نظرة إلى لحظات مهمة كاسيني الأخيرة

صورة فنية لمركبة كاسيني أثناء غوصها النهائي في الغلاف الجوي لزحل في 15 أيلول/سبتمبر، 2017.

حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech
 


أثناء غوص المركبة الفضائية كاسيني Cassini التابعة لوكالة ناسا في الغلاف الجوي العلوي لزحل في 15 أيلول/سبتمبر، بثت بيانات حية من ثمانٍ من أدواتها العلمية، جنباً إلى جنب مع قراءاتٍ من مجموعة متنوعة من النظم الهندسية. رغم أن تحليل البيانات العلمية الناتجة عن الغوص النهائي سيستغرق بعض الوقت، لدى مهندسي كاسيني الآن فهم واضح لكيفية تصرف المركبة في لحظاتها الأخيرة. إنّ البيانات مفيدةٌ لتقييم نماذج الغلاف الجوي لزحل وقد استخدمها الفريق للتنبؤ بسلوك المركبة الفضائية في نهاية المهمة، كما أنها تساعد في توفير خطٍ أساسيٍ للتخطيط للمهمات المستقبلية إلى زحل.

الأمر الجوهري من بين هذه البيانات الهندسية وعمليات القياس عن بعد، هي قياسات تشير إلى أداء محركات الدفع الصغيرة الخاصة بالمركبة الفضائية. وقد كان كل محركٍ قادراً على إنتاج قوة تعادل نصف نيوتن، وهو ما يعادل بالكاد وزن كرة تنس على الأرض.

خلال اللحظات الأخيرة من غطسها، حلقت كاسيني عبر الغلاف الجوي لزحل، الذي له كثافةٍ تعادل تقريباً كثافة الغاز الطفيف حول الأرض حيث تدور محطة الفضاء الدولية. بعبارة أخرى، بالكاد هناك أي هواء على الإطلاق. وعلى الرغم من أن الضغط الجوي يعادل الفراغ تقريباً، فقد كانت كاسيني تتحرك بسرعةٍ أعلى بـ 4.5 مرةٍ من سرعة محطة الفضاء الدولية. وبالتالي فقد ضاعفت السرعة العالية القوة، أو الضغط الديناميكي، الذي تعرضت لها المركبة من الغلاف الجوي إلى حد كبير. الأمر مشابه للقوة التي تتعرض لها يدك عندما تخرجها من نافذة سيارةٍ تتحرك بسرعة 15 ميلاً في الساعة مقابل سيارةٍ تتحرك بسرعة 65 ميلاً في الساعة.

تشير البيانات إلى أنه أثناء الاقتراب النهائي لكاسيني من زحل قبل ساعةٍ من دخولها الغلاف الجوي، قد كانت تهتز ذهاباً وإياباً بأجزاءٍ من الدرجة، بحيث تُطلق بلطفٍ محركات دفعها كل بضع دقائق للحفاظ على اتجاه الهوائي مشيراً إلى الأرض. وقد كانت قوة الاضطراب الوحيدة في ذلك الوقت هي قوة الجذب الطفيفة لزحل التي حاولت تدوير المركبة الفضائية.

تقول جولي وبستر Julie Webster، رئيسة العمليات الفضائية لكاسيني في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا: "من أجل إبقاء الهوائي مشيراً إلى الأرض، استخدمنا ما يسمى بتحكم بانغ بانغ. حيث نعطي المركبة الفضائية نطاقاً ضيقاً لتدور فيه، وعندما تتخطى هذا الحد فى اتجاه واحد، فإنها تطلق محركاً لدفعها بالاتجاه المعاكس". (كان هذا النطاق في الواقع صغيراً فعلاً: فقط 2 ميليراديان، والذي يساوي 0.1 درجة، وتظهر البيانات التي أعيد بناؤها أنّ كاسيني عملت على تصحيح اتجاهها بهذه الطريق حتى نحو ثلاث دقائق قبل فقدان الإشارة).

 

تُظهر هذه الصورة المتحركة آخر 30 ثانية من إشارات الراديو ذات نطاق X وS الخاصة بكاسيني أثناء فقدان الإشارة في مركز التحكم بالمهمة في 15 أيلول/سبتمبر 2017. سُرع الفيديو بمعامل مرتين. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech
تُظهر هذه الصورة المتحركة آخر 30 ثانية من إشارات الراديو ذات نطاق X وS الخاصة بكاسيني أثناء فقدان الإشارة في مركز التحكم بالمهمة في 15 أيلول/سبتمبر 2017. سُرع الفيديو بمعامل مرتين. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech

 

عند هذه النقطة، من ارتفاع 1200 ميل (1900 كيلومتر) تقريباً فوق قمم السحب، بدأت كاسيني دخولها غلاف زحل الجوي. حيث بدأت بالاقتراب من الكوكب ناشرةً ذراع مقياس المغناطيسية magnetometer التي يبلغ طولها 36 قدماً (11 متراً) والتي تبرز من جانب المركبة الفضائية. بدأ الغاز الطفيف بدفع الذراع، ما جعلها تدور قليلاً نحو الخلف. و ردّاً على ذلك، أطلقت محركات الدفع غازاتها النفاثة لتصحيح موضع المركبة وللحد من دوران الذراع أكثر من ذلك. وعلى مدى الدقائق القليلة التي تلت ذلك، وكما تنبأ المهندسون، بدأت محركات الدفع بإطلاق نبضات أطول وأكثر تواتراً، فقد بدأت المعركة مع زحل.

مع إطلاق محركات الدفع بشكل مستمر تقريباً، تشبثت المركبة الفضائية لمدة 91 ثانية ضد الغلاف الجوي لزحل، حيث وصلت قدرة المحركات إلى 100% من طاقتها خلال الـ 20 ثانية الأخيرة قبل فقدان الإشارة. أظهرت الثواني الثمانية الأخيرة من البيانات أن كاسيني بدأت بالانقلاب ببطء إلى الوراء. وعندما حدث ذلك، بدأت الإشارة الراديوية الخاصة بالهوائي بالانزياح بعيداً عن الأرض، وبعد مرور 83 دقيقة (الوقت اللازم لوصول الإشارة)، اختفى صوت كاسيني من أجهزة المراقبة في مختبر الدفع النفاث JPL. أوَلاً، اختفت بيانات القياس عن بعد telemetry data، بحيث لم يبق سوى إشارة الموجة الحاملة الراديوية. ثم، وبعد 24 ثانية من فقدان إشارة القياس عن بعد، عمّ الصمت.

تفسر هذه البيانات سبب رؤية فريق التحكم ما بدا كتأجيلٍ للإشارة التي تظهر كذروةٍ خضراء طويلة لتردد الراديو الخاص بكاسيني، تقريباً كما لو كانت إشارة المركبة الفضائية تعود مرةً أخرى. بدأت ذروة الإشارة بالاضمحلال لأول مرة خلال بضع ثوان، ولكنها ارتفعت بعد ذلك بفترةٍ وجيزة مرة أخرى قبل أن تختفي في النهاية.

تقول وبستر: "لا، لم ينتج ذلك عن عودة الإشارة، فقد كان ذلك مجرد ذروةٍ جانبيةٍ side lobe لنمط حزمة الهوائي الراديوية. أساساً، كان التأجيل جزءاً غير مركزٍ من إشارة الراديو الضيقة التي دارت باتجاه الأرض عندما بدأت المركبة الفضائية بالانقلاب ببطء".

يقول إيرل ميز Earl Maize، مدير مشروع كاسيني في مختبر الدف النفاث: "على الرغم من أنّ كاسيني لم تصمم للتحليق عبر غلافٍ جوي كوكبي، فقد صمدت لمدةٍ تستحق الإعجاب، ما سمح لأدواتها العلمية بإرسال البيانات حتى الثانية الأخيرة. لقد كانت مركبةً قوية، وقد فعلت كل ما طلبناه منها".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات