صورة تظهر سماكة الغلاف الجوي لكوكب الزهرة التقطتها مهمة مارينر 10 التابعة لوكالة ناسا. (حقوق الصورة:© NASA/JPL-Caltech).
في حال سارت الأمور وفقًا لما هو مُخطَّطٌ فإنَّ مهمة تقفي أثر الحياة لعام 2023 ستكون مجرد خطوةً أولى في الطريق.
تهدف الشركة التي يقع مقرها في كاليفورنيا إلى إطلاق مهمة كوكب الزهرة الخاصة في عام 2023 لتقفّي أثر علامات الحياة في السحب حيث اكتشف العلماء مؤخرًا احتمال وجود غاز الفوسفين؛ سيكون هذا الجهد التاريخي مجرد بداية، إذا سارت الأمور وفقًا لما هو مخطط.
قال بيتر بيك Peter Beck، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الفضاء الأميركية روكيت لاب Rocket Lab، لموقع ProfoundSpace.org يوم الاثنين الموافق 14 أيلول/سبتمبر، وذلك بعد ساعات من كشف العلماء عن اكتشاف كوكب الزهرة: "لا نريد الاكتفاء بمهمةٍ واحدةٍ، بل نريد القيام بالعديد من المهام هناك".
حلمٌ طال انتظاره
لطالما أراد بيك المساعدة في استكشاف كوكب الزهرة، الذي يعتقد أنه لم يتلقَّ بعد الاهتمام العلمي الذي يستحقه، وقال مشيرًا إلى ذلك: "من الجلّي والواقعي أمامنا أن كوكب الزهرة لم يحظَ بقيمته الحقيقية".
كان كوكب الزهرة في يوم من الأيام عالمًا معتدلًا مثل الأرض، بما في ذلك وفرة المياه السطحية، كما يعتقد العديد من العلماء وجود المحيطات الكبيرة التي ربما استمرت في معظم تاريخ الكوكب البالغ 4.5 مليار سنة.
لكن التأثير الجامح للبيوت الدفيئة سيطر في النهاية على الصخرة الثانية بعد الشمس، ما أدى إلى تسخين مياه كوكب الزهرة وتحويل سطحه إلى بقعةٍ محترقةٍ عالية الضغط كما هو عليه اليوم.
إن تسمية "البقعة الجحيمية" في الحقيقة ليست مجرد مبالغة، إذ تتأرجح درجات الحرارة السطحية على كوكب الزهرة لتصل إلى 872 فهرنهايت أي ما يعادل 467 درجة مئوية، وهي ساخنةٌ بدرجةٍ كافيةٍ لإذابة الرصاص.
تشكّل معرفة ما حدث بالضبط لكوكب الزهرة وسبب حدوثه أهميةً كبيرةً لعلماء الكواكب. أشار بيك إلى أن قصة تطور الكوكب تعدّ بمثابة نوع من الحكاية التحذيرية للأرض، إذ أدى النشاط البشري إلى حدوث فترة من الاحترار الدراماتيكي.
ثم أن هناك إمكانات كوكب الزهرة البيولوجية الفلكية، والتي قد لا تقتصر على الماضي القديم، فعلى الرغم من أن سطح الكوكب قد تحول إلى بقعةٍ جحيميةٍ، لكن يعتقد الباحثون أن أثر احتمالية قابلية الكوكب للسكن بقيت تلوح في السحب، حيث بقي هذا الأثر على قيد الحياة على ارتفاع نحو 30 ميلًا (50 كيلومترًا) حتى يومنا هذا.
إن درجات الحرارة والضغوط في الأعلى هناك متشابهةٌ تمامًا مع تلك الموجودة على الأرض عند مستوى سطح البحر، على الرغم من أن السحب في كوكب الزهرة تتكون في الغالب من حمض الكبريت بدلًا من بخار الماء.
إن تلك الطبقة السحابية هي حيث اكتشف فريقٌ من العلماء مؤخرًا بصمة الفوسفين، وهو غاز ينتج هنا على الأرض فقط بواسطة الميكروبات والنشاط البشري، على حدِّ علمنا، وهي البيئة التي تريد شركة روكيت لاب استكشافها من خلال مهمة 2023 وخلفاء الشركة المنشودين.
الخطة
ستستخدم مهمة كوكب الزهرة القادمة قطعتين من الأجهزة التابعة لشركة روكيت لاب، وهو معزز صاروخ إلكترون Electron الذي يبلغ ارتفاعه 57 قدماً أي 17 متراً، والذي أطلق أقماراً صناعية صغيرة إلى المدار منذ أوائل عام 2018، وحافلة فوتون Photon للأقمار الصناعية التي بدأت مسيرتها في رحلات الفضاء لأول مرة في مهمة صاروخ إلكترون أواخر الشهر الماضي.
ستطلق حافلة الأقمار الصناعية فوتون فوق صاروخ إلكترون، ثم يشق الصاروخ طريقه إلى كوكب الزهرة في مسار الطيران، وعندما يقترب فوتون من الزهرة، سيطلق مسبارًا في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة.
لن تكون هذه هي الرحلة الأولى لفوتون خارج مدار الأرض فقد حجزت ناسا صاروخ إلكترون وحافلة فوتون للأقمار الصناعية لنقل قمرٍ صناعيٍّ صغير إلى القمر في أوائل عام 2021.
قال بيك: "يستهدف المسبار نوعًا من زاوية الدخول التي تزيد من مقدار الوقت إلى أقصى حدٍّ في تلك المنطقة التي تبلغ مساحتها ارتفاع 50 كيلومترًا"، وعلى الرغم من أن مسبار دخول كوكب الزهرة "سيأتي بسرعة فائقة" عند نحو 24,600 ميلٍ في الساعة أي 39,600 كم/ساعة، لكننا سنحصل على قدر معقول من الوقت في تلك المنطقة المثيرة للاهتمام حقًا".
أوضح بيك أن المسبار لن يتدعم بمنطاد هوائي، مثل بعثات فينيرا السوفيتية Soviet Venera التي حلّقت في سماء كوكب الزهرة في الثمانينيات. قال بيك إن المهمة ستكون مماثلة لمركبات الهبوط الصغيرة الأربع التي نشرتها مهمة مسبار بايونير فينوس المتعدد Pioneer Venus Multiprobe التابعة لناسا في عام 1978 بنجاح في الغلاف الجوي للزهرة. كما أضاف قائلًا: "إننا نستلهم كثيرًا من بعض جوانب تصميم هذا المسبار".
إن الهدف هو البحث عن علامات الحياة في البقعة الصالحة للسكن من هواء الزهرة. تتواصل شركة روكيت لاب بالفعل مع العلماء حول أفضل الطرق للقيام بذلك بما في ذلك أعضاء الفريق الذين اكتشفوا الفوسفين في سحب الكوكب، لكن لكي نكون واضحين فإننا نقول أن هذا الفوسفين هو مجرد علامة محتملة وغير مؤكدة على وجود حياة غريبة، ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحديد العمليات التي تولد الغاز.
قالت عالمة الكواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سارة سيجر Sara Seager، وهي واحدة من الخبراء العالميين البارزين في غازات البصمة الحيوية خلال المؤتمر الصحفي لإعلان الفوسفين يوم الاثنين 14 أيلول/سبتمبر: "لقد تحدثنا معهم، وهم مدهشون ومرنون".
أوضح بيك أنه من المحتمل أن مسبار شركة روكيت لاب المقرر له الدخول للكوكب المقاييس بحمولةٍ تبلغ نحو 82 رطلًا أي 37 كيلوغرامًا سيقلب الموازين، ووفقًا لسيجر فإن نحو 6.6 رطلًا أي 3 كيلوغرامًا ستخصص من ذلك للحمولة العلمية.
أفادت سيجر قائلةً: "نتيجةً لذلك، عليك أن تعمل بجد للتأكد من أن الآلة التي ستكون مفيدة للبحث عن الحياة سوف تتناسب مع هذه الحمولة، ونحن نتطلع حقًا لتحقيق ذلك".
هل هي حملة استكشافية؟
قال بيك إن الخطط لكوكب الزهرة الخاصة بشركة روكيت لاب كانت قيد العمل قبل وقتٍ طويلٍ من بدء الشركة في التحدث بالأمر إلى سيجر وزملائها، كما قال أن الكشف عن الفوسفين لم يتغير كثيرًا، بصرف النظر عن تقوية عزيمته وزيادة تفاؤله.
صرّح بيك: "اعتقدت أن احتمال العثور على شيءٍ مثيرٍ للاهتمام كان منخفضًا بشكلٍ لا يُصدَّق، بينما أعتقد الآن أن احتمال العثور على شيءٍ مثيرٍ للاهتمام قد تحسن كثيرًا، وذلك بالنظر إلى الفوسفين، كما أعتقد أن مجرد أخذ قياس في الموقع للفوسفين هو أمرٌ مهمٌ للغاية من الناحية العلمية".
قال بيك إن صاروخ إلكترون وحافلة فوتون للأقمار الصناعية جاهزان إلى حدٍّ كبير لمهمة 2023، مشيرًا إلى أن فوتون سيثبت إخلاصه في الفضاء السحيق في مهمة القمر التابعة لناسا العام المقبل.
يشمل معظم العمل الذي لا يزال يتعين القيام به تطوير مسبار الغلاف الجوي وأدواته العلمية.
تخطط شركة الفضاء الأميركية روكيت لاب دفع التكاليف الكاملة لمهمة 2023، لكن بيك قال إنه يحب القيام بمزيد من البعثات لكوكب الزهرة، وسيكون بالتأكيد متهيئًا للتعاون مع مجموعة متنوعة من الشركاء، وقد يحقق هذ الاحتمال الحصول على دفعة كبيرة من اكتشاف الفوسفين.
قال بيك: "لكي أكون صادقًا معك، عادةً ما يُعتبر الوصول إلى كوكب الزهرة أمرًا يصعب نسبيًا إثارة الكثير من الناس حوله. مزامنةً مع هذا الإعلان، فإنني آمل بالتأكيد أن يحظى كوكب الزهرة بمزيدٍ من الاهتمام والمزيد من الحيوية من الجميع، ما سيخلق المزيد من الفرص للعلماء ومطوري الأدوات للنظر عن كثب وبعنايةٍ أكبر فيما نريد القيام به".