نجح باحثون في مختبر باريس ساكلاي Paris-Saclay لـ "الفيزياء الفلكية والأجهزة وعمليات النمذجة" AIM في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS، ومركز CEA، وجامعة باريس ديديرو التابع لقسم التطبيقات العسكرية DAM في مركز CEA، ومن مختبر الكون والنظريات Universe and Theories Laboratory في مرصد باريس المتواجد بـ CNRS والتابع بدوره لجامعة باريس ديديرو، نجحوا في نمذجة ظاهرة "التغير شبه الدوري في التذبذب" التي رُصدت على سطوح الأقزام البيضاء (white dwarfs) شديدة المغناطيسية التي تدعى بالنجوم القطبية (polars).
تمكن الباحثون بواسطة هذه المحاكاة العددية من دراسة نطاق عدم الاستقرار في البلازما الذي يؤدي إلى تغيرات سريعة في سطوع هذه النجوم. سيكون تأكيد هذه النتائج ممكناً عن طريق استخدام أشعة ليزر عالية الطاقة، والتي قد تتمكن في المستقبل القريب من إعادة إنتاج الظروف الفيزيائية المماثلة لتلك التي نجدها على سطوح الأقزام البيضاء في المختبر. هذا العمل هو موضوع لمنشورين اثنين في عدد 22 يونيو/حزيران 2015 من مجلة Astronomy & Astrophysics Review .
عندما تصل الشمس إلى نهاية عمرها، ستقوم باستهلاك كامل ما لديها من وقود نووي، ثم ستنهار نواتُها تحت تأثير الجاذبية لتتحول إلى نجم فائق الكثافة بكتلة قريبة من كتلة الشمس، ولكن بحجمٍ يعادل حجم كوكب كالأرض، لتتحول بعد ذلك إلى ما يسمى بالقزم الأبيض (white dwarf). ويقدِّر الباحثون حالياً أن حوالي 10% من النجوم في مجرتنا قد تحولت سابقاً إلى أقزام بيضاء، ويمتلك بعضها مغناطيسية عالية بمجال مغناطيسي أقوى بعشرة ملايين مرة من مجال الشمس.
حين تدور الأقزام البيضاء المغناطيسية حول نجوم أخرى فهي تدعى أيضاً بالنجوم القطبية (polars)، وهي تقوم بجذب المادة التي تسقط سقوطاً حراً نحو أقطابها في تيار تراكمي (accretion stream)، ويشغل هذا التيار منطقةً أسطوانية الشكل يبلغ نصف قطرها مئات الكيلومترات. تصل المادة الساقطة سقوطاً حراً في هذا التيار إلى سرعات الموجات فوق السمعية -والبالغة حوالي 1000 كم/ثانية- لتخلق موجة صدمة مماثلة لذلك الدّويّ الذي ينشأ عن الطائرات عند تحليقها بسرعة أكبر من سرعة الصوت، وتتسبب هذه الموجة الضغطيّة في إبطاء المادة التي تسخن وتُشع الطاقة بمعدل كبير كما في قلب النجوم، والتي تكون في البداية على شكل أشعة سينية وأشعة فوق بنفسجية.
وقد تم بين عامي 1982 و1997 اكتشاف تغيّرات سريعة في سطوع خمسة من هذه النجوم القطبية بواسطة الضوء المرئي، حيث يشير ذلك إلى وجود عدم الاستقرار فيها، وقد أراد العلماء معرفة منشأ عدم الاستقرار هذا في هذه النجوم شديدة المغناطيسية. أولاً وقبل كل شيء، وبناءً على أعمال سابقة، أنتج الباحثون محاكاة عددية فائقة الدقة للعمليات الفيزيائية المعقدة التي تؤثر على موجة الصدمة بسبب انتقال المادة الموجودة في أقراص التراكم إلى هذه النجوم القطبية.
وفي معظم الحالات، توضح عمليات المحاكاة هذه وجود عدم استقرار كبير مما يؤدي إلى تذبذب كبير في أعلى موجة الصدمة فوق القزم الأبيض، وبالتالي، يؤثر ذلك في سطوع الأشعة السينية. وقد كشف الباحثون للمرة الأولى عن وجود صدمة ثانوية تنعكس عن سطح القزم الأبيض حينما تقوم المادة بضرب النجم.
بحث نفس الفريق بعد ذلك عن هذه التذبذبات السريعة (وهي الدورة السريعة التي تتفاوت بين 0.1 و 10 ثوانٍ) في مجموعة من النجوم القطبية التي تمت دراستها من قبل القمر الصناعي الرصدي "إكس إم إم نيوتن" (XMM-Newton) العامل بالأشعة السينية. ولكن رغم ذلك، لم تُشَاهَد التغيّرات السريعة في أي من النجوم الأربعة والعشرين التي تمت دراستها.
يمكن لمجال مغناطيسي فائق القوة في بعض الحالات أن يقوم بكبح التغيّرات ويجعلها غير قابلة للكشف، ولكن مع ذلك، وعلى الرغم من عدم الدقة التي تشوب معايير معينة (ككتلة القزم الأبيض، والمقطع العرضي لتيار التراكم، وغيرها)، فإن جزءاً على الأقل من النجوم القطبية التي رصدها القمر الصناعي "إكس إم إم نيوتن" قد يبدي إشارات التذبذبات السريعة نتيجة لتغيّرات موجة الصدمة. ويبدو أن هذه النتائج الجديدة في اكتشاف عدم وجود هذه التذبذبات سيُلقي بالشك على صحة النماذج القياسية التي تصف سلوك تيارات التراكم، والتي تعتبرها الفيزياء قوية على الرغم من ذلك.
وللحصول على هذه النتائج، فقد طور العلماء محاكاةً عددية لسلوك البلازما. إن التقدم في مجال فيزياء الليزر والاستخدام المتزايد لِلَيزَرات كثافةِ الطاقةِ العاليةِ يُتيح لنا إعادة إنتاج ظروفٍ مشابهةٍ لتلك التي نواجهها في بُنَى معينة في الكون في المختبر. ولذلك فقد نجحت نفس المجموعة من العلماء -كجزء من مشروع التجارب الفيزياء الفلكية المسمى "POLAR"- في إعادة إنتاجٍ جزئية للظواهر الفيزيائية المتواجدة في تيارات التراكم على سطوح الأقزام البيضاء في المختبر. ستمكننا المهمة الحالية لليزر الميغاجول (Megajoule Laser) أو اختصاراً (LMJ) من خلق نموذج حقيقي لتيار التراكم في المستقبل القريب. وهذه التجربة الافتتاحية لليزر LMJ-PETAL تفتح الباب أمام الدراسات المخبرية الصحيحة لعدم الاستقرار في موجة الصدمة.
نحو فهم التذبذبات في الأقزام البيضاء المغناطيسية
- التاريخ:
- عدد المشاهدات: 2,403
- التصنيف: الكون
- وقت القراءة: 3 دقيقة, 17 ثانية
المصادر
المصطلحات
- القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
المساهمون
-
ترجمة
-
مُراجعة
-
تحرير
-
تصميم
-
نشر