يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
كيف ستكون الحال عندما تصبح الشمس قزماً أبيض؟

 حطام غباري يحيط بنجم قزم أبيض قديم.

حقوق الملكية: ناسا NASA.


ماذا سيحدث لكل الكواكب الداخلية (inner planets)، والكواكب القزمة dwarf planets)، والعمالقة الغازية (gas giants)، والكويكبات (asteroids) في النظام الشمسي عندما تتحول الشمس إلى قزمٍ أبيض (white dwarf). يشغل هذا السؤال تفكير باحث ناسا الذي بنى نموذجاً محتملاً لكيفية تطور نظامنا الشمسي وفقدان شمسنا للكتلة، وكيفية تحولها بعنف إلى نجم يفقد الإلكترونات.

 

تبيّن بأنّ لدى عمل الدكتور جون ديبيس John Debes بعض الآثار المثيرة للاهتمام. وبما أننا نستخدم تقنيات أكثر دقة لرصد النجوم القزمة البيضاء الموجودة مع بقايا غبارية للأجسام الصخرية المستخدمة لتتبعها، يمكن استخدام نتائج نموذج ديبيس على سبيل المقارنة لمعرفة ما إذا كان أي من الأقزام البيضاء الموجودة مشابه لما يمكن أن تبدو عليه شمسنا خلال 4-5 مليار سنة قادمة.

في الوقت الحالي، شمسنا عبارة عن نجم قزم أصفر (yellow dwarf star) بحالة جيدة. إن أردت أن تكون دقيقاً، هي نجم من النوع "GV"، سيحرق هذا القزم الأصفر 600 مليون طن من الهيدروجين في الثانية داخل نواته للعشر مليارات سنة القادمة، مولداً الضوء الذي يحتاجه كوكبنا ليكون صالحاً للسكن. الشمس تقريباً في منتصف الطريق في مرحلة حرق الهيدروجين، وهذا جيد، لن تتغير الأشياء (بالنسبة للشمس على الأقل) لفترة طويلة من الآن.

مقارنة بين الشمس في مرحلة القزم الأصفر وفي مرحلة العملاق الأحمر. 
مقارنة بين الشمس في مرحلة القزم الأصفر وفي مرحلة العملاق الأحمر. 


لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا سيحدث خلال 4-5 مليار سنة عندما ينفد مخزون الهيدروجين من النواة؟ على الرغم من أنّ شمسنا ليست كبيرة كفاية للتفكير بأنها ستكوّن انفجار سوبرنوفا (supernova) عظيم، لكنها ما زالت في طريقها إلى موتٍ مرعب ومثير. بعد تطور الشمس خلال مرحلة حرق الهيدروجين، ستتحول إلى نجم عملاق أحمر (red giant star) إذ سيندر الوقود الهيدروجيني، وسيزداد حجم الشمس نحو 200 ضعف عن الآن، وربما ستبتلع الأرض. 


سينصهر الهيليوم والعناصر الأثقل تدريجياً حول النواة، لا تصهر الشمس الكربون، بدلاً من ذلك تتخلص من طبقتها الخارجية مشكلة السديم الكوكبي (planetary nebula) عندما تهدأ هذه الأمور، ستكون قزماً أبيض ذا لمعان ألماسي خفيف. ستعادل كتلة هذ البقايا الصغيرة نصف كتلة شمسنا الحالية، لكن بحجم الأرض. لسنا بحاجة لقول إن القزم الأبيض كثيف جداً، لا يُقاوم السَّحب الثقالي القوي عن طريق الانصهار في النواة (مثل كل سلسلة النجوم الرئيسية) بل عن طريق ضغط الانحلال الإلكتروني electron degeneracy) pressure).

كيف سيبدو النظام الشمسي عندما يصل هذه المرحلة من تطوره؟ كيف ستصبح الكويكبات، والعمالقة الغازية، والأقمار، والكواكب الصخرية؟ لقد كنت محظوظاً جداً للحديث مع عالم الفيزياء الفلكي، الدكتور جون ديبيس من مركز جودارد للرحلات الفضائية التابع لوكالة ناسا في مؤتمر المجتمع الأمريكي الفلكي (AAS) في كانون الثاني/يناير في لونغ بيتش في كاليفورنيا، الذي طور نصاً برمجياً لمحاكاة تطور النظام الشمسي. 

الأحجام النسبية لـ IK Pegasi A على اليسار والقزم الأبيض IK Pegasi B في أدنى المنتصف والشمس.
الأحجام النسبية لـ IK Pegasi A على اليسار والقزم الأبيض IK Pegasi B في أدنى المنتصف والشمس.

بعد أن يتوقف انصهار الهدروجين داخل نواة الشمس، تفقد الكتلة برمي طبقاتها الخارجية بعد مرحلة العملاق الأحمر وتشكيل السديم الكوكبي اللاحق.  يقدر أن الشمس تخسر نحو 50% من كتلتها خلال هذا الوقت، حيث يؤثر ذلك بشكل طبيعي على كل النظام الشمسي. عندما تخسر الشمس كتلتها، تندفع الكواكب الخارجية من مثل المشتري خارجاً، وتزيد نصف قطر دورانها. اهتم ديبيس في هذه المحاكاة بتأكيد وجود انخفاض تدريجي في الكتلة الشمسية لضمان الاستقرار في المحاكاة. 

الشيء الذي نتركه هو نظام شمسي قديم، حيث يبقى القليل من الكواكب الداخلية. (إنه يشبه أي شيء في مدار الأرض تبتلعه الشمس خلال توسعها في مرحلة العملاق الأحمر) على الرغم من أن النظام الشمسي للقزم الأبيض سيبدو مختلفاً مقارنة بالوضع الحالي، بعض الأشياء لن تتغير. ربما يتوسع مدار المشتري قليلاً بسبب النقص في الكتلة الشمسية، سيبقى كوكباً ذا وزن كبير، مسبباً اضطراباً في دوران الكويكبات. باستخدام بيانات الكويكبات المعروفة، تتبع حركة مجموعات الصخور هذه للتطور، وعلى مدار ملايين السنين تلقى الكويكبات في النظام الشمسي، أو بشكل مثير للاهتمام، تندفع أقرب للأقزام البيضاء.

 

عندما يستقر النظام الشمسي، سيتضخم الرنين في حزام الكويكبات (asteroid belt)، ستتوسع فجوات كيركود (Kirkwood Gaps) التي يسببها الرنين الثقالي (gravitational resonance) للمشتري ، وحسب محاكاة ديبيس، ستصبح حواف هذه الفجوات مضطربة أكثر، ما يتيح للمزيد من الكويكبات أن تضطرب وتتمزق متحولة إلى غبار. 

مفهوم فني للكويكبات الممزقة حول الأقزام البيضاء.
مفهوم فني للكويكبات الممزقة حول الأقزام البيضاء.

 

كان مؤتمر AAS زاخراً بالأبحاث المدهشة حول أرصاد الأقزام البيضاء، وسبب ذلك أن هناك أقزام بيضاء عديدة مرشحة ذات خطوط الامتصاص المعدنية الغبارية خارجاً في الفضاء. ذلك يعني أنّ هنالك أجسام صخرية اعتادت أن تدور حول هذه النجوم، لكنها مسحوقة (بسبب القص المدي tidal shear) فيصعب على رواد الفضاء تحليلها. تعطينا أنظمة الأقزام البيضاء دليلاً عن الآليات المحتملة لتزويد الأقزام البيضاء بالمواد الغبارية وتعطينا أيضاً لمحةً عن مستقبل نظامنا الشمسي. 

قال ديبيس واصفاً نموذجه في إشارة إلى أرصاد الأقزام البيضاء الغبارية الغامضة: "لدينا صورة فيزيائية عن الرابط بين الأنظمة الكوكبية والأقزام البيضاء الغبارية، الأقزام البيضاء الغبارية هي حقاً لغز! نعتقد أننا نعرف ما ستكون عليه، لكننا لا نملك دليلاً دامغاً بعد". 

لكن ديبيس اقترب من إيجاد دليل دامغ، يركز نموذجه على بعض الأمور الرئيسة لهذه البقايا الغبارية القديمة ليرى كيف يمكن أن يبدو النظام الشمسي خلال مليارات السنين. 

من أين يأتي هذا الغبار؟ عندما تضطرب مدارات الكويكبات بسبب المشتري، تصبح قريبةً كفاية لتتمزق بشكل مدي. تصبح قريبة جداً، وتتمزق بواسطة القص الثقالي المتولد عن نصف قطر مدي حاد لقزم أبيض مضغوط. ثم يستقر غبار الكويكبات في القزم الأبيض. يملك هذا الغبار الموجود بصمة واضحة في خطوط الامتصاص للبيانات الطيفية. ما يسمح للباحثين باستنتاج المعدل التراكمي للأقزام البيضاء الغنية بالمعادن. حسب نموذج ديبيس، فقد حدد الحد الأعلى 1016 غرام/سنة، والحد الأدنى 1013 غرام/سنة، بما يتفق مع التقديرات المرصودة.

أطياف القزم الأبيض G29-38. هل يمكن أن يشبه ذلك أطياف الشمس بعد تحولها إلى قزم أبيض؟  الملكية: NASA/Spitzer
أطياف القزم الأبيض G29-38. هل يمكن أن يشبه ذلك أطياف الشمس بعد تحولها إلى قزم أبيض؟  الملكية: NASA/Spitzer


في نموذجه المطور للنظام الشمسي، تتحكم جاذبية المشتري في معدل التراكم، مما يدفع الكويكبات باتجاه الأقزام البيضاء، وعن طريق استخدام كومبيوتر متطور جداً لتتبع الاضطرابات والتمزيق النهائي للكويكبات المعروفة، قد تكون هنالك فرصة للوصول إلى استنتاج عميق. يستطيع ديبيس استخدام نموذجه لمقارنة أرصاد الأقزام البيضاء الغبارية المعروفة مع نتائج محاكاة من النظام الشمسي.

بالإشارة إلى الدراسات السابقة (على وجه الخصوص Koester & Wilken، في مجلة journal Astronomy & Astrophysics في 2006) وجد ديبيس بعض الأقزام البيضاء المشابهة للشمس.

مستقبل الشمس، القزم الأبيض G29-38. المصدر: NASA
مستقبل الشمس، القزم الأبيض G29-38. المصدر: NASA


قال ديبيس: "بالنسبة لـ G29-38 القزم الأبيض الغباري المتعارف عليه، يقدر كوستر- ويلكن الكتلة الإجمالية بـ 0.55 من الكتلة الشمسية، تقريباً كما نعتقد أن كتلة شمسنا ستبقى بعد التحول لقزم أبيض، لكن تقديرات الكتلة غير مؤكدة، لقد رأيت تقديرات تتراوح بين 0.55 و0.70 من الكتلة الشمسية لهذا القزم الأبيض".

وقال ديبيس: "مرشح آخر جيد هو DAZ (قزم أبيض غني بالمعادن) يدعى WD 1257+278 الذي لا يظهر الغبار لكن كتلته تقدر بـ 0.54 من كتلة الشمس. يتوافق معدل تراكمها أيضاً مع تنبؤات نموذجي حتى الآن على افتراض أن كتلة حزام الكويكبات ومدة الاضطرابات التي وجدتها من خلال محاكاتي".

يواصل ديبيس تطوير نموذجه، والنتائج واعدة حتى الآن. الشيء الأكثر إثارة هو أننا نلاحظ الأقزام البيضاء، من مثل G29-38 و WD 1257+278، ما يعطينا لمحة محيرة لما سيؤول إليه نظامنا الشمسي عندما تصبح الشمس قزماً أبيض، ممزقة الكويكبات والكواكب المتبقية قريبة جداً من القص المدي للشمس. لكن هذا يثير السؤال التالي: إذا تغذت الأقزام البيضاء من مثل G29-38 من بقايا الكويكبات الممزوجة مدياً، هل هنالك كواكب فائقة الكتلة تقود الكويكبات في هذه الأنظمة للأقزام البيضاء أيضاً؟

ملاحظات


[1] GV star يعني السلسلة الرئيسة من النجوم ذات الطيف G وصنف اللمعان v. وتدعى أيضاً بالأقزام الصفراء.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
  • العملاق الأحمر (red giant): أو النجم العملاق الأحمر، هي المراحل الأخيرة من تطور نجم ميت، وستتحول شمسنا في مراحلها الأخير إلى هذا النوع من النجوم.
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • نجوم النسق الأساسي نوع-G (GV star): هو نجم من نوع نجوم السلسلة الرئيسية من النجوم ذات الطيف G وصنف اللمعان v. وتدعى أيضاً بالأقزام الصفراء.
  • السديم (Nebula): عبارة عن سحابة بين نجمية مكونة من الغبار، والهيدروجين، والهليوم وغازات مؤينة أخرى.
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات