مطياف النقطة الكمية أصبح بالغ الصغر حتى إنه يعمل داخل هاتف ذكي!

في هذا الرسم التوضيحي، يقوم جهاز مطياف النقطة الكمية بطباعة مرشحات نقطة كمية، وهي خطوة أساسية في التصنيع. هناك أساليب مطيافية أخرى تمتلك أنظمة معقدة للحصول على التركيب البصري المطلوب. أما في أسلوب مطياف النقطة الذرية هذا، تُوَلَّدُ البنى البصرية -مرشحات النقطة الكمية- عن طريق طباعة قُطيرات سائلة.


تعد الأدوات التي تقوم بقياس خصائص الضوء، والتي تعرف بالمطيافات، شائعة الاستخدام في البحوث الفيزيائية والكيميائية والحيوية. وهي عادةً ما تكون كبيرة جدًا على أن تكون قابلة للحمل، ولكن علماء معهد ماساتشوستس للتقنية MIT أثبتوا أنهم يستطيعون بناء مطيافات كتلة صغيرة بما يكفي ﻷن توضع داخل كاميرا هاتفٍ ذكي، وذلك باستخدام جزيئات نانوية شبه موصلة وصغيرة، تدعى النقاط الكمية.

يقول جيا باو Jie Bao إنه بالإمكان استخدام هذه الأجهزة في تشخيص الأمراض، وأمراض الجلد بشكل خاص، أو للكشف عن الملوثات البيئية وحالات الطعام، جيا باو هو باحث سابق في MIT بدرجة ما بعد الدكتوراه والمؤلف الرئيسي لورقة علمية تصف مطيافات النقطة الكمية، والتي نُشرت في دورية Nature في عدد 2 تموز/يوليو 2015.

يمثل هذا العمل أيضًا تطبيقًا جديدًا للنقاط الكمية، والتي كانت تستخدم بشكل أساسي لوسم الخلايا والجزيئات الحيوية، وكذلك في شاشات الحواسيب وأجهزة التلفاز.

يقول ماونجي بوندي Moungi Bawendi: "يعتبر استخدام النقاط الكمية للمطيافات تطبيقًا مباشرًا مقارنة بالأشياء الأخرى التي حاولنا عملها، وأظن أنها جذابة جدًا". وماونجي بوندي هو بروفيسور ليستر ولف (درجة من درجات البروفيسورية) في الكيمياء بمعهد ماساتشوستس للتقنية، والمؤلف الرئيسي للورقة.

تقليص المطيافات


تكونت المطيافات الأولى من منشورات تقوم بفصل الضوء إلى أطواله الموجية المكونة له، بينما تستخدم النماذج الحالية أدوات بصرية مثل محزز الحيود [1] للحصول على نفس الأثر. تستخدم المطيافات في العديد من التطبيقات، كدراسة العمليات الذرية ومستويات الطاقة في مجال الفيزياء وتحليل عينات النسج في مجال بحث الطب الحيوي وفي علم التشخيص.

أتاح استبدال تلك الأدوات البصرية الضخمة المجال لفريق MIT أن يقلصوا حجم المطيافات إلى حجم ربع دولار أمريكي (بقطر 2.4 سم)، وأن يستفيدوا من بعض الخصائص المفيدة للنقاط الكمية.

تُصنع النقاط الكمية، وهي عبارة عن بلورات نانوية اكتشفت في بدايات الثمانينات، عن طريق دمج معدن ما كالرصاص أو الكادميوم مع عنصر آخر يحتوي على الكبريت والسيلينيوم والزرنيخ. يستطيع العلماء، عن طريق التحكم بنسبة هذه المواد البدئية وحرارتها وزمن التفاعل، أن يولدوا عددًا لا محدودًا تقريبًا من النقاط مع فرق في الخاصية الكهربائية التي تسمى "فرق الطاقة" (band gap)، والتي تحدد طول الموجة الضوئية التي سوف تمتصها كل نقطة.

يقول بوندي إنه مع ذلك، فإن أغلب التطبيقات الحالية للنقاط الكمية لا تستفيد من هذا المدى الواسع من امتصاص الضوء، وبدلًا من ذلك، تقوم أغلب التطبيقات، كوسم الخلايا أو الأنواع الحديثة من شاشات التلفاز، باستخدام تألق النقاط الكمية وهي خاصية أكثر صعوبة بكثير من حيث التحكم بها. كما يضيف: "من الصعب صنع شيء يتألق بشكل ساطع جدًا. عليك أن تحمي النقاط، وعليك أن تمارس كل هذه العمليات الهندسية".

يعمل العلماء أيضًا على خلايا شمسية مبنية على النقاط الكمية، والتي تعتمد على قدرة النقاط على تحويل الضوء إلى إلكترونات. ولكن هذه الظاهرة ليست مفهومةً تمامًا، ومن الصعب التحكم بها.

من وجهة نظر أخرى، فإن الخصائص الامتصاصية للنقاط الكمية معروفة جيدًا وهي مستقرة جدًا. يقول باو: "إذا كان بالإمكان الاعتماد على هذه الخصائص، فإنه من الممكن أن نقوم بصنع تطبيقات سيكون لها تأثير أكبر على المدى القصير نسبيًا".

طيف واسع


ينشر مطياف النقطة الكمية الحديث المئات من مواد النقاط الكمية، والتي يرشح كل منها مجموعة محددة من أطوال الموجات الضوئية. تُطبع مرشحات النقاط الكمية في فلم رقيق، وتوضع فوق كاشف ضوئي كأجهزة اقتران الشحنة (charge-coupled devices) أو اختصارًا CCDs والموجودة في كاميرات الهواتف الخلوية.

طور الباحثون خوارزمية تقوم بتحليل نسبة الفوتونات التي يمتصها كل مرشح، ومن ثم تجمع المعلومات من كل واحد منها لتحسب شدة أشعةِ الضوء الأصليةِ وطول موجتها.

كلما زاد عدد المواد التي تبنى منها النقاط الكمية، زادت أطوال الموجات التي تغطيها، وزادت الدقة التي نحصل عليها. في هذه الحالة، استخدم الباحثون حوالي 200 نوع من النقاط الكمية موزعة على مدى 300 نانومتر تقريبًا. بزيادة عدد النقاط، قد يصير بالإمكان تصميم مثل هذه المطيافات لتغطي مدًى أوسع من ترددات الضوء.

يقول فينغ وانغ Feng Wang، وهو بروفيسور مساعد في الفيزياء في جامعة كاليفورنيا في بيركيلي، والذي لم يكن مشاركًا في البحث: "أظهر بوندي وباو طريقة جميلة في استغلال امتصاص النقاط الكمية شبه الموصلة، هذا الامتصاص البصري المتحكم به للمطيافات المصغرة. إنهم يعرضون مطيافًا صغير الحجم، ليس هذا فحسب، ولكنه أيضًا ذو طاقة إنتاجية عالية ودقة طيفية عالية، الأمر الذي لم يتم التوصل إليه من قبل".

يقول باو إنه إذا جرى تضمين هذا الجهاز في أجهزة صغيرة محمولة باليد، فإنه بالإمكان استخدام هذا النوع من المطيافات لتشخيص أمراض الجلد أو تحليل عينات البول. كما أنه يمكن استخدامها في تعقب العلامات الحياتية (vital signs) كالنبض ونسبة الأوكسجين، أو لقياس نسبة التعرض لترددات مختلفة من الأشعة فوق البنفسجية، والتي تختلف في قابليتها على تدمير الجلد.

يضيف باو: "يُصنع المكون الأساسي لهذه المطيافات -وهي مصفوفة مرشحات النقاط الكمية (quantum dot filter array)- عن طريق المعالجة والطباعة المبنيان على الإذابة (Solution-based processing and printing) متيحًا بذلك تقليلًا كبيرًا في التكاليف".


ملاحظات:


[1] محزز الحيود diffraction grating: هو سطح يمتلك العديد من الشقوق المتراصة، يقوم بتقسيم الضوء وتحييده (حرفه) إلى عدة حزم ضوئية بعدة اتجاهات، وتتحدد اتجاهات تلك الحزم الجديدة حسب تباعد التحزيز وطول الموجة للضوء الساقط.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات