يمكن للجاذبية الكمومية أن تبدِّل بين السبب والنتيجة


سيتوجب على أية نظرية للجاذبية الكمومية أن تواجه بعض المظاهر الغريبة للزمن. ربما سمعت عن قطة شرودينغر تعيسة الحظ التي علقت في صندوقٍ وهي ميتة وحية في الوقت نفسه إلى أن يُفتح الصندوق ليكشف عن حالتها الحقيقية. حسنًا، الآن أمعن التفكير في زمن شرودينغر، وهو الحالة التي يكون فيها الحدث نفسه السبب والنتيجة لحدثٍ آخر.


قد تكون هذه الفكرة حتمية في أية نظرية للجاذبية الكمومية، والتي ما تزال حتى الآن مجالًا غامضًا في الفيزياء ويهدف إلى جمع النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين مع نتائج ميكانيك الكم.


في بحثٍ جديد، خلط مجموعة من العلماء بين هاتين النظريتين بتخيُّل وجود مركبات فضائيةٍ تحوم حول كوكبٍ هائل الكتلة لدرجة أن الزمن يتباطأ عنده× واستنتجوا أن تلك المركبات يمكن أن تقع في حالة انعكاس السببية، بمعنى أن حدثًا يمكن أن يتسبب بحصول حدثٍ آخر وقع قبله.


يشرح إغور بيكوفسكي Igor Pikovski، وهو فيزيائي في مركز الهندسة والعلوم الكمومية في معهد ستيفنز للتقانة Stevens Institute of Technology في نيوجيرسي وأحد مؤلفي هذه الدراسة الجديدة بقوله: "يمكن تصوُّر هذه الحالة حيث الترتيب الزمني أو السبب والنتيجة هما في حالة تراكب بين الانقلاب وعدم الانقلاب؛ وهذا أمرٌ نتوقع وجوب حدوثه حالما يكون لدينا نظرية كاملة للجاذبية الكمومية".


الزمن الكمومي


تتطلب التجربة الذهنية الشهيرة الخاصة بقطة شرودنغر تخيُّل صندوق يحوي قطةً وجسيمًا مشعًا، حالما تتحلل المادة المشعة، ستقتل القطة المسكينة. وبحسب مبدأ التراكب في ميكانيك الكم فإن نجاة القطة أو هلاكها هما أمران متساويان احتماليًا حتى لحظة القياس؛ لهذا فحتى يُفتح الصندوقُ ستكون القطة حيةً وميتةً في آنٍ معًا. ففي ميكانيك الكم يعني التراكب أن الجسيم يمكنه أن يوجد في عدة حالاتٍ في الوقت عينه، تمامًا مثل قطة شرودينغر.


تجمع التجربة الذهنية الجديدة التي نُشرت في الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس الماضي في مجلة Nature Communications بين مبدأ التراكب الكمومي ونظرية النسبية العامة لأينشتاين. تقول النسبية العامة أن كتلة الأجرام العملاقة يمكنها إبطاء الزمن، وهذه حقيقة مُترسخة على أسس متينة وقابلة للقياس، فرائد الفضاء الذي يدور حول الأرض سيشعر بمرور الزمن أسرع بمقدار طفيف مما هو عليه بالنسبة لتوءمه على الأرض؛ وتباطؤ الزمن هذا هو السبب في أن عملية السقوط في ثقبٍ أسود هي عملية تدريجية للغاية.


وعليه، لو اقتربت مركبة فضائية مستقبلية من كوكبٍ عملاق لشعر طاقمها بالزمن يمضي أبطأ بقدرٍ ضئيلٍ مما لدى الناس الموجودين في مركبةٍ أخرى متمركزة بعيدًا جداً. الآن، لنضف القليل من ميكانيك الكم إلى المشهد، فسيمكن تخيل حالةٍ يكون فيها هذا الكوكب في حالة تراكب حيث يكون قريبًا وبعيدًا عن المركبتين في آن معًا.


الزمن يصبح غريبًا


في هذا الوضع التراكبي لسفينتين تختبران مرور الزمن وفق خطين زمنيين متباينين، ستغدو العلاقة بين السبب والنتيجة متزعرعةً. فمثلًا لنفترض أن السفينتين قررتا إجراء مهمة تدريبية تتضمن إطلاق النار من كلٍ منهما نحو الأخرى، وتجنب الإصابة بنيران السفينة الأخرى، عن طريق معرفة التوقيت الدقيق الذي سينطلق فيه الصاروخ ليصيب هدفه، فلو لم يكن الكوكب العملاق موجودًا ليعبث بتدفق الزمن، لكان هذا تدريبًا سهلًا. من ناحية أخرى، لو كان الكوكب موجودًا ولم يأخذ قائد المركبة بالحسبان تباطؤ الزمن لتأخر الطاقم في تجنب الإصابة وتدمرت السفينة.


وجود الكوكب في وضع التراكب، قريبًا وبعيدًا في آن معًا، سيجعل من المتعذر معرفة إن كانت السفينتان ستتأخران في تجنب النيران فتدمران بعضهما أم أنهما ستتمكنان من تجنب نيران بعضهما والنجاة؛ وأكثر من ذلك، قد ينقلب السبب والنتيجة بحسب ما يقوله بيكوفسكي.


لنتخيل وجود حدثين مرتبطان سببيًا، يمكن لكلٍ من الحدثين أن يؤثِّر في الآخر، لكن في الحالة الأولى سيقع أحدهما، ولنسمه الحدث A، قبل الحدث الآخر، ولنسميه الحدث B، وفي الحالة الأخرى سيقع B قبل A. وهاتان الحالتان متراكبتان. يعني هذا أن الحدثين A وB هما في الوقت ذاته سببٌ ونتيجةٌ لبعضهما. ويوضح بيكوفسكي أنه ولحسن الحظ فإنه سيكون لدى الطاقمين المرتبكين لهاتين السفينتين التخيليتين طريقةٌ رياضية تسمح لهما بتحليل انتقالات السفينة الأخرى، فيتأكدون من أنهم في حالة تراكب.


من الواضح أن الكواكب في الحياة الواقعية لا تتجول في المجرة هائمةً على وجهها، لكن هذه التجربة الذهنية يمكن أن يكون لها أثر عملي في الحوسبة الكمومية، حتى وإن لم نتمكن من بناء نظريةٍ كاملةٍ للجاذبية الكمومية حسبما يرى بيكوفسكي. فبالاستفادة من التراكب في الحوسبة، يمكن لمنظومة حاسوبية كمومية أن تعالج عمليةً ما كسبب وكنتيجة.
وقال بيكوفسكي: "يمكن للحواسيب الكمومية أن تستفيد من هذه الميزة للوصول إلى فعالية حاسوبيةٍ أعلى".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات