فيزيائيون يدرسون الزمن كمومياً

قاست مجموعة دولية من العلماء الإنتروبي (entropy) في الأنظمة الكمومية المجهرية، وتأمل المجموعة أن يتم الكشف عن "اتجاه الزمن" الذي ينص على أن الزمن يتجه دائماً إلى المستقبل وليس إلى الماضي. تضمنت التجربة قلب اتجاه اللف الذاتي (spin) لذرات الكربون بشكلٍ متكررٍ باستخدام مجال مغناطيسي متردد وربط اتجاه الزمن الناتج عن الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations) بحالات اللف الذاتي الذرية المختلفة.

يقول عضو الفريق روبيرتو سيرا Roberto Serra، وهو فيزيائي متخصص في المعلومات الكمومية في جامعة إيه بي سي الفيدرالية في سانتو أندريه في البرازيل: "اتجاه الزمن هو ما يجعلنا نتذكر الأمس وليس الغد. فعلى مستوى البنية الأساسية، يتضمن لاتماثل الزمن الاهتزازات الكمومية".

كسر قشر البيض


نحن نتعامل مع اتجاه الزمن بشكل اعتباطي في الحياة اليومية. على سبيل المثال يمكننا أن نرى بيضةً تُكسر لتصبح بيضة مكسورة، لكننا لا نرى أبداً محّ وبياض بيضة وقشرها يتجمعان لتكوين بيضة سليمة. يبدو بشكل واضحٍ أن قوانين الطبيعة غير قابلةٍ للانعكاس، ولكن ليس هناك شيء أساسي في الفيزياء ينص على ذلك. فالمعادلات الديناميكية للبيض المكسور تسير إلى الخلف تماماً كما تسير إلى الأمام.

يوفّر الإنتروبي نافذة باتجاه الزمن. يبدو معظم البيض متشابهاً، لكنّ البيض المكسور يأخذ أشكالاً عديدةً: يمكن أن تكسره بشكلٍ أنيقٍ، أو تخفقه، أو تضعه في المقلاة، أو أن يسقطَ خطأً على أرض المطبخ ... إلخ. البيضة المكسورة هي حالة عدم انتظامٍ، ولهذا سيكون الإنتروبي الخاص بها مرتفعاً. وبسبب وجود حالات عدم انتظامٍ أكثر من حالات الانتظام، من الطّبيعي أن يتجه أي نظامٍ إلى حالة عدم الانتظام أكثر من الانتظام.

هذه السببية الاحتمالية موجودة ضمن القانون الثاني للترموديناميك (second law of thermodynamics)، الذي ينص على أن الإنتروبي يزيد مع مرور الزمن ولذلك ليس بمقدور الزمن الاتجاه نحو الماضي لأن ذلك من شأنه أن يقلل من إنتروبي النظام. يمكن اعتبار هذا الجدال مقنعاً إذا طبقناه على الأنظمة المكونة من عدد كبيرٍ من الجسيمات المتفاعلة مع بعضها تماماً مثل البيضة. لكن ماذا بشأن الأنظمة المكونة من جسيمٍ واحد؟

 

 
القطاع الغامض

قام سيرا وزملاؤه بالغوص في هذه المنطقة عن طريق قياس الإنتروبي لذرات الكربون 13 الموجودة في عيّنة من الكلوروفورم السائل. على الرغم من احتواء العينة على ما يقارب التريليون جزيء من الكلوروفورم، فإن الطبيعة الكمومية غير النشطة لهذه الذرات جعلت من التجربة مماثلة للقيام بالقياسات باستخدام ذرة كربونٍ واحدة، ولكنها مضاعفة تريليونات المرات.

عرّض العلماء العينة إلى مجالٍ مغناطيسيّ خارجيّ مهتز، الذي قام بدوره بعكس حالة اللف الذاتي الخاصة بذرات الكربون بين الأعلى والأسفل باستمرار، ثم زادوا شدة المجال المغناطيسي لرفع معدل انعكاس حالة اللف الذاتي، ومن ثم قاموا بتخفيض الشدة.

بما أنّ النظام قابل للعكس، يجب أن يتماثل التوزيع الكلي لحالة الذرات في نهاية التجربة والتوزيع في بدايتها. ولكن تبين للعلماء عند استخدام الرنين المغناطيسي الذري وطبوغرافيا الحالة الكمومية أن هنالك زيادةً في عدم النظام في الحالة النهائية. بسبب الطبيعة الكمومية للنظام، يماثل ذلك زيادة في الإنتروبي الخاص بذرة كربونٍ واحدة.

طبقاً للباحثين فإن سبب زيادة الإنتروبي لذرة واحدة هو السرعة التي يتم إجبار الذرة على الانعكاس وفقها، أي أن الذرات غير قادرة على مواكبة السرعة العالية لشدة المجال المغناطيسي ولذلك فإنها تبدأُ بالاهتزاز بشكلٍ عشوائيٍّ، ويشبه ذلك عدم قدرة راقص مبتدئ على مواكبة إيقاع الموسيقى السريعة التي يرقص عليها. يقول سيرا: "الرقص على موسيقى بطيئة الإيقاع أسهل من الرقص على موسيقى سريعة الإيقاع".

الكثير من الأسئلة المتبقية

يقول مارك رايزن Mark Raizen، من جامعة تكساس في أوستن في الولايات المتحدة، الذي درس أيضاً اللاعكوسية (irreversibility) في الأنظمة الكمومية: "تمكنت المجموعة من رصد وجود اتجاه الزمن في الأنظمة الكمومية". ولكنه يوضح بأنهم لم يتمكنوا من رصد بداية اتجاه الزمن ويضيف: "لا تُقفل هذه الدراسة الكتاب عن فهمنا لاتجاه الزمن، وتبقى العديد من الأسئلة بانتظار إجابة".

أحد هذه الأسئلة هو: هل هناك رابط بين سهم الزمن والتشابك الكمومي؟ (quantum entanglement) –وهو الظاهرة التي يحدث فيها ترابط لحظي بين جسيمين حتى لو تم فصلهما لمسافةٍ كبيرةٍ. يبلغ عمر هذه الفكرة 30 عاماً، وقد لاقت شعبية واسعة مؤخراً. لكن هذه النظرية غير مرتبطة باتجاه الزمن بالقدر الذي ترتبط فيه بانتقال المعلومات الكمومية الذي لا يمكن إيقافه.

يؤمن سيرا بأنه من خلال توظيف التشابك الكمومي، يصبح عكس اتجاه الزمن في الأنظمة المجهرية ممكناً ويضيف: "نعمل على ذلك حالياً. سنستكشف هذا الجانب في الجيل التالي من تجاربنا الكمومية".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations): في الفيزياء، يُشير الاهتزاز الكمومي إلى تغير مؤقت في كمية الطاقة المُختزنة في نقطة ما من الفضاء، ويعتمد هذا المفهوم على مبدأ الارتياب الذي صاغه عالم الفيزياء فيرنر هايزنبرغ.
  • التشابك الكمومي (quantum entanglement): التشابك الكمومي: ظاهرة كَمّية ترتبط فيها الجسيمات الكميّة ببعضها، رغم وجود مسافات كبيرة تفصل بينها. مما يقود إلى ارتباطات في الخواص الفيزيائية المقيسة لهذه الجسيمات الكمّية. المصدر: العلوم الأمريكية.
  • الإنتروبي (entropy): هو كمية الطاقة غير المتاحة للقيام بعمل في نظام فيزيائي، وقد أطلق عليه كلاوزيوس مصطلح الإنتروبي ملهماً بكلمة tropi التي تعني التحول، واختيرت لتكون أقرب ما يُمكن من كلمة الطاقة (energy)، ويقول أشهر قوانين الطبيعة المعروف بالقانون الثاني في الترموديناميك "لا يُمكن لانتروبي نظام فيزيائي مغلق أن يتناقص أبداً".
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات