معادلة جديدة لحساب احتمالات نشوء الحياة

عندما تنشأ الحياة على كوكبٍ ما، سواء على كوكب الأرض أو فوق عالم بعيد، يجب على أشكال الحياة الجديدة التغلب على عدد من الاحتمالات حتى تظهر إلى حيز الوجود، وتُبين معادلة جديدة على نحو دقيق مقدار تلك الاحتمالات. يأمل واضع هذه المعادلة أن تستطيع الربط بين جوانب متعددة من هذا البحث الذي يهدف الى الإجابة على أسئلةٍ قديمة تتعلق بأصل الحياة، مثلما فعلت معادلة دريك (Drake equation) الشهيرة التي جمعت بين الأبحاث التي تُركز على التواصل مع حياة ذكية.

وقد صرّح كاليب شارف Caleb Scharf، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة كولومبيا والمؤلف الرئيسي للعمل الجديد، على موقع space.com: "تكمن فكرة المعادلة في إحدى مراحلها في محاولة الربط بين الأحداث المجهرية المجهولة، التي ساعدت على انبثاق أول الأنظمة الحيوية، والحقيقة المرئية التي تركز على معرفة فيما اذا بدأت الحياة على كوكب ما."

احتوت معادلة دريك، التي وضعها الفلكي فرانك دريك Frank Drake في سيتينيات القرن الماضي، سلسلة من الحدود التي تقدر عدد الحضارات الذكية التي يُحتمل وجودها في مجرة درب التبانة. آخاذة بالحسبان عدداً من العوامل مثل معدل الشكل النجمي (star formation) في المجرة، ونسبة عدد الكواكب التي يمكن للحياة أن تبدأ فيها، ونسبة الحياة التي تتمتع بالذكاء والمقدرة على بث إشارات تدل على وجودها في أرجاء الفضاء.

 

وعلى مدار العديد من السنوات، شكلت المعادلة خريطةً للباحثين عن إشارات اتصال قادمة من الحضارات الذكية الموجودة خارج كوكب الأرض. ويأمل العالم الفيزيائي شارف والمؤلف المشارك ليي كرونن Lee Cronin، عالم الكيمياء في جامعة Glasgow في سكوتلاندا، بأن يوفرا خارطةً مشابهة للباحثين الذين يحاولون التوصل إلى معرفة درجة شيوع أشكال الحياة على كوكبٍ محدد.

يقول شارف: "حصل ذلك أثناء محاولتنا جعل مجال دراسة أصول الحياة أكثر تماسكاً"، وهو مجال سيء السمعة من حيث شهرته بتفرقه وعدم تماسكه. ويتابع شارف: "بالنسبة لي، ما تحاول هذه المعادلة فعله، أو على الأقل ما تحث الناس على التفكير به، هو التوصل إلى طريقة ما تسمح بوصل تلك الأجزاء المتفرقة معاً، ومعرفة كيف ننتقل من مجرد الحديث عن قصة كيفية بداية الحياة على كوكب الأرض وصولاً إلى تقييم كميّ لاحتمالات حدوث ذلك، والتوصل إلى ما يعنيه ذلك للحياة في بقاعٍ أخرى من الكون".

سلسة من الخطوات


تُحطم المعادلة الجديدة عملية التوالد التلقائي (abiogenesis) -أي نشوء الحياة من مكونات غير حية- إلى سلسة من العوامل أكثر بساطة. وتشمل هذه العوامل ظروف الكوكب، والمكونات اللازمة لنشوء الحياة، واحتمالية أخذ تلك العناصر للتشكيل الصحيح الذي يسمح بولادة الحياة. وكما هو الحال مع معادلة دريك، فإن كل الشروط يسهل وصفها، لكن كلا المعادلتين تخبئان تعقيداً إضافياً وفسحةً لبحثٍ جديد.

 

 
تأخذ المعادلة الشكل التالي

\(\langle N_{abiogenesis}(t)\rangle =N_b. \frac {1} {\langle{n_0}\rangle }.F_c .p _a.t\)

 

(متوسط عدد أحداث نشوء الحياة لكوكبٍ ما = عدد لبنات الحياة على الكوكب × متوسط عدد اللبنات اللازمة لتكوين كائن ما × وفرة لبنات الحياة خلال الزمن × احتمالية تجمعها مع بعضها البعض في زمنٍ محدد × الزمن )

توجد لبنات بناء الحياة على الأرض على شكل أحماض أمينية (amino acids)، ودهون (lipids) وبعض المعادن الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، فقد تتمكن مكوناتٌ مختلفة تماماً عن تلك الموجودة على الأرض من تشكيل التعقيد الكافي لنشوء الحياة في مكانٍ آخر من الكون، فالمعادلة لا تفترض ضرورة وجود تشكيل محدد لنشوء الحياة. وعلى الجانب الأيسر من المعادلة، تشير المعادلة إلى متوسط عدد أحداث نشوء الحياة فوق كوكبٍ محدد. ولحصول ذلك، فإن المعادلة تأخذ بعين الاعتبار عدد لبنات الحياة اللازمة لتشكيل نظامٍ حيوي، ووفرة تلك اللبنات خلال زمن محدد، واحتمالية تجمعها مع بعضها البعض خلال ذلك الزمن.

