كاشف فينيكس PHENIX، داخل مصادم الأيونات الثقيلة النسبي (RHIC)، وهو معجل للجسيمات في مختبر بروكهافن الوطني. يستطيع بطريقةٍ فريدةٍ قياس مساهمة الكتل البنائية الداخلية للبروتون -الكواركات والغلوونات- في كمية الحركة الزاوية المغزلية (spin).
تمكن علماء فى الفيزياء النووية، من ملاحظة أن العديد من الغلوونات التي تحمل بطبيعتها قدراً ضئيلاً من كمية حركة البروتون بطريقة فردية، تسهم فى اللف المغزلي (spin) للبروتون، وقد تم هذا بتحليل تصادم البروتونات الأعلى في الطاقة، داخل مصادم الأيّونات الثقيلة النسبة (Relativistic Heavy-Ion Collider ) او اختصاراً (RHIC)، وهو مصادم جسيمات في مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية.
وتوضح البيانات التي نُشرت مؤخراً في أحد الأبحاث، أن هذه الجسيمات المشابهة للغراء (Glue) -والمسماة لدورها في ربط الكواركات (Quarks) المكونة للبروتون- تلعب دوراً كبيراً في تحديد كمية الحركة الزاوية المغزلية (spin) من هذه الكتل البنائية للمادة.
يقول رالف سيدل Ralf Seidl، وهو فيزيائي من مركز RIKEN-BNL للبحوث (RBRC)، وأيضاً عضو في مجموعة PHENIX RHIC التي نشرت هذه النتائج: "تؤكد هذه النتائج شكوكنا في أن الكثير من مساهمة الغلوونات في اللف المغزلي (spin) للبروتون تأتي من غلوونات ذات زخمٍ منخفضٍ نسبياً". كما تشير النتائج إلى أن مساهمة الغلوونات الكلية في اللف المغزلي للبروتون قد تكون أكبر من مساهمة الكواركات.
يعد استكشاف مصادر اللف المغزلي للبروتون، واحداً من كبرى المهام العلمية في RHIC، وهو أحد المكاتب العلمية لوزارة الطاقة الأمريكية، والذي يحتوي على الجهاز الوحيد في العالم القادر على مصادمة البروتونات، مع التحكم فى اختيار اتجاه أحادي للدوران. يأتي علماء في الفيزياء النووية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك علماء جاؤوا بدعم من مختبر RIKEN الياباني، إلى RHIC لدراسة هذه الاصطدامات "للبروتونات المستقطبة" في محاولةٍ لحل لغز ما يسمى باللف المغزلي للبروتون. أُنشئ RBRC في بروكهافن بالتعاون مع RIKEN لدعم العلماء الشباب العاملين في هذا المجال، وغيرها من البحوث ذات الصلة.
بدأ لغز اللف المغزلي للبروتون، عندما كشفت تجارب أجريت في الثمانينات، أن لف البروتون -والذي يؤثر على الخصائص البصرية والكهربائية والمغناطيسية لهذه الجسيمات- لا يأتي فقط من الكواركات، ولذلك قام علماء RHIC بمصادمة شعاعين من البروتونات مع محاذاة دورانهم ليكون في نفس الاتجاه، ثم استقطاب شعاع واحد لجعل دورانه غير محاذ "antialigned" وذلك ليتم استخلاص أي دور للغلوونات.
بعد ذلك يقوم كاشف PHENIX بحساب عدد الجسيمات المسماة بيونات "pions"، التى تخرج من منطقة التصادم، في وضعٍ عموديٍّ على شعاعي التصادم تحت هذين الظرفين. تعطي أي اختلافات ملاحظة في إنتاج هذه pions مؤشراً على مدى محاذاة دوران الغلوونات، وبالتالي المساهمة في اللف المغزلي للبروتون.
أشارت النتائج التي أعلن عنها في عام 2014 أن الغلوونات تلعب دوراً هاماً بالتأكيد، ولكن عدم اليقين بشأن حجم مساهمتها كان كبيراً أيضاً. تحد كل من طاقة الاصطدامات وزوايا كاشف RHIC من كمية الغلوونات التي يمكن استكشافها عن طريق تلك التجارب.
يوضح جون لاجوى Jon Lajoie، وهو متعاونٌ مع PHENIX من جامعة ولاية أيوا: "يمكنك التفكير في الأمر مثل المجهر، إن استخدام طاقةٍ أعلى يسمح لك أن تركز على الأشياء الأصغر، والتي هي في هذه الحالة الغلوونات صاحبة الزخم الصغير".
تشير البيانات إلى أن هذه الغلوونات "الجبانة" تلعب دوراً كبيراً في المساهمة في اللف الذاتي للبروتون. والسبب كما يقول علماء الفيزياء، هو أن هناك الكثير منها.
إذا أردنا استخدام مثال المجهر مرةً أخرى، يقول لاجوى: "فإننا كلما زدنا التكبير، كلما ازدادت قدرتنا على ملاحظة التقلبات الكمومية". مشيراً إلى الميل غريب الأطوار للجسيمات دون الذرية لأن تنقسم وتتحول. ويضيف: "داخل البروتون، هناك بحر من الكواركات والكواركات المضادة والغلوونات التي تتغير وتتطور، عندما لا تدقق النظر كثيراً، ترى عدداً معيناً، ولكن ما إن تنظر عن قرب حتى ترى أن بعض هذه الجزيئات قد انقسمت، لذلك هناك في الواقع المزيد من الغلوونات".
يقول سيدل: "لا تزال الشكوك كبيرة وهناك مجال للتحسين في هذه القياسات" وهناك أيضاً طرقاً أخرى للبحث عن مساهمات الغلوونات صاحبة الزخم الأقل، بما في ذلك استكشاف جسيمات الخارجة من الاصطدامات في الزوايا "الأكثر أمامية". يقول سيدل: "إن توسيع نطاق جزء الزخم الأقل قيمة، هو واحد من الأهداف المتبقية لبرنامج RHIC".
كما يعتبر أيضاً أحد الأسباب التي تدفع علماء الفيزياء النووية لبناء مصادم الأيونات الإلكترونية (EIC)، وهو الجهاز الذي من شأنه أن يستخدم شعاع الإلكترون للتحقيق في البنية الداخلية للبروتون بطريقة أكثر مباشرة.
يقول Elke Aschenauerr الفيزيائي بروكهافن والقائد ببرنامج Spin في RHIC: "إن EIC يسمح لنا بقياساتٍ دقيقةٍ للغاية عبر مجموعةٍ أوسع بكثيرٍ لأجزاء للزخم". وأضاف: "سيكون المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه قياس توزيع استقطاب الغلوونات كدالة من زخمها، وكذلك التوزيع المكاني داخل البروتون، مثل مجهرٍ يمكنه تحديد أصغر الملامح على وجه الدقة".
وقد صدر مؤخراً تقرير عن اللجنة الاستشارية للعلوم النووية للولايات المتحدة يضع EIC كأولوية قصوى من أجل بناء المنشأة الجديدة، ليحصل العلماء على رغبتهم في أن يكونوا قادرين على رؤية الغلوونات بدقةٍ كافيةٍ أخيراً لحل لغز اللف المغزلي -الدوران الذاتي- (Spin).