يصدر علماء ناسا خرائط عالمية جديدة للأرض ليلًا، مقدمين الرؤية المركّبة والأوضح حتى الآن لأنماط الاستيطان البشري عبر كوكبنا.
- حمل خريطة 2016 "الأرض ليلًا" – 2016 Earth at Night
إن صور الأقمار الصناعية للأرض ليلًا -التي يُشار إليها عادةً باسم "أضواء الليل"- قد أثارت الفضول والذهول لدى العامة وهي أداة في البحث الأساسي لما يقارب 25 عامًا. فقد قدمت صورة جميلة واسعة، مبينة كيف قد شكّل البشر الكوكب وأضاؤوا الظلمة. تُصدر خرائطٌ كهذه كل عقد أو قريبًا من ذلك، وقد ولّدت آلاف الاستخدامات في الثقافة الشعبية وعشرات المشاريع في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية والأبحاث البيئية.
أصدر علماء ناسا للتو الخريطة العالمية الجديدة الأولى للأرض منذ 2012. بدراسة الأرض في الليل، يمكن أن يستقصي الباحثون كيفية توسع المدن، ويراقبوا الكثافة الضوئية لتقدير استخدام الطاقة والنشاط الاقتصادي، ويساعدوا في الاستجابة للكوارث.
المصدر: A's Goddard Space Flight Center/Kathryn Mersmann
لتحميل هذا الفيديو بصيغة HD من استديو غودارد للمحاكاة العلمية التابع لناسا.
لكن ماذا قد يحدث إذا أمكن تحديث صور أضواء الليل سنويًا أو شهريًا أو حتى يوميًا؟
يخطط فريقٌ بحثي بقيادة عالم الأرض ميغيل رومان Miguel Román من مركز غودارد للطيران الفضائي Goddard Space Flight Center التابع لناسا الواقع في غرينبيلت، ميريلاند، لاكتشاف ذلك هذه السنة.
منذ إطلاق القمر الصناعي سومي Soumi التابع للبرنامج الوطني للشراكة في الدوران حول القطب واختصارًا NPP التابع لناسا ونوا معاً NASA-NOAA عام 2011، كان رومان وزملاؤه يحللون بيانات الأضواء الليلية ويطورون برامج وخوارزميات جديدة لكي يجعلوا التصوير الليلي أكثر وضوحًا وأكثر دقة وسهولة للقراءة. هم الآن على وشك توفير صور يومية عالية الدقة لليالي الأرض، ويهدفون إلى إطلاق مثل هذه البيانات للمجتمع العلمي لاحقًا هذا العام.

بعد أن نشر الزملاء من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA وناسا، نموذجًا أرضيًا جديدًا بخريطةٍ ليليّة عام 2012، يعمل رومان وزملاؤه في نظام معلومات مراقبة الأرض واختصارًا EOSDIS التابع لناسا، ليدمجوا البيانات الليليّة ضمن نظام الخدمات العالمية للالتقاط الصور واختصارًا GIBS، وأدوات رسم الخرائط العالمية المسماة Worldview.
وبشكلٍ متاحٍ للوسط العلميّ والعامّة من خلال شبكة الويب، تتيح هاتان الخدمتان للمستخدمين رؤية صور طبيعية وبألوان معكوسة للأرض وذلك خلال ساعاتٍ من حصول القمر الصناعي عليها.
سيقومون اليوم بنشر خريطة مركبة عالمية جديدة للأضواء الليليّة كما شوهدت خلال عام 2016، ونسخة منقحة للخريطة التي نُشِرت في عام 2012. تفحص فريق ناسا الطرق المختلفة التي يشعّ بها الضوء، وكيف يتبعثر وينعكس على الأرض والغلاف الجوي والأسطح. كان التحدي الأكبر الذي يواجه قمر التصوير الليليّ هو أخذ طور القمر بعين الاعتبار، الأمر الذي يؤثّر ويغيّر كمية الضوء الساطع على سطح الأرض، حتى لو كان ذلك على نحوٍ تنبّؤي.
بطريقةٍ مماثلة، يغيّر كلُّ من الغطاء الخضريّ والسحب وجزيئات الهباء الجوي (aerosol) والثلج والغطاء الجليديّ، وحتّى الانبعاثات الخفيفة للغلاف الجوي -من مثل الشفق القطبي (aurora) والتوهج الهوائيّ- الشكل الذي يُرصَد به الضوء في المناطق المختلفة على سطح الأرض. أُنتجت الخرائط الجديدة هذه باستخدام بياناتٍ أخذت من كلّ الأشهر لكلّ سنة. واستطاع الفريق من خلال كتابة شيفرةٍ لاختيار الليالي الأكثر صفاءً من كل شهر، أن يجمعوا أخيرًا البيانات الخالية من ضوء القمر وضوء القمر المصحّح.

وقد عمل رومان وزملاؤه على بناء تقنيات الاستشعار عن بعد وذلك لتصفية مصادر الضوء الخارجي، ليجمعوا مؤشرات أفضل وأكثر اتساقًا عن كيفية تغير النماذج والعمليات نتيجة الفعاليات البشرية. وتجعل المعالجة المحسنة من مرصد سومي الوطني العامل في المدار القطبي Soumi NPP يقترب من إمكانياته القصوى ليرصد أضواء خافتة وصولًا إلى درجة مشاهدة ضوء وحيد على طريق معزول أو قارب صيد.
والأداة التي تمثل العمود الفقري بالنسبة للقمر الصناعي هي مجموعة تصوير مقياس الأشعة المرئي العامل بالأشعة تحت الحمراء Visible Infrared Imaging Radiometer Suite او اختصاراً (VIIRS) ، التي تكشف عن فوتونات الضوء المنعكسة عن سطح الأرض وغلافها الجوي عند 22 طولًا موجيًا مختلفًا. إن أداة VIIRS هي الأداة الأولى لقمر صناعي تُجري قياسات كمية لانبعاثات الضوء وانعكاساته، الأمر الذي يسمح للباحثين بتحديد وتمييز مصادر الأضواء الليلية وأنواعها إضافة إلى كثافتها على مدى أعوام عدة.

ويجري Soumi NPP رصدًا تقريبًا لكل موقع على الأرض في الساعة 1:30 مساء و1:30 صباحًا وفق التوقيت المحلي يوميًا، ليراقب الكوكب في قطاعات أفقية طولها 3000 كيلومتر وتمتد بين القطبين. ويضم VIRS حزمة (ليل-نهار) خاصة، وهو مستشعر للضوء الضعيف بإمكانه تمييز أضواء الليل بدقة مكانية تفوق الأقمار الصناعية الليلية السابقة بست مرات وبمستويات إضاءة (نطاق ديناميكي) أفضل بـ250 مرة مما سبق. ولأن Soumi NPP هو قمر صناعي مدني للعلوم، فإن بياناته تكون متاحة للعلماء مجانًا في غضون دقائق أو ساعات من الحصول عليها.

ويقوم فريق ناسا الآن بأتمتة العملية، مدعومًا بمعدات ظروف ليلية أكثر دقة، وبالتالي سيتمكن المستخدمون من مشاهدة الصور الليلية بعد ساعات من الحصول عليها. وبذلك إمكانيةُ المساعدة في التنبؤ بالطقس على المدى القصير والاستجابة للكوارث.
|
|
ويقول رومان: "بفضل VIIRS، بإمكاننا الآن مراقبة التغيرات على المدى القصير والتي تسببها اضطرابات توصيل الطاقة، كالنزاعات، والعواصف، والزلازل، و تقييد استخدام الطاقة الكهربائية في أماكن معينة Brownouts. بإمكاننا مراقبة التغيرات الدورية التي تسببها الفعاليات البشرية المتكررة كإضاءة أيام العطل والهجرات الموسمية. كما يمكننا مراقبة التغيرات التدريجية التي يسببها التحضر، والهجرة الخارجية، والتغيرات الإقتصادية، وتأمين الكهرباء. وحقيقة أن بإمكاننا تتبع ومراقبة كل هذه الأمور المختلفة من جوهر ما يعرّف مدينة ما هو أمر مثير للدهشة".

على سبيل المثال، كشفت VIIRS عن انقطاع التيار الكهربائي عقب إعصار ماثيو، حيث ضربت عاصفة كبرى شمال شرق منطقة الكاريبي وجنوب شرق الولايات المتحدة وذلك في أواخر أيلول/سبتمبر عام 2016، وقد قدم فريق الاستجابة للكوارث التابع لوكالة ناسا البيانات إلى زملائهم في الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ (FEMA).
وفى المستقبل، تأمل كل من ناسا والوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ ووزارة الطاقة بتطوير خرائط انقطاع التيار الكهربائي ودمج المعلومات مع جهود الإنعاش عن طريق أوائل المستجيبين.

يتصور فريق ناسا العديد من الاستخدامات الممكنة في مجال البحث والأرصاد الجوية والمجموعات المدنية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الصور الليلية اليومية لمراقبة أو رصد الصيد غير المنظم أو غير المبلغ عنه ويمكن أيضًا أن تساهم في تتبع تحركات الجليد وتمركزه، وينوى الباحثون في بورتوريكو استخدام البيانات للحد من التلوث الضوئي والمساعدة في حماية الغابات الاستوائية والمناطق الساحلية التي تدعم النظم البيئية الهشة.
وقد استخدم فريق في الأمم المتحدة بالفعل بيانات الأضواء الليلية لرصد آثار الحرب على الطاقة الكهربائية وحركات السكان النازحين في سوريا التي مزقتها الحرب.
وفى مشروع منفصل طويل الأجل يعمل رومان مع زملائه من جميع أنحاء العالم على تحسين التقديرات العالمية والإقليمية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويعمل فريق في المكتب العالمي للنمذجة والتمثيل (GMAO) على الجمع بين أضواء الليل و بيانات استخدام الأراضي في المناطق الحضرية وإسقاطات النماذج للانبعاثات البشرية عبر طرق تجعل تقديرات المصادر أكثر دقة.