يقول شارف: "نحن نسير عن نحوٍ مراوغ. وأعتقد أن ذلك أحد أجمل الأمور المتعلقة بالمعادلة: فإذا وضعت معادلة بهذه الطريقة، فلا يجب عليك القلق بخصوص التفاصيل الصغيرة، لكن ما تفعله في الواقع هو تفحص العوامل التي يمكن لك ترقيمها".

على سبيل المثال، إذا عرفت حجم كوكبٍ ومكوناته، يمكنك أن تبدأ في تقدير عدد لبنات الحياة المحتملة الموجودة على الكوكب. ولحساب ما إذا كانت تلك اللبنات متاحة فعلاً لتشكيل حياة، فعليك معرفة المزيد عن ظروف هذا الكوكب، مثل درجة حرارته التي قد تجعل بعض لبنات الحياة غير صالحة أو لا يمكن الوصول إليها. فعلى سبيل المثال يمكن أن تكون تلك اللبنات غير صالحة أو لا يمكن الوصول إليها إذا تواجدت دائماً في الحالة الغازية، أو إذا كانت المياه غير متواجدة بسهولة؛ لكن وعلى الرغم من ذلك فالأبحاث المستقبلية قد تظهر أن الحياة يمكن أن تنشأ وفقاً لسيناريوهات أكثر من تلك التي يعرفها العلماء.

ووفقاً لشارف، فبهذه الطريقة "تربط المعادلة الناس بالمكان الذي عليهم البحث فيه في علم الكواكب الخارجية من أجل جمع بعض البيانات المتعلقة بحجم الكواكب، وتركيبها وغيرها من المعطيات الأخرى ووصلها مع الجزء الذي لم نتمكن من فهمه حتى الآن، وكل الذي نعرفه عنه هو أنه يتمتع ببعض احتماليات الحدوث".

 

 تريليون أنبوب اختبار

يقول شارف : تتصف القيمة Pa، التي تشير إلى احتمالية أن الحياة سوف تنشأ من تجمع لبنات الحياة تلك مع بعضها البعض خلال فترة زمنية معينة، بالغموض والإثارة الكبيرة. إذا كانت قيمة Pa منخفضة جداً، فمن غير المرجح أن تتشكل الحياة حتى مع تواجد مكوناتها؛ مما قد يفسر سبب عدم تمكن البشر من خلق حياة في المختبر حتى الآن حتى مع استعمال العلماء للمكونات الصحيحة.

لكن مختبر الكواكب الواسع سيزيد من احتمالات أحداث نشوء الحياة. ويُضيف شارف: "قد يتعين علينا الانتظار لمدة 100 مليون عام حتى تتجمع المكونات في أنبوب الاختبار، لكن على نطاق الكوكب، فهناك تريليون أنبوب اختبار أو غالباً أكثر من ذلك. فيمكن تصور أن هذه المعادلة باتباعها هذه الأساليب تُلمح لتفسيرٍ محتملٍ لعدم ظهور حياة بأعجوبة في مختبراتنا، وهنالك أمر دقيق يجب أن يحدث وهو في الحقيقة لا يحدث غالباً."

ويتابع شارف: "إذا كان المقياس أكبر من المقياس الكوكبي، فإن ذلك سيزيد من احتمالات نشوء الحياة. على سبيل المثال، فإن كوكب الأرض والمريخ كانا يُطوران تراكيبيهما الكيميائية الخاصة بهما، لكن النظام الشمسي المبكر كان فوضوياً، وبالتالي كان من المحتمل أن تؤدي التصادمات مع أجسام أخرى في النظام الشمسي إلى تبادل المواد بين الكوكبين، مما ساهم في زيادة عدد "أنابيب الاختبار"، وسمح بالمزيد من التفاعلات بين المواد الكيميائية، التي أدت إلى التراكيب الكيميائية الصحيحة اللازمة لنشوء الحياة. إذا تبادلت الكواكب المتعددة المجموعة المواد، فيمكن أن يؤدي ذلك لتضخيم كيميائي قد يكون مهماً جداً، حيث يمكن أن يشكل ذلك الفرق بين نشوء الحياة وعدمها، خصوصاً عند التعامل مع الاحتمالات الضئيلة على مقياس مجهري".

تحليل جهلنا


يأمل شارف بأن تساهم المعادلة الجديدة في جمع مجالات البحث المختلفة المرتبطة بكل حد من حدود المعادلة. على سبيل المثال، توفر المعادلة فرصةً للجمع بين فحوصٍ مفصّلة عن الكواكب الخارجية البعيدة، والبحوث الكيميائية المتعلقة بكيفية تفاعل الجزئيات المختلفة، الموجودة في حالات فيزيائية مختلفة، مع بعضها البعض لتولد التعقيد، وأيضاً التحريات عن أصغر الوحدات القادرة على إظهار سمات حية. ويقول شارف أن جمع تلك المجالات البحثية يمكن أن يساعد في الربط بين فهم العلماء للكواكب الخارجية (أي عند سلم قياس كبير) وفهمهم للتفاعلات الكيميائية المجهرية.

 

 
يقول إد تيرنر Ed Turner، عالم فلك في جامعة برينستون، لموقع Space.com : "ذلك ليس جواباً، بل هو أداة جديدة لمحاولة التفكير بالقضايا المطروحة". لم يشارك تيرنر في العمل، إلا أن تعريف الورقة لاحتمالات أحداث نشوء الحياة يعتمد اعتماداً كبيراً على عمله للسماح وذلك بتجسيد تَيقنِ العلماء عن أصل الحياة بالاعتماد على عمليات رصد للحياة على الأرض (ومقدار أهمية عمليات الرصد تلك).يقول تيرنر: "أن عملية ترقيم العوامل والتفكير بالعديد منها بشكلٍ خاصٍ جداً في المعادلة تتطلب الكثير من المعرفة عن الكواكب الخارجية -أكثر مما نعرفه الآن. وقد تفصلنا عقودٌ عن القدرة عن الحديث عن أمور مثل الكتلة الكلية للبنات الحياة على سطح أحد الكواكب وأمور أخرى من هذا القبيل."

ويشير تيرنر إلى كون الأمر صحيحاً أيضاً بالنسبة لمعادلة دريك، إذ تمكن العلماء مؤخراً من تحديد بعض العوامل فقط، مثل عدد الكواكب التي يحتمل أن تكون صالحة لإيواء الحياة البشرية. ولذلك، فإن المعادلة قد تصبح أكثر فائدةً مع تقدم العلم. وفي نفس الوقت، يمكن أن تعمل على "تقسيم جهلنا إلى عوامل مختلفة"، وتركيز البحث على تلك المكونات المختلفة. ويضيف تيرنر: إلى أن بعض العوامل خصوصاً البيولوجية منها، مثل عوامل تحول المادة غير الحية إلى كائنات حية، قد لا يتم فهمها في أي وقتٍ قريب.

يقول بول ديفيز Paul Davies ، عالم الأحياء الفلكية في جامعة ولاية أريزونا الذي لم يشارك في الدراسة، بأن عملية تحديد الشروط المتضمنة لإحتمالية تحول المادة غير الحية إلى أخرى حية ستكون من بين الأصعب على الإطلاق. وصرح ديفيز لموقع Space.com في رسالة إلكترونية: "لا نعرف عن آلية تحول مادةٍ غير حية إلى حية، ولذلك ليس لدينا طريقة لتقدير الإحتمالات...وقد تكون واحدة في تريليون تريليون (من السهل تخيل ذلك). وفي هذه الحالة، قد تكون الحياة على الأرض فريدة من نوعها في الكون المرئي، لكن قيمة Pa قد تكون كبيرة جداً. لكن نحن ببساطةٍ لا يمكننا تحديد ذلك."

ويضيف ديفيز: "بوضع ذلك جانباً، أعتقد أن هذه الشروط المتبقية يتم مناقشتها في طريقةٍ مفيدةٍ جداً كإطار لفهم الأبحاث." ولنتمكن من تقدير الإحتمالات، يتعين على البشرية رؤية مثال آخر عن نشوء الحياة خارج كوكبنا لنتمكن من المقارنة. وقد تكون المراصد المستقبلية قادرة على رصد الكواكب الخارجية بتفصيلٍ أكبر، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، القادر على رصد علامات واضحة لحياة موجودة في مراحلها المبكرة أفضل مما قد يتوقعه دريك برؤيته -أي الحياة على المستوى المجهري بدلاً من الحياة المرتبطة بالبشرية. ويساعد هذا النوع من البيانات على توضيح الأشكال التي يمكن للحياة أن تتخذها.

ويشير العالم أيضاً إلى احتمالية نشوء الحياة عدة مراتٍ باستخدام لبنات بناء مختلفة -على سبيل المثال، أشكال الحياة التي تواجدت على الأرض مسبقاً، أو تلك الموجودة حالياً لكنها غير معروفة للعالم، بشكلٍ منفصل عن الحياة على سطح الأرض و باستخدام مفرداتٍ كيميائية مختلفة تماماً. ويقول ديفيز أن تحرّي الكائنات الأرضية للحصول على المزيد من الدلائل على ذلك الاحتمال سيمثلُ خطوةً جيدة نحو تضييق الاحتمالات.

ويتابع ديفيز : "نحن بحاجة فقط إلى عينة أخرى للحياة (سفر تكوين ثانٍ) لأن المجال سيتحول حينها، إذ سنعرف أنَ قيمة Pa لا يمكن أن تكون صغيرة جداً، وهذه العينة قد تكون هنا على الأرض.أو بمعنى آخر، لم يتحقق أحدٌ من ذلك تقريباً ."
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات