الباحثون يكشفون أسرار النجوم النيوترونية

الباحثون يكشفون أسرار النجوم النيوترونية

 

استعان الفلكيون للمرة الأولى بالبيانات الواردة من النجوم النيوترونية الومَّاضة لاستنباط أيُّ شكلٍ من أشكال المادة تأخذه هذه الأجسام الكثيفة المعروفة باسم النبَّاضات pulsars. وعلى الرغم من أن ما ندعوها بالنجوم النيوترونية تتكوَّن أساسًا من نيوترونات إلا أن الغموض ما يزال يلفُّ طبيعة المادة المتضمَّنة في أعماقها.

يقترح مارك ألفورد ( Mark Alford )وكاي شفنتزر (Kai Schwenzer) من جامعة (واشنطن) في دراسةٍ ستُنشر في مجلة Physical Review Letters أن الحل يكمن في التقاط البيانات من النبَّاضات التي دورها في مجال الميلي ثانية.

 

اعتمدت الدراسات السابقة لباطن النجوم النيوترونية على أسلاف النبَّاضات، أي الثنائيات النجمية المصدرة للأشعة السينية منخفضة الكتلة التي تُعرف اختصارًا باسم LMXB. توجد هذه الأجرام في منظوماتٍ ثنائية، وتلتهم المادة من نجمها المرافق، إلى أن يتنهي المطاف بالشريك وقد التُهم بالكامل، ليُنتِج نبَّاضًا يدور بسرعةٍ هائلة، قد يصل دوره إلى ما يُقارب الميلي ثانية. ولكن ولسوء الحظ فإن LMXB لا تزودنا إلا بالقليل من المعلومات حول نوعية المادة الموجودة داخل النجوم النيوترونية.

 

∗ مادة اللب

 

تتكون كلُّ المادة المعروفة من كواركات تظلُّ مترابطةً مع بعضها، أو "محبوسةً" confined بفضل التآثر (أي التفاعل المتبادل) الشديد على شكل هادرونات. غير أن المادة في النجوم النيوترونية يمكن أن تكون أكثر غرابةً، لأن الظروف الفيزيائية متطرفةٌ جدًا، فهي لديها أقوى الحقول المغنطيسية ولا يوجد ما هو أكثفُ منها إلا الثقوب السوداء. وفي الواقع، فإن كثافتها العالية يمكن لها أن تجعل التآثر بين الكواركات ضعيفًا، الأمر الذي يسمح للكواركات بالانفصال، أي تصبح "محررةً". ويمكن لهذا أن يحدث في شكلٍ من أشكال المادة يُدعى "المادة الكواركية" quark matter التي تختلف عن أي شيءٍ سبقت لنا رؤيته.

 

تفحَّص الباحثون بيانات LMXB سابقًا ليُحددوا الأشكال المحتملة للمادة التي يمكن أن تكون عليها النجوم النيوترونية، غير أن LMXB منظومات فوضوية، ومعدل دورانها لا يُخبرنا سوى القليل عن باطنها. ويشرح ذلك ألفورد: "بأن كل ما يخبرنا به ازدياد معدل دوران أجرام LMXB هو مقدار ما تناولَتْه هذا الصباح من شريكها". لهذا فإنه من الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كانت الخاصيَّة المُقاسة (أو المدروسة) تتعلق بتركيب النجم أم بالكيفية التي يتآثر بها مع شريكه. توجد مثلبةٌ أخرى في الاستعانة بأجرام LMXB تتمثل في أننا نملك بياناتٍ محدودة مجمَّعة من بضعة عشرات من أجرام LMXB.

 

وعلى النقيض من ذلك، تُعتبر نبَّاضات الميلي ثانية (أي النبَّاضات التي دورها من رتبة الملي ثانية) نُظُمًا واضحة المعالم، تدور بترددات (تواترات) دقيقة لدرجة تُضاهي الساعات الذرية. ولها ميزةٌ أخرى أننا نملك بياناتٍ للمئات منها. ولكن ومن ناحيةٍ أخرى، لهذه النبَّاضات مشكلةٌ متأصلةٌ فيها، وهي أننا لا نعرف أي شيءٍ عن درجات حرارتها، التي هي المستند الذي اعتمد عليه الباحثون سابقًا لمعرفة ممَّ تتكون النجوم النيوترونية.

 

∗ معادلاتٌ جديدة

 

يتمثل ما قام به ألفورد وشفنتزر بإيجاد وسيلةٍ للربط بين البيانات الموجودة سابقًا عن نبَّاضات الميلي ثانية وبين خصائص باطن النجوم، دون الاستعانة بقياسات درجة الحرارة. فبدلًا منها استخدم الباحثون معدَّل التباطؤ التدريجي للَّف (أي الدوران حول النفس) أثناء إصدارها للطاقة على شكل أمواج كهرومغنطيسية أو حتى من المحتمل أمواج ثقالية.

يُتيح هذا الأمر للباحثين إمكانية استغلال قاعدة البيانات الضخمة والدقيقة لتسجيلات الوقت لنبَّاضات الميلي ثانية الأمر الذي يُتيح للباحثين التمييز بشكلٍ أفضل بين الأفكار المحتملة عن ماهية المادة الموجودة داخل النجوم النيوترونية.

 

ولتوضيح الطريقة الجديدة تسلح كلٌّ من ألفورد وشفنتزر بالمزيد من الثقة أكثر من الطرق السابقة بأن قشرة مادة الهادرونات المحبوسة التي نعرف أنها موجودة في النبَّاضات يمكنها أن تحتوي على مادة كواركات محرَّرة تتبادل التأثير. يقول شفنتزر: "إنه لمن المثير للاهتمام أن نعتبر أن شكلًا من أشكال المادة الكواركية يتوافق مع بيانات النبَّاضات. غير أن النجوم المُتراصة هي أجرامٌ معقدة، وما زالت هناك حاجةٌ للمزيد من العمل لفهم ممَّا تتكون".

 

∗ كلمة تحذير

 

جزءٌ مهم من الطريقة الجديدة يشمل ربط تضاؤل معدل اللف للنبَّاضات الميلي ثانية بكمية التخامد الحاصل في النبَّاضات بسبب الاهتزازات الكروية. هذا التخامد المعروف باسم أنماط نصف القطر r-modes مرتبطٌ بكثافة مادة الباطن، الأمر الذي يعني إمكانية استخلاص تفاصيل عن المادة نفسها.

على أية حال، يلفت فيرنر بِكر (Werner Becker)، المدير الإداري لمدرسة ماكس بلانك العالمية للأبحاث الفلكية في جامعة ميونيخ، النظرَ إلى اعتماد الطريقة على وجود أنماط نصف القطر في النجوم النيوترونية. ويضيف: "لم يتم برهنة هذا الوجود تجريبيًا على الإطلاق وهو ليس سوى سيناريو ‘محتمل‘".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات