامل النمو بشكل أفضل. تأمل جيسِن بول وزملاؤها من الوصول بشكل دقيق إلى الآليات التي تعمل بها هذه العملية الإصلاحية المعقدة، والتي يبدو فيها أن عامل النمو هو ما يبدؤها.
تضيف جيسِن بول "حاليا لا توجد عقاقير بإمكانها إصلاح التلف الذي يحدثه داء باركنسون ببعض أجزاء المخ. رُغم أن الطريق ما زال طويلًا أمامنا إلا أن تلك الدراسة تشير إلى إمكانية تحفيز آليات الدماغ الخاصة به للدفاع عن نفسه –عن طريق عامل النمو- للإيقاف من تطور المرض. إذا أردنا أن نستفيد بشكل كامل من القدرة الإصلاحية لعامل النمو فعلينا الآن أن نفهم الآلية التي يعمل بها على المستوى الجزيئي. ومن ثمّ المضي قدمًا نحو دراسات سريرية أخرى بألمانيا وإنجلترا والسويد".