ثلاث أسباب تبعدُنا عن السيارات ذاتية القيادة

أثارَ الحادثُ الأخير لسيارة تيسلا الذي تسبب في وفاة شخصين في الولايات المتحدة الجدلَ حول مدى سلامة وإمكانيات تقنيات "القيادة الذاتية" الحالية.

تشتملُ خصائص سيارات تيسلا خاصية "السائق الذاتي" الذي يراقب بدوره علامات الطرق والممرات المحيطة بالسيارة، وتعتزم الشركة حالياً إصدارَ نظام أحدث للقيادة الذاتية المتكاملة يلتزمُ بالملاحة التلقائية وبالتوقف عند إشارات المرور وأكثر.

أفادَ المحققون بشأن الحادث أن مقعد السائق كان خالياً عندما تحطمت السيارة. وقد قال الرئيس التنفيذي للشركة إيلون ماسك أن خصائص القيادة الذاتية لم تكنْ قيد الاستخدام.

ومع ذلك، ما زال الحادثُ يثيرُ التساؤلات بشأن القيادة الذاتية: ما مدى أمانها؟ وما مدى الانتباه الذي تسترعيه أثناء قيادتها؟

ما الذي نقصده بالـ "القيادة الذاتية"؟


يشيرُ الخبراءُ إلى ستِ مستويات لتقنية المركبات المستقلة بدءاً من المستوى صفر (مركبة عادية بلا أتمتة) إلى المستوى الخامس (مركبة يمكنها القيادة بشكل مستقل دون أي تدخل من السائق).

لكن لا غنى عن التدخل البشري، فما زالت معظم حلول القيادة الآلية المتاحة في السوق اليوم بحاجته. هذا يضعها في المستوى الأول (مساعدة السائق، إبقاء السيارة في مسار ما وضبط سرعة المركبة) أو المستوى الثاني (الأتمتة الجزئية: التوجيه والتحكم في السرعة).

هذه الإمكانيات مخصصة للاستخدام من قِبل سائق يقظ تماماً على استعداد للتحكم في أي لحظة.

تتمتعُ سيارات المستوى الثالث بمزيد من الاستقلالية ويمكنها اتخاذ بعض القرارات من تلقاء نفسها، ولكن يتعين على السائق البقاء في حالة تأهب للتحكم إذا أصبح النظام غير قادر على القيادة.

سُجلت في السنوات القليلة الماضية عدة حوادث مُميتة لمركبات من المستويين الثاني والثالث، وقد نُسبت أضرار هذه الحوادث إلى حد كبير إلى الأخطاء البشرية، وإلى الاعتقاد الخاطئ بأن هذين المستويين يتمتعان بقدرات قيادة ذاتية متكاملة.

وعلى إثر ذلك، وُجهت الانتقادات إلى مصنعي السيارات والجهات التنظيمية بسبب عدم سَن أنظمة كافية تتماشى بمرونة أكثر مع سوء استخدام السائقين الغافلين.

مستويات السيارات ذاتية القيادة. حقوق الصورة: Shutterstock
مستويات السيارات ذاتية القيادة. حقوق الصورة: Shutterstock


الطريق نحو مستويات أتمتة أعلى


عند الوصول لمستويات أتمتة أعلى، فإنه لن يكون السائق البشري مشاركاً بالضرورة في مهمة القيادة. إذ سيُستعاضُ عنه ببرمجيات ذكاء اصطناعي فعّالة تدعمُ القيادة الذاتية.

يمثلُ المستوى الرابع المركبات "ذاتية القيادة" ذات النطاق الثابت من حيث إمكانية تحديد توقيت ومسار القيادة. أفضل مثال على ذلك هو مشروع التاكسي الروبوت ويومو روبوتاكسي الذي أطلقته جوجل. بجانب جوجل أحرزت شركات أخرى تقدماً ملحوظاً في تطوير مركبات المستوى الرابع، لكن هذه المركبات غير متاحة تجارياً للعامة.

يمثلُ المستوى الخامس السيارات المستقلة تماماً التي يُمكِنُها الذهاب إلى أي وجهة والانطلاق في أي وقتٍ على غِرار ما يمكن أن يفعله السائق البشري، ومع ذلك يعدُ الانتقال من المستوى الرابع إلى المستوى الخامس أصعبُ بكثير من الانتقال بين المستويات الأخرى، وقد يستغرق تحقيق ذلك سنواتٍ عِدة.

على الرغمِ من التقدم السريع الذي تحرزُه التقنيات اللازمة لتمكين الوصول لمستويات أتمتة أعلى، إلا أن إنتاج مركبة تستطيع إتمام رحلة آمنة وقانونية دون أي تدخلات بشرية ما يزال تحدياً كبيراً.

وقبلَ طرح هذه المركبات في الأسواق ينبغي التغلب على العوائق الرئيسية الثلاث المتمثلة في: التكنولوجيا والقوانين التنظيمية وتقبُل العامة.

التعلّم الآلي وبرمجيات القيادة الذاتية


تُعتبر برمجيات القيادة الذاتية إلى حد كبير ميزة رئيسية في المركبات الآلية. إذ تستند هذه البرمجيات على خوارزميات التعلم الآلي والتعلم العميق للشبكات العصبية التي تتضمن ملايين الخلايا العصبية الافتراضية التي تحاكي الدماغ البشري.

لا تتضمن الشبكات العصبية أي برمجة على غرار "إذا حدث X فقم بفعل Y". عوضاً عن ذلك تُدربُ الشبكات العصبية على التعرف على العناصر وتصنيفها باستخدام أمثلة عن ملايين مقاطع الفيديو والصور في ظروف القيادة الحقيقية.

كلما كانت البيانات أكثر تنوعاً ونموذجية كلما كانت أفضل في التعرف على مختلف الأوضاع والاستجابة لها. إن تدريب الشبكات العصبية أشبه بالإمساك بيد الطفل عند عبور الطريق وتعليمه التدرب من خلال الخبرة المستمرة والتكرار والصبر.

رغم أن هذه الخوارزميات تستطيعُ اكتشاف وتصنيف العناصر بدقة شديدة، إلا أنها لا تستطيع محاكاة التعقيدات المتشعبة للقيادة. فالمركبات المستقلة لا تحتاج فقط إلى كشف البشر والعناصر الأخرى والتعرف عليهم، بل يجب عليها أيضاً أن تتفاعل مع طريقة تصرف هذه الأشياء وأن تفهمها.

بالإضافة إلى ذلك يجب على هذه الخوارزميات معرفة ما يجب فعله في الظروف غير الاعتيادية. بدون إضافة مجموعة كبيرة من الأمثلة لجميع سيناريوهات القيادة الممكنة ستكون مهمة التعامل مع الظروف غير المتوقعة عائقاً نسبياً للتعلّم والتدريب العميقين.

كيف ترى السيارات ذاتية القيادة العالم. حقوق الصورة: Waymo
كيف ترى السيارات ذاتية القيادة العالم. حقوق الصورة: Waymo


القوانين التنظيمية


يعملُ صناعُ السياسات والمنظمون جاهدين على مواكبة هذا التقدم في العالم أجمع، وما تزال هذه الصناعة إلى اليوم ذاتية التنظيم على الأغلب، لا سيّما فيما إذا كانت هذه التقنية آمنة بما يكفي للسير على الطرق المفتوحة. لقد أخفق المنظمون إلى حد كبير في تقديم معايير اتخاذ هذه القرارات.

بالرغمِ من ضرورة اختبار أداء برمجيات القيادة الذاتية في ظل الظروف الحقيقية فإن ذلك لا ينبغي أن يحدث إلا بعد إجراء اختبار وتقييم شاملين للسلامة، وينبغي للجهات التنظيمية أن تتوصل إلى مجموعة من الاختبارات القياسية وأن تُلزِم الشركات بهذه الاختبارات قبل السماح لمركباتها بالسير على الطرق المفتوحة.


فمثلاً في أستراليا لا تدعم القوانين الحالية النشر التجاري الآمن للمركبات ذاتية القيادة وتشغيلها. وتقود اللجنة الوطنية للنقل المساعي الرامية إلى وضع إصلاحات متسقة وطنياً تدعمُ الابتكار والسلامة لتمكين المواطنين الأستراليين من الاستفادة من التقنية.

ومن هنا تبزغُ الحاجةُ إلى نهج نهائي لإعطاء التراخيص للبدء أولاً في تقييم نظام القيادة الذاتية في عمليات المحاكاة، ومن ثم في البيئات الحقيقية الخاضعة للرقابة، وبمجرد اجتياز هذه المركبات الاختبارات المعيارية المحددة يسمح المنظمين بسيرها على الطرق المفتوحة.

تقبل العامة


ينبغي للعامة المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بنشر هذه المركبات واعتمادها. إذ يكمن خطر حقيقي في تقويض ثقة العامة إذا لم يتم تنظيم تقنيات القيادة الذاتية لضمان السلامة العامة لأن انعدام الثقة لن يؤثر في الراغبين في استخدام هذه التقنية للقيادة فحسب، بل سيؤثر في الذين يشاركونهم رحلة الطريق.

في النهاية، يجب أن يكون هذا الحادث حافزاً لجلب أنظار المنظمين والصناع لإرساء أسس راسخة وقوية في ثقافة السلامة للاسترشاد بها في ابتكارات تقنيات القيادة الذاتية.

فمن دون ذلك لن تسير المركبات المستقلة في أي مكان بسرعة كبيرة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات