تحديد النقطة الدماغية المرتبطة بالنوبات الصرعية المصحوبة بغيبة


وجد باحثون من جامعة ستانفورد للطب بنية محددة في الدماغ مرتبطة بنوبات الصرع المصحوبة بغيبة absence seizures التي تحدث عند الأطفال ودُعيت هذه البنية بـ"نقطة الاختناق" للشحنات.

استخدم الباحثون تقنية متطورة تُدعى الوراثيات البصرية optogenetics على نماذج من القوارض مصممة لتحاكي أكثر أنواع الصرع شيوعًا في الطفولة، وأظهروا أن تحفيز النشاط العصبي بشكل متزامن ومتناغم في سبيل عصبي معين في الدماغ كان كافيًا لإحداث نوبات تشنجية، بينما كانت عرقلة هذا النشاط كافية لإنهاء النوبات.

يوضح الدكتور جون هيوغينارد John Huguenard وهو دكتور بروفيسور في طب الأعصاب والعلوم العصبية وفي الفيزيولوجيا الخلوية والجزيئية أن الصرع هو عبارة عن نوبات تشنجية متكررة تصيب 1 من كل 26 شخصًا خلال حياتهم، كما أن النوبات الصرعية المصحوبة بغيبة، أو ما يعرف بالنوبات الصرعية الصغيرة (وهي أحد أنواع الصرع التي غالبًا ما تصيب الأطفال من 6 إلى 15 عامًا) تشكل تقريبًا 1 من كل 20 حالة من الصرع.

 

يحدث خلال نوبة الصرع المصحوبة بغيبة فقدان مفاجئ للوعي، تتجمد خلالها الحركة والوضعية وتستمر 15 ثانية ولا يستطيع الطفل في العادة تذكرها.

يقول هيوغينارد: "من الممكن أن تحدث هذه النوبات دون أن تُلاحَظ وقد يظنها الناس مجر نقص في الانتباه".

أظهرت نتائج دراسة جديدة، والتي يفترض بها أن تُنشَر في 15 كانون الأول 2016 في دورية Neuron، طرقًا متطورة من الممكن أن تخفف أو تُشفي أو حتى تمنع نوبات الصرع المصحوبة بغيبة عند الأطفال المعرّضين له. ومن الممكن أن نتمكن من تطبيق هذه النتائج على مجال واسع من أنواع النوبات الصرعية مثل الصرع الكبير المتمثل بحركات نفضية غير إرادية بالإضافة إلى فقدان الوعي.

يتشارك في هذه الدراسة هيوغينارد والدكتورة جيني باز Jeanne Paz كاثنين من كبار المؤلفين في هذه الدراسة، وجيني باز هي طالبة سابقة لأبحاث ما بعد الدكتوراه في مجموعة هيوغنارد، وتعمل الآن أستاذة مساعدة في طب الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، وباحثة مساعدة في معهد Gladstone في سان فرانسيسكو، وبعد ما بدأت باز بهذه الدراسة، غادر UCSF فأكمل التجارب طالب متخرج من ستانفورد هو جوردان سوروكينJordan Sorokin وهو المؤلف الرئيسي للدراسة تحت توجيه هيوغينارد.

 


 النوبات اليومية المتعددة


تقول باز: "يعتقد العديد من الناس أنّ النوبات المصحوبة بغيبة بسيطة نظرًا لعدم حدوث نفضات أو سقوط على الأرض، لكن بعض الأطفال يعانون من أكثر من مئتي نوبة مصحوبة بغيبة يوميًا مما يمنعهم من التعلم في المدرسة ومن الممكن ألا تعمل الأدوية التي يأخذونها لهذه النوبات".

النوبات المصحوبة بغيبة هي أحد أنواع النوبات المتعممة generalized seizures (وهي نماذج من الفعالية النظمية للخلايا العصبية التي تنشأ من أحد أجزاء الدماغ ثم تنتشر إلى كامل الدماغ). والسبب وراء كل النوبات المتعممة هو دارة عصبية موجودة في بنية عميقة في الدماغ تُدعى المهاد thalamus، والذي تشمل وظائفه نقل المعلومات الحسية إلى القشرة الدماغية عبر سبيل عصبي يُدعى السبيل المهادي القشري.

ولجأ العلماء إلى تقنية متزايدة الانتشار تُدعى الوراثيات البصرية optogenetics عُرف بريادتها مختبرُ الباحث المشارك في الدراسة الطبيبُ والدكتورُ كارل ديسيروث Karl Deisseroth وهو بروفيسور في الهندسة الحيوية والطب النفسي وعلوم السلوكيات في ستانفورد.


وفي هذه التقنية أدخلوا جينًا إلى بروتين حساس للضوء موجودٍ على سطح الخلية يُدعى أوبسين opsin في مجموعة من الخلايا العصبية ذات الوظيفة الاستثارية في السبيل المهادي القشري في جرذان وفئران معرّضة للنوبات المصحوبة بغيبة.

ونتيجة لهذا التعديل، ظهر الأوبسين على سطح هذه الخلايا العصبية المُفعَّلة في السبيل المهادي القشري. والأوبسين الذي استخدمه العلماء في بعض تجاربهم كان من النوع المثبط، فوجوده على الخلايا العصبية يعني أنه عندما يصل إليها ضوء أصفر عبر سلك الحبل البصري المزروع، فإن هذه الخلايا ستُمنع من إطلاق الشارات العصبية.

تعد الخلايا العصبية الاستثارية في السبيل المهادي القشري خطًا ثانيًا للتفعيل. ويمكن تمثيل ذلك بهذا المثال: تخيل أحد الفصول مليئة بأطفال يتشابهون بعدم القدرة على البقاء هادئين تمامًا لأكثر من خمس ثوانٍ، وتخيل أيضًا معلمًا لا يكترث للهمس العالي في بعض الأحيان أو الانفعالات العشوائية وذلك إلى حدٍّ معيّن، ولكن عندما لا يلتزم أحدٌ ما بهذا الحد ويتجاوز الضجيج هذه العتبة، يصرخ المعلم حتى يتوقف الأطفال ويصرخ فيهم: "اسكتوا!".

والنتيجة الحتمية التالية لهذا الإسكات القسري أنه وبعد خمس ثوانٍ ستندلع موجة أخرى من الضوضاء وهذا بدوره سيحرّض المعلم على طلب توقف جديد وهكذا دواليك، وينطبق هذا المثال كثيراً على تثبيط نموذج الإطلاق النظمي للشارات العصبية.

 


 عرقلة الأنماط


وبالعودة إلى المهاد، فإن تثبيط خلايا السبيل المهادي القشري الاستثارية (وهو يمثّل المعلّم في التشبيه السابق) يتم عبر مجموعة مختلفة من الخلايا في المهاد وظيفتها توليد إيقاعات مفيدة في بنية الدماغ هذه. من الطبيعي أن يكون هناك نمط معتدل من الإطلاق الإيقاعي للشارات العصبية في السبيل المهادي القشري خلال النوم، ومن المنطقي أنه عندما يحتاج الشخص للنوم أن يتجاهل التنبيهات الحسية الصادرة من المهاد إلى القشرة الدماغية.

لكن، خلال نوبة الصرع المصحوب بغيبة، يتوقف هذا النظم المهادي القشري ويتضخم ليصير في وضع التشويه النظمي. كما يبدو أنّ العيوب غير الملحوظة في الدارة من الممكن أن تؤهب لجعل السبيل المهادي القشري يدخل بسهولة في وضع التوحيد الدقيق للتزامن.


وجد الباحثون أن نمط إطلاق الشارات العصبية في السبيل المهادي القشري تغيرت من نمط فوضوي إلى نمط متناغم خلال النوبات التي تحدث بشكل طبيعي عند حيوانات التجربة. وباستخدام الوراثيات البصرية تمكن العلماء من إحداث تثبيط مُفاجئ لإطلاق خلايا السبيل المهادي القشري الاستثارية، وبذلك حرضوا حدوث نوبات في هذه الحيوانات فقط بكبسة زر.

يقول هيوغينارد: "إن نبضة واحدة من الضوء الأصفر كافية لتوليد فعالية إطلاق نظمي للشارات العصبية في كامل القشرة الدماغية في نصفي الكرة المخية في الدماغ."

إن إدخال نوع مختلف من الأوبسين (والذي طوره أيضًا أعضاء مختبر Deisseroth) لم تكن وظيفته تثبيط الخلايا الاستثارية للسبيل المهادي القشري، ولكنه جعلها أكثر استثارة عند تعريضها لنبضة من الضوء الأزرق، وممكن إلغاء هذه القابلية باستخدام الضوء الأصفر. أظهر الباحثون أن جعل الخلايا الاستثارية في السبيل المهادي القشري أقل عرضة للتثبيط، يعطّل التزامن الجماعي لإطلاق الشارات ويوقف فعالية النوبة.

تقول باز: "أظهرت دراستنا أن المهاد هو نقطة الاختناق فمشاركته أساسية في المحافظة على النوبات المصحوبة بغيبة". اقترح كل من باز وهيوغينارد أن العلاجات قادرة على توجيه الخلايا العصبية الاستثارية في السبيل المهادي القشري من نمط إطلاق متزامن إلى نمط أكثر فوضوية، وهذا من الممكن أن يوقف النوبات المصحوبة بغيبة، بل وإنه قد يكون قادرًا على إيقاف أنواع أخرى من الصرع المتعمم.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات