شائعات حول نوع جديد من الأمواج الثقالية

صورة ثابتة من محاكاةٍ حاسوبية لاندماج نجومٍ نيوترونية يُعتقد بأنها تغذي انفجارات قصيرة من أشعة غاما، وتفيد الشائعات الدائرة بأنّ مراصد الأمواج الثقالية والتلسكوبات الكهرومغناطيسيّة الأرضية والفضائية قد لمحت أثراً لهذا الاندماج في المجرة البعيدة (NGC 4993).


حقوق الصورة: NASA, AEI, ZIB, M. Koppitz and L. Rezzolla.

 

أثارت شائعات حول نجوم نيوترونية متصادمة انفعال الفلكيين


من المحتمل أنَّ علماء الفيزياء الفلكية قاموا بالكشف عن أمواجٍ ثقالية خلال الأسابيع الماضية من اصطدام لنجمين نيوترونيين في مجرّة بعيدة، وربما تكون التلسكوبات الموجهة إلى ذات المنطقة قد التقطت هذا الحدث أيضاً.

وتنتشر الشائعات حول هذا الموضوع بسرعة كبيرة على الإنترنت، مما يزيد حماس الباحثين، فمثل هذا الكشف قد يعني بداية حقبة جديدة في تاريخ علم الفلك، فحقبة شُوهِدت فيها مثل هذه الظاهرة عبر كل من التلسكوبات التقليدية، وسُمِعت كاهتزازاتٍ في نسيج الزمكان.

يقول ستيوارت شابيرو Stuart Shaprio عالم فيزياء فلكية في جامعة إلينوي - أُربانا شامبين: "سيُشكِّل هذا الرصد تطوُّراً عظيماً في فهمنا".

لن يُعلِّق العلماء المسؤولون عن كواشف الأمواج الثقالية على هذه الشائعة، إذ أن البيانات ما زالت قيد التحليل، حيث تُظهِر السجلّات العامة أن التلسكوبات المنتشرة حول العالم كلّها كانت موجهة نحو المجرة ذاتها، إلا أن تحذير علماء الفلك يُفِيد بإمكانية كون هذه التلسكوبات تلقّي إشاراتٍ من مصادر لا صلة لها بالموضوع.


وفي الوقت الذي يبحث فيه العلماء عن إشاراتٍ في بياناتهم، إذ تشرح مجلة الطبيعة (Nature) ما هو معروف حتى الآن وما هي الآثار الممكنة لأيّ اكتشاف.

 


ما هي هذه الإشاعات؟ 


قام مرصد الموجات الثقالية ذي التداخل الليزري المعروف اختصارا بمرصد ليغو (LIGO) في الولايات المتحدة بالكشف عن الأمواج الثقالية لثلاث مرات وهي تتموج في نسيج الزمكان، وهي ناتجة عن اصطدام ثقوب سوداء، ولكن كان العلماء على أمل برصد هذه التموجات من كوارث كونيّة أخرى كاندماج النجوم النيوترونية، وهي بقايا النجوم الكبرى التي انفجرت ولكن لم يكن لها ما يكفي من الكتلة لتتداعى في ثقب أسود، حيث تنبعث عن هذا الحدث أيضاً أشعة خلال الطيف الكهرومغناطيسيّ ابتداءً من الأمواج الراديوية وحتى أشعة غاما التي من الممكن للتلسكوبات أن ترصدها.

بدأت الشائعة بالانتشار يوم 18 آب/أغسطس حين نشر عالم الفلك جي كريڠ ويلر J. Craig Wheeler من جامعة تكساس-أوستن على تويتر تغريدة مفادها: "جديد ليغو، مصدر مع نسخة مطابقة بصريّة، سيدهشكم!".


بعد ذلك بساعة نشر عالم الفلك بيتر يواكيم Peter Yuakim من جامعة واشنطن- سياتل تغريدة بأن مرصد ليغو حصل على إشارة مع نسخة مطابقة بصرية أو نظير بصري (أي شيء يمكن للتلسكوب رؤيته) من المجرة NGC 4993 التي تبعد نحو 40 مليون فرسخاً فلكياً (ما يعادل 130 مليون سنة ضوئية) في كوكبة الشجاع (Hydra) الجنوبية، وتابع التغريدة قائلاً: "اندماج نجم نيوتروني-نيوتروني يُعَدّ الشرط الأساسي".


ومن جهة أخرى، قال الفلكيون الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم أن الشائعات كانت تتردد على نحو ضيق قبل تغريدتيّ ويلر ويواكيم.

في حال استطاع باحثو الأمواج الثقالية مشاهدة إشارة، فمن المعقول أن يتمكنوا وبسرعة كبيرة من معرفة ما إذا كانت هذه الأمواج ناتجة عن تصادم ثقوب سوداء أو نجومٍ نيوترونية، فلكل حدثٍ بصمته الخاصّة التي تميزه، ومع ذلك لابد من دراسة تلك البيانات بعناية ليكونوا أكثر دقة بشأن أصل الحدث.

من الممكن أيضاً أن يكون مرصد فيرڠو (Virgo) في مدينة بيزا الإيطالية قد استطاع رصد الحدث أيضاً، وهو يساعد ليغو في اصطياد الأمواج الثقالية منذ شهر آب/أغسطس، وذلك بعد مدّة استراحةٍ لإجراء تحديث، ولابد أن ذلك جعل العلماء يثقون بمصدرها بشكل كبير، حيث إن لمرصد فيرغو حساسية لاندماج النجوم النيوترونية تُقدر بـ 25-27 مليون فرسخاً فلكياً فقط، إلا أنها تزداد في بعض مناطق السماء لتصل إلى 60 مليون فرسخاً وفقاً للفيزيائي جيوفاني لوسيوردو Giovanni Losurdo الذي يقود عملية تحديث الكاشف الآن.


رفض كلٌ من ويلر ويواكيم التعليق واعتذر الأوّل لاحقاً على تويتر عن التغريدة وكتب: "سواء كنت محقاً أم مخطئاً، لم يكن من المفترض عليّ كتابة تلك التغريدة، تستحق ليغو أن تُصرِّح عن ذلك حين تعتبره مناسباً، أعتذر عن خطأي".

 

 

ماذا عن عمليات رصد التلسكوب؟


قال فلكيون آخرون لا يريدون أن تُذكَر أسماؤهم أيضاً أن تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما (Fermi Gamma-ray Space Telescope) التابع لوكالة ناسا يُشَاع رصده لأشعة غاما المنبعثة من المنطقة نفسها في السماء والمُحتَمَل كونها مصدر الأمواج الثقالية، إلا أن عضواً قديماً في فيرمي رفض التعليق على هذه الشائعة.

يتماشى هذا مع التوقعات بأن تكون تصادمات نجم نيوتروني هي ما يقف خلف هذه الظاهرة الغامضة التي تعرف بانفجارات أشعة غاما القصيرة (GRBs) التي تستمر لعدة ثواني ويتبعها عادة وميض لضوء مرئيٍ وأحياناً أمواج راديوية وأشعة سينية تستمر لعدّة أيام، ومع ذلك يحذر الفلكيون أنه حتى في حال تمكّن تلسكوب فيرمي من مشاهدة انفجارات أشعة غاما القصيرة فلن يكون قادراً على تحديد منشئها بدقة.

إلا أنّ دليلاً أقوى ظهر بعد توجه التلسكوبات نحو مجرة (NGC 4993) بعد انتشار تنبيهٍ حول ذلك، ففي الثاني والعشرين من شهر آب/أغسطس أشارت صفحة على تويتر تدعى بـ (Space Telescope Live)، وهي تعطي تحديثات حيّة لما يقوم تلسكوب هابل الفضائي برصده، إلا أن فريقاً من علماء الفلك كان يبحث عن اندماج لنظام ثنائي من نجوم نيوترونية وذلك باستخدام راسم الطيف الموجود على متن المسبار، وهو ما يستخدمه العلماء عادة للبحث عن التوهج الذي يتبع انفجار أشعة غاما قصير، وقد حُذفت تلك التغريدة منذ ذلك الحين.

علّق بيتر كولز Peter Coles على مدوّنة عالم الفيزياء الفلكية في جامعة كارديف في المملكة المتّحدة بتاريخ 23 آب/أغسطس بأن مرصد تشاندرا الفضائيّ التابع لوكالة ناسا قد عرج على الحدث أيضاً، وبدوره يحوي موقع تشاندرا على سجل لعملية رصد أُجرِيت بتاريخ 19 آب/أغسطس، إذ أشار التلسكوب إلى إحداثيات سماوية في المجرة (NGC 4993) لرصد حدثٍ يدعى باسم (SGRB170817A ‘short GRB) مشيراً إلى انفجار قصير من أشعة غاما بتاريخ السابع عشر من شهر آب/أغسطس عام 2017.

الجزء الأهم من التقرير هو "المعايير المثيرة" التي توضح سبب تجاوز أية عمليات رصد مُجدوَلة مسبقاً وتوجيه التلسكوب في ذلك الاتجاه، فهذا المعيار يذكر: "اكتشاف مصدر لأمواج ثقالية رُصِدت بواسطة ليغو، وفيرغو، أو كليهما".

تظهر سجلات متاحة للعامة من مرافق فلكية ضخمة أخرى، بما فيها التلسكوب الكبير جداً والتابع للمرصد الجنوبي الأوروبي والمرصد الراديوي الأول في العالم، والمصفوفة الميلليمترية ودون الميلليمترية أتاكاما في مرصد ألما (ALMA) في تشيلي أنّ هذه المراصد المذكورة كلها قد رصدت المجرة (NGC 4993) بتاريخ 18 و19 من شهر آب/أغسطس من عام 2017.

 


ما الذي يمكن تعلمه من اندماج نجوم نيوترونية؟


تتسم إشارات الموجات الثقالية الناتجة عن اندماج ثقوب سوداء بمدتها الزمنية القصيرة، فقد تستمر لثانية أو أقل، ولكن اندماج نجوم نيوترونية قد يُعطِي إشارة تستمر فترة أطول قد تصل حتى الدقيقة، وذلك لكون النجوم النيوترونية ذات كتلة أقل من الثقوب السوداء، فهي تصدر أمواجاً ثقالية أقل فاعلية، وتستغرق وقتاً أطول لتشكل دوّامة ضمن بعضها البعض، وتمكن الأحداث الأطول من إجراء اختباراتٍ أكثر دقة بكثير لنظرية ألبرت أينشتاين في النسبية العامّة، وهي النظرية التي تتنبأ بالأمواج الثقالية، وربما تعطي المزيد من الأدلة حول أصول النجوم النيوترونية.

كما أن انفجارات أشعة غاما القصيرة التي يُشَاع بإمكان رصدها بالتلسكوبات ستكون على قدر كبير من الأهمية أيضاً، لأسباب ليس أقلها أنه إذا كانت مرتبطة بالأمواج الثقالية، فإنها ستؤدي إلى التحقق من عقود في وضع النظريات في الفيزياء الفلكية التي تعتبر انفجارات أشعة غاما القصيرة مرتبطة بتصادمات النجوم النيوترونية.


"الموجات الثقالية هي الوحيدة القادرة على إعطاءنا إشارة البدء" حسب ما قالت إيلينورا تروجا Eleonora Troja عالمة الفيزياء الفلكية في مركز غودارد للطيران الفضائي في غرينبيلت – ميرلاند التابع بدوره لناسا.


لا تزال انفجارات أشعة غاما القصيرة مع ذلك بحد ذاتها اكتشافاً مهماً، ومعظم هذه الأحداث تُشاهد في الكون السحيق على بعد بلايين الفراسخ الفلكية، فمجرة (NGC 4993) تبعد 40 مليون فرسخاً فلكياً، وستكون على الأغلب أقرب انفجار قصير لأشعة غاما تُرصد حتى الآن حسب ما ذكر ديريك فوكس Derek Fox عالم فيزياء فلكية في جامعة ولاية بنسلفانيا.

كما من الممكن أن تكشف تفاصيل الأمواج الثقالية حين الاصطدام واللحظات التي تليه أيضاً عن معلومات تخصّ بنية النجوم النيوترونية، حيث أنّ المعلومات عنها قليلة جداً، وما إذا كان الاندماج قد نتج عنه ثانيةً نجم نيوتروني أو تشكل ثقب أسود جديد.

 


متى سنكون على يقين؟ 


في يوم 25 من شهر آب/أغسطس أنهى كل من مرصدي ليغو وفيرغو عملية جمع البيانات الجارية، إلا أن الباحثين سينشرون التحديثات الهامة فقط بعد ذلك، مما يعني أن إشارة مختصرة تشير ما إذا كان مرصد ليغو قد التقط أيّ "أحداث مرشحة" ستستدعي المزيد من التحليل، كما ذكر ديفيد شوميكر David Shoemaker الفيزيائيّ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمتحدث باسم مرصد ليغو.


ينهي ديفيد الحديث بقوله: "سيتطلّب الأمر وقتاً لنحكم على البيانات ونتأكد من نشرها بموثوقيّة عالية".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات