باحثون يحلون لغز آلية تشكل العواصف المطرية

تتشكل غيوم "الحمل الحراري" عندما يكون هناك ارتفاع كبير في حرارة السطح وكمية كافية من الرطوبة.
حقوق الصورة: J. O. Haerter



ما زالت بعض الظواهر الجوية المتطرفة لغزًا صعبًا أمام العلماء، وقد تمكن الباحثون مؤخرًا من اكتشاف لغز العواصف الرعدية باستخدام المحاكاة المتقدّمة لأنظمة السحب.

تسبب العواصف الرعدية في أغلب الأحيان أمطارًا غزيرة تشكل تهديدًا على البشر والبنية التحتية. وتعد هذه الظاهرة الطقسية المتطرفة حتى الآن أمرًا غير مفهوم تمامًا. على أية حال، تمكن باحثون من معهد نيلز بور Niels Bohr، باستخدام المحاكاة المتقدمة لأنظمة السحب، من تحديد آلية تراكم النظم السحابيّة المعقدة ضمن الغلاف الجوي، ثم تفاعلها مع بعضها لتعزز تشكيل الأمطار الغزيرة والعواصف الرعدية الشديدة. وقد نُشرت النتائج في مجلة علوم الأرض الطبيعية Nature Geoscience.

أدى التعاون بين باحثين من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية في هامبورغ، والمعهد السويدي للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا في نورشوبينغ، ومعهد نيلز بور في جامعة كوبنهاغن،وعن طريق استخدام نماذج السحب عالية الدقة إلى تحليل آلية تأثر هطول الأمطار الغزيرة بارتفاع درجات الحرارة.

وأجريت عمليات المحاكاة فوق منطقة تشكل نطاقًا واحدًا في النماذج المناخية، بمساحة 200×200 كم. قُسّمت هذه المنطقة ضمن نموذج السحب عالية الدقة إلى مناطق أصغر، كلٌّ منها 200 متر، ما زاد من الدقة بمقدار 1000 ضعف. و قد مكنت هذه الدقة العالية الباحثين من كشف العمليات التي تجري ضمن الغلاف الجوي، والتي كانت مدرجة في النماذج المناخية العالمية فقط وبمقدار تقريبي جدًا.

يوضح جان هيرتر Jan O. Haerter الباحث في معهد نيلز بور في جامعة كوبنهاغن: "لتحديد العمليات الفيزيائية التي تشكل سحب العاصفة مثلًا، استخدمنا عمليات محاكاة قادرة على كشف الفروق المحلية في الحرارة والرطوبة، والتي تعطي ما يسمى بسحب الحمل الحراري convective clouds. والحمل الحراري هو العملية التي تشكل سحبَ العاصفة الرعدية مثلًا. ونتيجة لتسخين السطح ووجود الرّطوبة الكافية، يتحرر تيار صاعد دافئ ضمن الغلاف الجوي. لا تلحظُ النماذج المناخية التقليدية هذه العمليات بدرجة كافية. إن آلية تكوّن سحب الحمل الحراري بشكل منتظم أمرٌ مثير للاهتمام، فحين تصطدم سحابتان، تظهر سحبٌ جديدة تكون أقوى غالبًا".

تتأثر السحب من الخارج والداخل



شكّلت عمليات المحاكاة في الجو حالة من التنظيم شبيهة بـ "الذاكرة" كما وصفها الباحثون.


يوضح جان هيرتر: "ما نراه هنا هو ما يدعى بالنظام المعقد. فالطريقة التي يتصرف بها الغلاف الجوي لا تتأثر فقط بالمساحات الكبيرة، وإنما أيضًا بما ندعوه التنظيمَ الذاتي. إذ تأتي سحب الحمل الحراري وتذهب خلال مدة محددة. وتزداد هذه الفترات على مدار اليوم وتزداد معها شدة الأمطار".

أظهرت نتائجهم أن الأمطار الغزيرة تنتج عندما تصطدم عدة سحب كبيرة لتتفاعل بالتالي مع بعضها. ومن دون هذه الاصطدامات بين السحب ستبقى الأمطار خفيفةً.

لم تُظهر زخات المطر المعزولة أي تغيّر في الشدة مع زيادة درجات الحرارة، إلا أن رفع درجات الحرارة يؤدي إلى تكرار اصطدامات أنظمة سحب الحمل الحراري بشكل أكبر. وقد قارن الباحثون هذه الآلية مع تلك المتعلقة بالجداول الصغيرة والتي تندمج لتشكل أنهارًا أكبر، فبطريقة مماثلة يمكن أن تسبب الاصطدامات بين أنظمة السحب أمطارًا أكثر غزارة.

وهكذا فإن النتائج الجديدة تتناقض مع النماذج المناخية العالمية التقليدية التي تعتبر السحب الحملية مستقلة عن بعضها.

السحب الممطرة الحساسة للحرارة



اكتشف الباحثون في دراسات سابقة، أن الزخّات المطرية الرعدية الغزيرة التي تُشاهد غالبًا خلال الصيف عند خطوط العرض المعتدلة هي أكثر حساسية للحرارة مما كان متوقعًا.

وقد وجد الباحثون أن هذه السحب العالية تصرفت عند ارتفاع درجات الحرارة بشكل مختلف جدًا عن السحب التي كانت تنتشر على مساحات واسعة، إلا أنهم لم يتمكنوا عبر القياسات وحدها من تحديد السبب الرئيسي للهطول المطري.


ويوضح جان هيرتر: "حصلنا باستخدام حسابات النموذج الجديد على فهم أفضل للعواصف الرعدية الشديدة التي قد تسبب فيضانات شديدة، والتي تحصل غالبًا في المناطق المعتدلة".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات