صورة من منظورٍ عام لقاعة خليج دايا تحت الأرض أثناء عمليات التركيب. يتم غمر مستشعرات مضادات النيوترينوات الأربعة في بركة ضخمة من المياه فائقة النقاء لتعمل كنظام منع كوني للميونات (cosmic muon veto system)
المصدر: روي كالتشمدت، مختبرات بيركلي Roy Kaltschmidt, Berkeley Lab
في منطقة خليج دايا في الصين و على بعد 55 كم شمال شرق هونج كونج، يتم إنشاء مشروع لدراسة الجسيمات الشبحية المسماة بالنيوترينوات. وقد أعلن تعاون خليج دايا الدولي اليوم عن اكتشاف جديد يتعلق بقياسات النيوترينوات، ليفتح المجال أمام أبحاث جديدة وليؤكد بأن تجربة النيوترينوات المجراة في خليج دايا ما زالت فعّالة.
تتضمن الاكتشافات الجديدة قياسات تتعلق بالطريقة التي يغيّر فيها النيوترينو نوعه أو نكهته، وهذه خاصيةٌ تتميز بها النيوترينوات وتسمى الذبذبة (oscillation). يُمكن أن يفتح قياسُ هذه الخاصية المجال للتعرف على خاصيتيْن رئيسيتيْن للنيوترينو هما زواية الخلط (mixing angle) وانقسام الكتلة (mass splitting).
القياسات التي تم الحصول عليها في خليج دايا هي الأكثر دقةً حتى الآن، وهي أفضلُ بمقدار الضعف من القياسات السابقة المنشورة من قبل تعاون خليج دايا نفسه في عام 2014 وسيتمُ نشر هذه النتائج في مجلة Physical Review Letters.
يقول الفيزيائي زن كيان (Xin Qian) من مختبر بروكهيفن القومي من إدارة الطاقة الأمريكية والذي يلعبُ عدة أدوار في هذا المشروع الدولي بدءاً من الإدارة إلى هندسة المستقبلات وانتهاءاً بتحليل البيانات :"نحن نحاول أن نقيسَ أثراً صغيراً جداً بأكبر قدر ممكنٍ من الدقة. قياساتنا تُعتبر نقطة التحول التي يبدأُ بموجبها عصر جديد من القياسات الدقيقة لفيزياء النيوترينوات". يتضمن المشروع تعاون أكثر من 200 عالم من سبع دول ومناطق مختلفة.
يقول العلماء بأنه من المهم الحصول على قياسات دقيقةٍ قدر المستطاع لكل من زوايا المزج و انقسام الكتلة لأن النيوترينو قد يحمل المفتاح لفهم عدم التساوي بين المادة و المادة المضادة في الكون، عدم التماثل هذا والذي يُعرف بانتهاك قانون الشحنة-المساواة (charge-parity) يفسّر لماذا بعد أن حصل الانفجار العظيم واستهلكت المادة والمادة المضادة بعضهما البعض بقي جزء من المادة لتكوُّن الكون الذي نعرفه الآن.
النيوترينو المتذبذب
يتصرف النيوترينو بشكل مختلف عن الجسيمات الأساسية الأخرى، فهو يختفي ويظهر من جديد و يقوم بتحويل نفسه دون عوائق أثناء سفره من مصادر كالشمس والنجوم الأخرى وعبر الفضاء والكواكب وحتى عبر أجسامنا دون أن يتأثر بشيء.
يأتي النيوترينو بثلاث نكهات إلكترون electron و ميون muon و تاو tau. وعند سفره و نتيجة للتذبذبات الميكانيكية الكمية فإنه يتحول من نكهة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال يمكن أن يتحول نيوترينو إلكترون إلى نيوترينو تاو، ويمكن عند نقطة ما أن يظهر بالصورة التي بدأ عليها، ومع مرور الوقت تحدث هذه التحولات مجدداً. تمتلك هذه التحولات تردداً ومدىً معينيْن بشكل مماثل لأمواج الضوء والصوت.
يعطي مدى التحول العلماء معلومات عن المعدلات التي يتحول فيها نيوترينو من نكهة إلى أخرى، وهذا يعرف بزوايا الخلط. ويعطي تردد التحول معلومات عن الاختلاف في الكتل، وهي خاصية يُطلق عليها انقسام الكتلة.
شبكة النيوترينو
لدراسة تحول النيوترينوات قام تعاون خليج دايا بغرس 8 مستشعرات في 3 برك كبيرة تحت أرضية من الماء. هذه المستشعراتُ موضوعةٌ على مسافات مختلفة من مفاعلات مجموعة الصين النووية العامة للطاقة China General Nuclear Power Group في خليج دايا، حيث أن هذه المفاعلات تنتج إشعاعات ثابتة من مضادات نيوترينو الإلكترون كناتج ثانوي من توليد الكهرباء، والتي من أجل إجراء التجربة يمكن اعتبارها نيوترينوات الإلكترون نفسها. تلتقط المستشعرات التحول الذي يحصل عندما تسير ملايين الكوادرليونات من مضادات نيوترينو الإلكترون مسافة ما بعيداً عن المفاعل الذي خرجت منه.
بناءً على المعلومات المجمعة من أكثر من 217 يوم من استخدام 6 من مستشعرات خليج دايا و 404 أيام من استخدام المستشعرات الثمانية كلها، حدد العلماء قيم زاوية اختلاط محددة تسمى ثيتا 13 (و تُقرأ ثيتا واحد-ثلاثة) بدقة تصل إلى ضعفي دقة القراءة السابقة، وقد حصلوا على قراءات محسنة مماثلة لقيم انقسام الكتلة.
يقول الفيزيائي تشاو زانج Chao Zhang من مختبر بروكهافن: "تمكنّا من أن نجمع الكثير من البيانات وأن نصل إلى هذه الدرجة من الدقة بفضل الأداء الرائع لمستشعراتنا". وأضاف: "هذه القراءات تدعم نموذج النكهات الثلاثة للنيوترينو، والذي يصف فهم العلماء الحالي لطبيعة النيوترينوات. وسيكون لها تأثيرات كبيرة على تجارب النيوترينو المستقبلية".
يستمر تعاون خليج دايا بأخذ المعلومات، وفي نهاية 2017 سيكون لديهم 4 أضعاف البيانات المتوفرة حالياً ليزيدوا من دقة قراءات زوايا المزج لثيتا 13 وانقسام الكتلة المرتبطة بها، وحينها قد يكون تم الحصول على بيانات مماثلة بالدقة وأفضل بـ 3 بالمائة فيما يتعلق بزوايا الدمج الثلاثة وانقسامي الكتلة، وهي بيانات مهمة لتجارب النيوترينوات المستقبلية للتمكن من قياس الخصائص غير معروفة للنيوترينوات الغامضة.
المجموعة غير مسبوقة الدقة من البيانات سمحت بالعديد من الدراسات الأخرى، على سبيل المثال: يبحث الفريق عن دليل لوجود نيوترينو "عقيم"، وهو نوع افتراضي قد يجمع بين نكهات النيوترينو الثلاثة. إذا أظهر هذا النيوترينو العقيم نفسه في البيانات، فإن العلماء سيكونون بحاجة إلى إعادة التفكير بنماذج النيوترينو الثلاث. يبحث الفريق أيضاً عن مجموعة متنوعة من الانحرافات. المحتملة للنموذج المعياري، وهي نظرية استخدمها الفيزيائيون لوصف تفاعلات الجسيمات.
يقول زانج: "تقدُّمنا في فهم النيوترينو عن طريق تجربة خليج دايا سيوسع فهمنا للفيزياء الأساسية".