نحن لا نفهم المناطق الصالحة للحياة في الكواكب الخارجية بشكل كامل

يُظهر هذا الرسم التوضيحي أول كوكب بحجم الأرض معتَرفًا به يدور حول نجم بعيد في المنطقة الصالحة للسكن التي حددها تلسكوب كبلر الفضائي التابع لناسا. عند البحث عن الحياة خارج الأرض، يحرص علماء الفلك على استكشاف الكواكب في "المنطقة الصالحة للسكن"، وهي المنطقة المحيطة بنجم ما حيث يمكن أن يكون هناك كوكب يحتوي على المياه السائلة على سطحه، لكن الاختبار الحقيقي لمعرفة ما إذا كان الكوكب قادرًا على استضافة الحياة أم لا، قد يكمن في الواقع في أنبل الغازات: النيتروجين. (حقوق الصورة: © NASA Ames / SETI Institute / JPL-Caltech)


هل يتجاهل بحثنا عن الحياة عاملًا رئيسيًا؟

في البحث عن الحياة خارج الأرض، يحرص علماء الفلك على استكشاف الكواكب الخارجية في "المنطقة الصالحة للسكن"، وهي المنطقة المحيطة بنجمٍ ما حيث يمكن أن يكون هناك كوكب يحتوي على المياه السائلة على سطحه.

في الوقت الذي ركزت فيه معظم الأبحاث حول المنطقة الصالحة للسكن على سطوع النجوم (إذ تحدد درجة الحرارة ما إذا كان الماء المتواجد على كوكب ما سائلًا أو جليديًا أو غازًيا)، فقد أظهر بحثٌ جديدٌ أن هذه صورة ساذجة ومبسطة للغاية. إن الاختبار الحقيقي لمعرفة ما إذا كان يمكن للكوكب أن يستضيف الحياة أم لا، قد يكمن في الواقع في أكثر الغازات مللًا: النيتروجين.


مقاس واحد يناسب الجميع


بما أنه لدينا مثال واحد فقط وهو الحياة على الأرض، فليس لدينا الكثير لنقول باستثناء أن الحياة تحتاج إلى الماء السائل.

إن الماء هو المذيب الأساسي وهو المكان الذي يمكن أن تحدث فيه جميع التفاعلات الكيميائية اللازمة للحفاظ على الحياة. وبينما يمثل الماء -المركب الذي يتألف من جزئين من الهيدروجين وجزء واحد من الأكسجين- هو الجزيء الأكثر شيوعًا في الكون، فإنه، للأسف، نادرًا ما يكون في حالة سائلة مناسبة للحياة.

تكون معظم المياه الموجودة إما مجمدة، أو محبوسة في المذنبات، أو تكون على شكل طبقات جليدية ضخمة تغطي كواكب متجمدة، أو في حالة غازية، حيث تتبخر بفعل الحرارة الشديدة القادمة من النجوم. إن الماء السائل نادر للغاية، وهو لا يوجد إلا في ظروف خاصة معينة.

لقد وجدت الأرض نفسها في أحد هذه الظروف الخاصة، فكوكبنا الأصلي ليس بعيدًا جدًا عن الشمس حتى تتحول مياهه إلى جليد، وليس قريبًا جدًا حتى يتحول إلى غاز. تقع الأرض على مسافة مناسبة من الشمس بحيث تسمح للماء السائل بالبقاء على سطحها.

هذا هو ما يعرف "بالمنطقة الصالحة للسكن" habitable zone (وتُسمّى أيضًا منطقة جولديلوكس Goldilocks، لأن الطاقة الشمسية ليست شديدة الحرارة ولا شديدة البرودة). لكل نجم منطقته الصالحة للسكن، ويعتمد ذلك على حجمه ودرجة حرارته ومدى سطوعه.

في لعبة البحث عن الحياة خارج الأرض، تكون المنطقة الصالحة للسكن هي المكان الأول الذي يركز عليه علماء الفلك. بالتأكيد، يمكن أن تكون هناك أماكن أخرى تزدهر فيها الحياة، ولكن نظرًا لأن الأرض هي المثال الوحيد للحياة الذي رأيناه بالفعل، فمن الأفضل أن نبحث عن كوكب ذي ظروف مشابهة.


الشعور بالضغط


للأسف، ليس الكون بهذه البساطة، وذلك على الأقل وفقًا لبحثٍ جديدٍ ظهر مؤخرًا في مجلة arXiv.

تمكن الباحثون من دراسة عدد كبير من الأنظمة الصالحة للسكن باستخدام مجموعة من عمليات المحاكاة الحاسوبية لإعادة إنشاء الظروف الجوية على الكواكب الخارجية، أو الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي. لقد غيروا أحجام وأنواع النجوم الأم للكواكب، وخصائص مداراتها الكوكبية، وكمية المياه السائلة الموجودة على الكواكب عند تشكلها، والأهم من ذلك كله، غلافها الجوي.

سبق للباحثين أن درسوا تأثير الغلاف الجوي للكوكب على مناخه. الغاز الأكثر بروزًا هو، بالطبع، ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز من الغازات الدفيئة، وقد جذب قدرًا كبيرًا من الاهتمام هنا على الأرض لأنه محرك رئيسي في ظاهرة التغير المناخي. تستطيع الغازات الدفيئة حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي الكوكبي، ومن خلال تغيير ذلك قليلًا، يمكنك تغيير تاريخ درجات الحرارة لعالم بأكمله بشكل جذري.

على سبيل المثال، فكر في كوكب الزهرة الشقيق، والذي يقع أيضًا داخل المنطقة الصالحة للسكن الخاصة بالشمس. ومع ذلك، وبفضل وفرة ثاني أكسيد الكربون بشكل مفرط في الماضي البعيد، فقد شهد كوكب الزهرة احتباسًا حراريًا جامحًا ولديه الآن أعلى درجات حرارة في النظام الشمسي. وهو بالتأكيد ليس صالحًا للسكن.

لكن ثاني أكسيد الكربون ليس الغاز الوحيد الذي يطفو في الغلاف الجوي للكواكب؛ هناك أيضًا غاز النيتروجين. النيتروجين هو غاز خامل إلى حدٍّ كبير، ولا يشارك في الكثير من العمليات البيولوجية النشطة. ومع ذلك، فإنه يشكل أكثر من 80% من الغلاف الجوي للأرض، وبدونه، لن يكون لدينا غلاف جوي.

نحن لا نعرف الكثير عن تاريخ النيتروجين على الأرض. لسنا متأكدين من كمية الغاز التي ولد بها كوكبنا، وتشير بعض الأدلة الجيولوجية إلى أنه منذ مليارَي سنة، كان لدينا نصف كمية النيتروجين التي لدينا اليوم. وبما أننا لا نعرف الكثير عن النيتروجين على الأرض، فنحن بالتأكيد لا نعرف الكثير عن النيتروجين على الكواكب الأخرى.


الحياة تجد طريقها


وجد الباحثون المسؤولون عن عمليات المحاكاة أن النيتروجين يلعب دورًا كبيرًا في تحديد درجة الحرارة الإجمالية لكوكب ما، وبالتالي قابليته للحياة. والأكثر تعقيدًا من ذلك: إنها ليست علاقة بسيطة، فزيادة النيتروجين لا تجعل الكوكب أكثر دفئًا بالضرورة.

على سبيل المثال، إذا لم يكن الغلاف الجوي للكوكب كثيفًا للغاية، وكان يحتوي على الكثير من الماء، فإن إضافة النيتروجين هنا يمكن أن تسبب تسخينًا شديدًا، لأن الضغط الجوي الإضافي يزيد من فعالية الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. من ناحية أخرى، في عالم جاف نسبيًا، يؤدي المزيد من النيتروجين إلى نثر ضوء النجوم بعيدًا، ما يؤدي إلى تبريد شديد.

النتيجة النهائية هي: كوكبان ذوا مدارَين متطابقَين مع سطحَين متشابهَين، يدوران حول نجمين متطابقين، ولكنهما يحتويان على كميات مختلفة من النيتروجين، قد يكون لهما درجات حرارة متفاوتة بشكل كبير، وسيكون من الصعب للغاية التنبؤ بها.

كما أن النيتروجين لا يبعث ولا يمتص الإشعاع عند الأطوال الموجية المرئية أو تحت الحمراء، الأمر الذي يجعله صعب الرصد في الكواكب الخارجية. لذلك، حتى لو كان الكوكب يدور في منطقة جولديلوكس، فلن نعرف ما إذا كان صالحًا للسكن حقًا ما لم نتمكن من رصد النيتروجين الخاص به.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المنطقة السكنية (المنطقة الصالحة للحياة) (habitable zone): هو مصطلح في علم الفلك وعلم الأحياء الفلكي يُشير إلى المنطقة الموجودة حول نجم ما وفي الوقت نفسه تمتلك الظروف المناسبة للسماح بتواجد الماء السائل فوق سطح الكواكب الموجودة فيها والمشابهة للأرض. وعلى اعتبار أن الماء هو عنصر أساسي لوجود جميع أنواع الحياة التي نعرفها، تُعتبر الكواكب الواقعة في هذه المنطقة من الكواكب التي قد تحتضن نوع من أنواع الحياة خارج كوكب الأرض. تعتمد تلك المنطقة من جهة أخرى على شدة أشعة النجم الواصلة إليها حيث تكون في المتوسط نحو 10 درجات مئوية وكذلك على نوع الضوء الصادر منه، بحيث لا يغلب في طيفه مثلا أشعة فوق البنفسجية أو أشعة سينية، فكلاهما لا يصلح للحياة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات