قياس سلوك كمومي في حزمة صوتية عند درجة حرارة الغرفة


منذ الاكتشاف التاريخي للأمواج الثقالية في عام 2015 – الناتجة عن تصادم ثقب أسود بثقب أسود اخر يقعان على بعد أكثر من مليار سنة ضوئية– والفيزيائيون مشغولون بتطوير معارفهم عن حدود الدقة في القياسات. إذ إن هذه المعرفة ستساعد في تحسين الأجيال القادمة من الأدوات التي يستخدمها العلماء في دراسة الأمواج الثقالية.


وتمكَّن مؤخرًا توماس كوربيت Thomas Corbitt الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء والفلك في جامعة ولاية لويزيانا وفريقه من إجراء أول قياساتٍ عريضة الحزمة بعيدة عن تواتر الطنين للتشويش الكمومي لضغط الإشعاع في حزمة صوتية عند ترددات قريبة من الترددات التي تعمل عندها كواشف الأمواج الثقالية.


وتُلمِّح نتائج هذه الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Nature إلى بعض الطرائق التي يمكن الاستفادة منها في تطوير حساسية كواشف الأمواج الثقالية عن طريق تحسين التقنيات المستخدمة في التخفيف من أثر عدم الدقة الناتج عن "أثر الراصد" back action وبالتالي زيادة فرص التقاط الأمواج الثقالية.


ابتكر كوربيت ورفاقه أجهزةً تمكننا من رصد و"سماع" الآثار الكمومية في درجة حرارة الغرفة، ففي الغالب يكون من الأسهل قياس التأثيرات الكمومية عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا. لكن المقاربة الجديدة التي ابتكرها الفريق تجعل التأثيرات الكمومية أقرب للخبرة البشرية العادية. وُضعت هذه الأجهزة في نماذج مصغرة للكواشف من قبيل مرصد الأمواج الثقالية بقياس تداخل الليزر المعروف اختصارًا LIGO. وتتألف هذه الأجهزة من مِرنان resonator صغير منخفض الخسارة مُكوَّن من بلورة وحيدة، وفي كل جهاز من هذه الأجهزة توجد مرآة لا يزيد حجمها عن حجم رأس الدبوس معلقة على رافعة. وعند توجيه حزمة من الليزر الى مرآة أحد الأجهزة ستنعكس هذه الحزمة، لكن التذبذب في ضغط الإشعاع سيكون كافيًا ليتسبب في انحناء الرافعة، الأمر الذي سينجم عنه اهتزاز المرآة وهو ما سيعني توليد التشويش.


تستخدم مقاييس التداخل الخاصة بالكشف عن الأمواج الثقالية ليزرات بأعلى استطاعة ممكنة لتخفيف الارتياب الناتج عن قياس الفوتونات ولزيادة نسبة الإشارة الى الضجيج. تُفيد هذه الاستطاعات الكبيرة لأشعة الليزر في زيادة الدقة في تحديد الموقع، لكنها تزيد في المقابل من أثر الراصد، وهو الارتياب الحاصل في عدد الفوتونات المنعكسة عن المرآة التي تتأثر بالذبذبات الناشئة عن ضغط الإشعاع على المرآة، ما يُسبب حركة لها. الأنماط الأخرى من التشويش من قبيل التشويش الحراري غالبًا ما تفوق التشويش الكمومي لضغط الإشعاع. لكن كوربيت وفريقه وبمساعدة بعض المشاركين من معهد ماساتشوستس التفنيMIT تمكنوا من تجاوزها. ستصبح الأجيال القادمة من الكواشف التي تعتمد على التداخل مثل مرصد LIGO المطور وغيره مقيدةً عند الترددات المنخفضة بالتشويش الكمومي لضغط الإشعاع عندما تعمل بكامل استطاعتها. لكن هذه الدراسة ألمحت إلى بعض الحلول التي يمكن أن يستفيد منها الباحثون من أجل التغلب على هذه القيود.


ويشرح كوربيت ذلك بقوله: "بالنظر إلى أهمية وجود كواشف أمواج ثقالية أكثر دقةً، فإنه من الضروري دراسة تأثيرات التشويش الكمومي لضغط الإشعاع في المنظومات المشابهة لمرصد LIGO المتقدم، لأنها ستكون متأثرةً بالتشويش الكمومي لضغط الإشعاع على امتداد مجالٍ واسعٍ من الترددات.


ويعلَّق كوربيت على نجاح التجربة بقوله: يومًا بعد يوم، وأثناء فترة انشغالي بوضع خطة عمل لتصميم هذه التجربة، وتجهيز المرايا الصغيرة ووضع جميع هذه الأجهزة البصرية على الطاولة، انشغلت عن التفكير بأثر نتائج هذه التجربة. فقد كنت منهمكًا في التركيز على تنفيذ كل مرحلة وأن تكون جاهزة في موعدها. لكن الآن بعد أن أنجزنا التجربة فإنه من المذهل أن تتأمل وتفكر في تبعات أن ميكانيك الكم – والذي يبدو بالعادة وكأنه ينتمي لعالمٍ آخر وبعيد عن عالمنا وخبراتنا البشرية – هو المسبب لحركة المرايا، وهي حركة مرئية بالعين المجردة. ما يعني أن الفراغ الكمومي، أو اللاشيء، يمكنه التأثير على شيء يمكننا رؤيته.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات