باحثون يعثرون على الكوارك الخماسي

حقوق الصورة: دانييل دومنغيز عبر سِيرْن


قبل أسبوع من تاريخ 23 يوليو/تموز 2015، أعلن فريق علماء دولي عن اكتشافه للكوارك الخماسي (pentaquark). ينظر الباحثون إلى هذا الكوارك على أنه جزء غريب من المادة وذو عمرٍ قصير، وهو نفسه الذي استعصى عليهم لفترة طويلة.

يملأ هذا الاكتشاف، الذي تم عن طريق الصُدفَة، أحد الفراغات المتبقية في النموذج القياسي (Standard Model) -وهي نظرية سائدة ولا تزال غير مكتملة في حقل فيزياء الجسيمات- كما يسلط الضوء على عجائب الجزيئات دون الذرية والأشكال الغريبة الأخرى للمادة.


على الرغم من أن الاكتشاف حصل عن طريق الصُدفَة، إلا أنه يعتبر إنجازاً آخر لمصادم الهادرونات الكبير التابع لسيرن (CERN’s Large Hadron Collider) أو اختصاراً (LHC)، وهو أكبر مصادم جسيمات في العالم والأكثر قوة. في سياق هذا الاكتشاف، قال شيلدون ستون Sheldon Stone عالم الفيزياء بجامعة سيراكيوز بنيويورك Syracuse University والمؤلف المشارك في هذه الدراسة التي أُرسلت لمجلة Physical Review Letters: "من الجيد أن تكون محظوظاً على أن تكون متمرساً، ولكن من الجيد جداٌ أن تكون متمرساً ومحظوظاً بنفس الوقت''.

ينسجم اكتشاف الكوارك الخماسي مع فهم العلماء لمعرض الجسيمات في الكون. توجد فيها مسميات عديدة، مثل الكاونات (kaons)، والبزيونات (psions)، والجارمونيوم (charmonium)، تبدو هذه الأسماء كمسميات لشخصيات شريرة من كتاب هزلي. لقد تمكن الفيزيائيون من سبر أغوار هذه الحديقة، ووجدوا أن جل هذه المكونات تتشكل من عناصر أساسية تسمى الكواركات (quarks). وتوجد ستة أشكال مختلفة للكواركات وهي: العُلوي (up)، والسُفلي (down)، والساحر (charm)، والغريب (strange)، والقِمي (top)، والقَعري (bottom).

عندما تجتمع هذه الكواركات -ويحصل هذا عادة في شكل ثنائيات أو ثلاثيات- يؤدي هذا الاجتماع لإنتاج جسيمات دون ذرية أكبر كتلك التي نشاهدها في الطبيعة. على سبيل المثال، تتكون البروتونات (Protons) من كوراكين علويين وكوارك واحد سُفلي. لكن، ما الذي يدعونا للتوقف عند هذا الحد؟ (أي، ما الذي يمنع أن تكون هناك جسيمات دون ذرية أخرى متكونة من اجتماع عدد أكبر من الكواركات؟).

في سنة 1964، أصبح الفيزيائي موري غيل-مان Murray Gell-Mann أول من وضع نظرية وجود الكواركات، حيث اقترح أن اجتماع عدد كبير جداٌ من الكواركات قد يؤدي لتكوين جسيمات أكبر. نعم، من ناحية نظرية، لا يوجد ما يمنع وجود أشكال من المادة متكونة من كوارك رباعي (tetraquarks) أو كوارك خماسي (pentaquarks). منذ ذلك الوقت والعلماء في حالة بحث متواصل، آملين في حث الكواركات الرباعية والخماسية على الظهور، وذلك عبر استخدام مصادمات جسيمات ذات قدرة فائقة مثل مصادم الهادرونات الكبير.

وقد واجه العلماء أوقاتاً صعبة في سعيهم هذا، برغم إمكانية وجود مثل هذه الكواركات في بيئات ذات طاقة عالية جداً، مثل تلك التي تنشأ عند موت النجوم وتحولها لثقوب سوداء، أو في البيئة التي أعقبت الانفجار الكبير (Big Bang) مباشرة.

في سنة 2013، كُشف عن الكواركات الرباعية عبر فريقي بحثٍ مختلفين. أما الكشف عن الكوارك الخماسي، فقد استعصى على العلماء. لكن في نفس السنة، عرض علماء في تجربة باليابان، دليلاٌ مبدئياٌ على وجود الكواركات الخماسية، لكن فشلت الجهود في تأكيد هذا الدليل. بعدها، قامت محاولات أكثر تعقيداً للكشف عن الكواركات الخماسية بإزاحة المحاولات الأولية، لكن هذه المحاولات فشلت أيضاً ليتواصل الجدل مجدداً حول المحاولات الأولية.

بعد سلسلة من المحاولات الأولية للكشف عن هذه الكواركات، باءت محاولات أخرى معقدة لتكرار نتائج هذه المحاولات السابقة بالفشل، وبقيت الاكتشافات السابقة غارقة في بحر من الجدل. أخيراً، وبضربة حظٍ صادفت ستون وفريقه البحثي، تم الكشف عن الكوارك الخماسي، وأفاد ستون قائلاً: "إنها محض مصادفة، نحن لم نجد الكواركات الخماسية وإنما هي وجدتنا".

في سياق تجربة سابقة جرت سنة 2013، حاول ستون ورفقاؤه أن يدرسوا طبيعة سلوك اللامدا باريون السُفلي (bottom lambda baryon) وهو عبارة عن جسيم ثلاثي الكواركات (three-quark particle). يعتبر اللامدا باريون السُفلي، مثله مثل العديد من الجسيمات، غير مستقر لحدٍ كبير، أي أنه يتحلل سريعاً بمجرد أن يتكون لينتج عن هذا التحلل العديد من الجسيمات الأخرى. في البداية، خطط الباحثون لتتبع الطريقة والكيفية التي يتحلل بها اللامدا باريون السُفلي، حيث كان هدفهم آنذاك هو فقط تحسين فهمهم الأساسي لسلوكه. وفي هذا الصدد قال ستون: "اشتكى أحد طلاب الدراسات العُليا من هذا الأمر، قال بأنه علينا أن نستمر في المحاولة. راجع هذا الطالب ما بحوزتنا من بيانات ليعود بعدها وعلى وجهه ابتسامة عريضة".

هذا الطالب هو بيلاس كانتي بال Bilas Kanti Pal، وقد لاحظ شيئاٌ مختلفاٌ. التقط الكاشف الذي يستخدمه الباحثون جسيماً قصير العمر بحجمٍ يقارب أربعة إلى خمسة أضعاف حجم البروتون (المترجم: لاحِظ أن البروتون يتكون من ثلاثة كواركات). وقد أنطوت هذه البيانات على دليل يشير لجسيمٍ غير متوقع، وهو كوارك خماسي يحتوي على ثلاثة كواركات وهي الكواركات نفسها التي يتألف منها البروتون (المترجم: أي كواركين من نوع علوي وكوارك من نوع سفلي) بالإضافة إلى كوارك ساحر وكوارك ساحر مضاد (charm antiquark). في البداية حاول الباحثون التقليل من شأن هذه النتائج. حيث أفاد ستون قائلاً: "حقيقة، لقد حكمنا سلفاً أن الكواركات الخماسية التي قمنا باكتشافها مزيفة، وأنه لن يصدق أحد هذا الأمر".

بعد ستة أشهر من التحليل المكثف، وجد الباحثون أن بياناتهم تظهر ليس فقط نوعاٌ واحداً من الكواركات الخماسية بل نوعين، بحيث يملك كل واحد منهما كتلة أكبر بحوالي أربعة أضعاف ونصف من كتلة البروتون. وفي النوعين، حصلت زيادة في الكتلة بسبب وجود الكوارك الساحر والكوارك الساحر المضاد، هذا بالإضافة لطاقة التفاعلات العالية بين الكواركات الخمسة. حقيقة، وجود نوعين من الكوراكات الخماسية مخبأة في البيانات، فاجأ ستون. فمن المدهش جداً أن نصادف الكواركات- لخماسية بعد 50 سنة من البحث. والأكثر إدهاشاً أن نجد نوعين من الكواركات الخماسية بضربة حظٍ واحدة.

مع ذلك، ما تزال العديد من الأسئلة تحتاج إلى إجابة. إن النوعان المكتشفان من الكواركات الخماسية يمتلكان البنية الأساسية نفسها ولكن بهياكل داخلية مختلفة، هذا ولا تزال خصائص الهياكل الداخلية غير واضحة. ومن الواضح أن الكواركات الخمسة في الكوراكات الخماسية ترتبط ببعضها بشكلٍ قوي، قد تكون مرتبطة أيضاً في شكل حالة جزئية (molecular state) ذات ارتباط فضفاض وغريب يشبه ارتباط الذرات داخل الجزيئات.

يمثل هذا الرسم صورة محتملة للكواركات الخماسية التي تم اكتشافها حديثاً: الصورة على اليسار عبارة عن كوارك خماسي، وفيه ترتبط الكواركات الخمسة معاً بشكل قوي في وحدة واحدة. أما الصورة على اليمين، فهي عبارة عن كوارك خماسي، وفيه ترتبط الكواركات الخمسة معاَ كجزيء دون ذري. حقوق الصورة: دانييل دومنغيز/سِيرْن
يمثل هذا الرسم صورة محتملة للكواركات الخماسية التي تم اكتشافها حديثاً: الصورة على اليسار عبارة عن كوارك خماسي، وفيه ترتبط الكواركات الخمسة معاً بشكل قوي في وحدة واحدة. أما الصورة على اليمين، فهي عبارة عن كوارك خماسي، وفيه ترتبط الكواركات الخمسة معاَ كجزيء دون ذري. حقوق الصورة: دانييل دومنغيز/سِيرْن


وهو ما أكده غيل-مان في خطاب بمعهد سانتا في Santa Fe Institute بقوله: "ما اكتشفه هؤلاء الباحثون، عبارة عن جزيء يتخذ في جزء من الوقت شكل وحدتين مرتبطتين، واحدة تتكون من ثلاثة كواركات والثانية تتكون من كواركين اثنين. يمكن لهاتين الوحدتين أن تدورا حول بعضهما، مكونتين كواركاً خماسياً يتصرف كجزيء دون ذري. لكن ليس بإمكان العلماء البت في هذا الأمر ما لم يقوموا بتجارب إضافية".

حتى الآن، يبقى أمر مبهم ما إذا كانت هناك أنواع أخرى من الكواركات الخماسية التي تتكون من كواركات وكواركات مضادة، أو حتى وجود جسيمات متكونة من عدد يزيد عن خمسة كواركات. لكن هناك شيء مؤكد، وهو أن نوعي الكواركات الخماسية المُكتَشفين هما الأبسط من مجموعة نسعى للعثور عليها.

يعتبر زوجا الكواركات، الكوارك الساحر والكوارك الساحر المضاد الموجودان في الكوارك الخماسي، ذوي كتلة كبيرة، الأمر الذي قد يؤخر اضمحلالهما ويجعلهما أسهل للكشف. وكما أسلفنا، فإن أول إشارة مختبرية لإمكانية وجود الكواركات الخماسية تمت في التجربة اليابانية. لكن، لم تحتوي الكواركات الخماسية المكتشفة في تلك التجربة على أي كوارك ساحر. يرى ستون أن هذا الشيء جعلها أقل استقراراً من الكواركات الخماسية المُكتَشفة حديثاً، عندئذ، كانت فرصة تكونها أقل. لم يتم تأكيد هذه الفرضية بَعد.

تجدر الإشارة إلى أن التطوير الأخير الذي أُنجِز في مصادم الهادرونات الكبير، زاد طاقته بما يعادل الضعف عما كان عليه سنة 2013، عندما أنتج البيانات التي استخدمها الباحثون للكشف عن الكواركات الخماسية. هذا يعني أنه بعد التطوير، قد يكون مصادم الهادرونات الكبير أكثر فاعلية في عملية بحث ستون ورفقائه عن الكواركات الخماسية النادرة.



ملاحظة من محرر المقال الأصلي


لأغراضٍ توضيحية تم تعديل هذا المقال استناداً على الورقة العلمية الأصلية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات