الباحثون يحددون الخلايا العصبية المختصة بالذاكرة الاجتماعية


 بحسب دراسة جديدة، فإن بعض خلايا الحصين تخزّن الذكريات الخاصة بالمعارف والأصدقاء


وفقاً لدراسة جديدة قام بها علماء أعصاب تابعين لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، فإن أدمغة الفئران تحوي خلايا متخصصة بتخزين الذكريات التي تتعلق بالفئران الأخرى، وقد وُجدت هذه الخلايا في منطقة من الحصين hippocampus تُدعى بالجزء الداخلي لمنطقة CA1، وتقوم بتخزين الذكريات الاجتماعية التي تنظم سلوك الفئران تجاه بعضها البعض.

أظهر الباحثون أيضاً أن بإمكانهم تثبيط أو تحفيز هذه الذكريات باستخدام تقنية تُدعى الوراثيات البصرية optogenetics للتلاعب بالخلايا التي تحمل آثار هذه الذكريات، أو ما يعرف بالإنغرام (والإنغرام هو الأثر العصبي الدائم، وهو تغير فيزيولوجي أو كيميائي حيوي في الخلايا العصبية، بحيث يمثل الذاكرة على المستوى الخلوي والجزيئي - فريق الترجمة).

يقول سوسومو تونيغاوا:"من الممكن أن نغيّر إدراك وسلوك الفأر الخاضع للتجربة عبر تثبيط أو تحفيز خلايا الجزء الداخلي من CA1."

سوسومو تونيغاوا Susumu Tonegawa حاصل على بروفيسورية بيكاور في علم الأحياء وعلم الأعصاب، ومدير مركز RIKEN-MIT لوراثيات الدائرة العصبية التابعة لمعهد بيكاور للتعلم والذاكرة، وهو المؤلف الأكبر لهذه الدراسة والتي ظهرت في طبعة 29 أيلول/سبتمبر لمجلة Science على الإنترنت.

والمؤلف الرئيسي لهذه الورقة البحثية هو تيروهيرو أوكوياما Teruhiro Okuyama الحاصل على شهادة ما بعد الدكتوراه من معهد MIT.

 تتبُّع الذاكرة الاجتماعية


في دراسة معروفة نُشرت عام 2005، حدد علماء تابعون لمعهد كاليفورنيا للتقنية الخلايا العصبية في دماغ الإنسان التي تستجيب بشكل خاص لصور الشخصيات المشهورة مثل هالي بيري وبراد بيت، مما جعلهم يستنتجون أن الدماغ يحوي خلايا متخصصة بتخزين ذكريات خاصة بأشخاص مشهورين.

وُجدت الكثير من هذه الخلايا في الحصين وحوله، والحصين هو الجزء الذي يخزّن فيه الدماغ ذكريات خاصة بالوقائع تُعرف بذكريات الأحداث episodic memories، وقد اقترح فريق معهد MIT أن الذكريات الاجتماعية تُخزَّن في الجزء الداخلي من CA1 من حصين أدمغة الفئران؛ لأن الدراسات السابقة أشارت إلى أن هذه المنطقة لا تتدخّل بتخزين ذكريات الأحداث.

شرع الباحثون بتجربة هذه الفرضية مستخدمين تقنية الوراثيات البصرية عن طريق هندسة (تصميم) عصبونات من الجزء الداخلي من CA1 للتعبير عن بروتينات حساسة للضوء، حيث استطاعوا بشكل غير طبيعي (مصطنع) تفعيل أو تثبيط هذه الخلايا عن طريق تسليط ضوء عليها أثناء تفاعل الفئران مع بعضها.

بدايةً، سمح الباحثون لفأر يُدعى "فأر الاختبار" أن يمضي وقتاً مع فأر آخر لمدة ساعتين، وذلك لجعل الفأرين يألف أحدهما الآخر، ثمّ وُضِع فأر الاختبار في قفص مع الفأر السابق المألوف له وفأر جديد.


في الظروف العادية تفضّل الفئران أن تتفاعل مع فئران لم ترها من قبل، لكن عندما قام الباحثون عن طريق الضوء بقطع الدارة التي تصل الجزء الداخلي من CA1 بمنطقة أخرى من الدماغ تُدعى النواة المُتكئة nucleus accumbens، تفاعل الفأر مع كل من الفأرين السابقين بصورة متشابهة، حيث تم كبح ذاكرته التي تخص الفأر المألوف بالنسبة له. 

يعقب أوكوياما: " أضعفَ تثبيطُ الجزء الداخلي من CA1 الذاكرةَ الاجتماعية؛ حيث لم يُظهر الفأر أي تفضيل للفأر الجديد وغير المألوف بالنسبة له، فقد تعامل مع كلا الفأرين بنفس الأسلوب".

ومن جهة أخرى، عندما قام الباحثون بتحفيز الجزء الداخلي من CA1 أثناء تفاعل فأر الاختبار مع فأر جديد لا يعرفه، بدأ فأر الاختبار بالتعامل مع هذا الفأر الجديد كأنه معروف لديه من قبل، وهذا التأثير خاصّ بالتفاعلات الاجتماعية، حيث أن التداخل على الجزء الداخلي CA1 لم يُظهر أي تأثير على قدرة الفئران على تمييز أجسام أو أماكن شاهدوها من قبل.

إيقاظ الذكريات من جديد


عندما راقب الباحثون نشاط العصبونات في الجزء الداخلي من CA1، وجدوا أنه بعد تعرّف الفأر على فأرٍ آخر فإن مجموعة معينة من العصبونات تبدأ بالاستجابة بشكل خاص لهذا الفأر الذي تمّ التعرف إليه.

يمكن رؤية هذه النماذج حتى بعد أن يبدو الفأر وكأنه نسيَ الفأر المألوف بالنسبة له؛ حيث أنه بعد 24 ساعة من فصل الفأرين، فإن فأر الاختبار بدأ بالتعامل مع معارفه السابقين وكأنهم غرباء، لكن العصبونات التي تخصصت بالفأر المعروف لديه بقيت مُنشّطَة ولو لم تكن بنفس التواتر، ممّا يشير إلى أن الذكريات لازالت مُخزَّنة على الرغم من أن فأر الاختبار يبدو وكأنه لم يعد يتذكّر الفئران التي تعرّف عليها سابقاً.

علاوة على ذلك، استطاع الباحثون "إعادة إيقاظ" هذه الذكريات مستخدمين تقنية الوراثيات البصرية. ففي إحدى التجارب، أثناء تفاعل فأر الاختبار مع فأر آخر لأول مرة، استخدم الباحثون بروتينًا حساسًا للضوء يُدعى تشانيل رودوبسين Channelrhodopsin لتمييز الخلايا في الجزء الداخلي من CA1 التي تفعّلت بعد عملية التآلف، وعندما أُعيد تنشيط هذه الخلايا عن طريق الضوء بعد 24 ساعة، استعاد الفأر الذكريات الخاصة بالفأر المألوف.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد استطاع الباحثون بشكل صناعي أيضاً أن يربطوا الذاكرة الخاصة بالفأر المألوف بعاطفة إيجابية أو سلبية.


وقد استخدم مخُتبر تونيغاوا هذه التقنية سابقاً لتحديد خلايا الحصين التي تخزّن البقايا التي تمثّل ذكريات الأحداث،. وعلى حد قول تونيغاوا، فإن هذه الدراسة الجديدة تقدّم دليلًا قويًا على أن الآثار الذاكرية الخاصة بأفراد محددين تُخزَّن في عصبونات الجزء الداخلي من CA1، ويتابع: "هناك نوع من التغير المستمر يحدث في هذه الخلايا طالما هذه الذكريات لاتزال قابلة للكشف."

حدد علماء الأعصاب التابعين لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا العصبوناتِ المسؤولةَ عن تخزين الذكريات الخاصة بالأفراد المعروفين، وهذه الخلايا "الموسومة باللون الأخضر" موجودة في منطقة من الحصين تُعرف بالجزء الداخلي من CA1. مصدر الصورة: NeuroscienceNews.com /Teruhiro Okuyama
حدد علماء الأعصاب التابعين لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا العصبوناتِ المسؤولةَ عن تخزين الذكريات الخاصة بالأفراد المعروفين، وهذه الخلايا "الموسومة باللون الأخضر" موجودة في منطقة من الحصين تُعرف بالجزء الداخلي من CA1. مصدر الصورة: NeuroscienceNews.com /Teruhiro Okuyama


يعقب لاري يونغ Larry Young وهو بروفيسور الطب النفسي ومدير مركز العلوم الاجتماعية القابلة للتطبيق في جامعة إيموري: "إن هذه الدراسة واحدة من أكثر الأوراق البحثية التي رأيتها إثارةً للدهشة"، ويتابع يونغ وهو غير مُشارِك في الدراسة: "لقد حددوا في هذه الدراسة مجموعة جزئية من الخلايا في منطقة محددة من الدماغ وهي إنغرام.

إنغرام هي عبارة عن مجموعة من الخلايا التي تحتفظ بالذاكرة الخاصة بالأفراد الآخرين عن طريق اتصالاتها بالنواة المُتكئة، وأظهروا أن نفس المجموعة من العصبونات تتفعّل بشكل متكرر استجابةً لنفس الحيوان وهذا الأمر مُدهشٌ بحد ذاته، ولكن الباحثين لم يكتفوا بذلك، بل تمكنوا من التحكم بهذه الخلايا، وهو ما يعتبر أمرًا في منتهى التقدم في هذا المجال".

وفي هذه الأثناء يقوم باحثو معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالبحث عن إمكانية وجود رابط خاص بين الذاكرة الاجتماعية ومرض التوحّد، إذ أن بعض الأفراد المصابين بالتوحّد لديهم طفرة في مستقبل هرمون الأوكسيتوسين والمتواجد بكثرة على سطح خلايا الجزء الداخلي من CA1، ويأمل أفراد مختبر تونيغاوا معرفة ما إذا كانت هذه الطفرات تؤذي وتعرقل التفاعلات الاجتماعية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات