يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
كيف تدرس ناسا منسوب المياه الجوفية على كوكب الأرض؟ سيليكون فالي مثالاً

حركةٌ أرضيةٌ في وادي سانتا كلارا في كاليفورنيا بين عامي 2011 و2015 كما التقطها رادار الكوّة التركيبية في القمر الصناعي كوزمو-سكاي ميد Cosmo-SkyMed synthetic aperture radar satellite. تمثّل الألوان سرعة الحركة الأرضية (تشير الألوان الزرقاء إلى الانحسار، وتشير الألوان الحمراء إلى التزايد). وهي تحتوي بيانات معدّلة لكوزمو-سكاي ميد. حقوق الصورة ASI/University at Buffalo/NASA-JPL/Caltech/Google Earth/U of Basilicata

وجدت دراسةٌ مشتركةٌ قامت بها ناسا بالاشتراك مع إحدى الجامعات، أن الحفاظ المتقدّم aggressive conservation قد ساعد المياه الجوفية للمنطقة على الارتداد بسرعةٍ من واحدةٍ من أسوأ عمليات الجفاف في تاريخ كاليفورنيا.

فقد ارتدّت مخزونات المياه الجوفية في منطقة سيليكون فالي Silicon valley في كاليفورنيا بسرعةٍ من الجفاف الحاد الذي تعرضت له الولاية مؤخرًا، لتقدّم برهانًا على نجاح قياسات الحفاظ المتقدّمة، وذلك وفقًا لدراسةٍ جديدةٍ أجرتها ناسا من الفضاء إضافةً إلى علماء جامعاتٍ.

فباستخدام بيانات من كوزمو-سكاي ميد، وهي مجموعةٌ من أربعة أقمارٍ صناعيّةٍ تابعةٍ لوكالة الفضاء الإيطالية ASI، استخدم فريقٌ من الباحثين بقيادة إستيل شوسارد Estelle Chaussard من جامعة بوفالو في نيويورك تقنيةً تُدعى مقياس التداخل لرادار الكوة التركيبية synthetic aperture radar interferometry وذلك لمراقبة الصخور الخازنة في كامل وادي سانتا كلارا بالقرب من سان خوسيه من عام 2011 وحتى عام 2017.

وبإمكان هذا النوع من الرادارات التقاط الحركات الصاعدة والهابطة بالغة الدقة لسطح الأرض المقدّرة بأجزاءٍ دقيقةٍ من الإنش (عدّة ميلليمترات) والتي تحصل لدى ارتفاع منسوب المياه تحت سطح الأرض أو انخفاضه.

وقد استخدم العلماء المئات من الصور التي التُقطت عبر الرادار وبترخيصٍ من وكالة الفضاء الإيطالية لحساب مقدار تغيُّر ارتفاع سطح الأرض مع الزمن، وأظهرت القياسات بدء ارتداد المياه الجوفية في الصخور الخازنة أواخر عام 2014، حين كان لا يزال الجفاف مستمرًا بشدّةٍ، وقد عادت مستويات المياه الجوفية إلى مستويات ما قبل الجفاف بحلول عام 2017، ويعود الفضل في ذلك إلى قياسات حِفظها والتي ازدادت عام 2014، إضافةً إلى هطولات أمطار الشتاء الكبيرة عام 2016.


وأثناء فترة الجفاف بين عامي 2012 و2015، وظّفت دائرة مياه وادي سانتا كلارا مجموعةً من مقاييس الحفظ، وتضمّنت تقييد استخدام الرشاشات، إضافةً إلى الطلب من المستهلكين تقصير مدة حمّاماتهم، وتحويل المروج والبرك إلى مناطقَ طبيعيةٍ أقل عطشًا، كما استجرّت الدائرة المياه من خارج المنطقة.

وتقول شوسارد بأن هذه الخطوات من الممكن أن تكون قد ساعدت على درء الخطر الذي لا رجعة فيه عن الصخور الخازنة، والتي تُقدّر بنحو 550 كيلومترًا مربعًا وتتموضّع أسفل منطقةٍ مأهولةٍ على نحوٍ كبيرٍ. وتوضّح بأن وصول منسوب المياه الجوفية إلى حدودٍ دنيا، يؤدي إلى جفاف الرمال المسامية والطين الذي تستقر فيه هذه المخزونات بشكلٍ شديدٍ بحيث لا تحتبس الماء بعد ذلك. وتُبيّن الدراسة الجديدة، أنه وبفضل الجهود المكثّفة المبذولة في إدارة المياه، لم يحدث ذلك في وادي سانتا كلارا.

وتقول أيضًا بأن طريقة مراقبة الصخر الخازن التي استخدمها فريقها من شأنها أن تعمل في أيّ مكانٍ حيث توجد أنظمة الصخور الخازنة الناعمة وحيث تكون بيانات رادار الكوة التركيبية للقمر الصناعيّ متاحةً، حتى في الدول النامية التي لديها القليل من المصادر لتراقبها. وتقول: "أردنا رؤية فيما إذا كان بإمكاننا استخدام طريقة استشعارٍ عن بعد لا تتطلّب عملية مراقبةٍ أرضيةٍ لمعرفة كيفية تجاوب صخورنا الخازنة مع المناخ المتغيّر والفعاليات البشرية، كما وتوضح دراستنا فائدة مقياس التداخل لرادار الكوة التركيبية في تعقّب التشوهات الأرضية المصاحبة لتغيّر مستويات المياه الجوفية، نذكر أن العلماء يستخدمون هذه الطريقة لقياس تشوه السطح المرتبط بالبراكين والهزات الأرضية".

ويضيف المؤلف المشارك من مختبر الدفع النفاث JPL بيترو ميليلو Pietro Milillo: "كما تُقدِّم هذه الدراسة طريقةً مكمِّلةً، بالإضافة إلى القياسات التقليدية المأخوذة من الأرض، لدوائر إدارة المياه في مراقبة التشوهات الأرضية، وتسجّل هذه التقنية تقدمًا على الطرق التقليدية لأنها تتيح المجال للعلماء لقياس مدى التغيّرات في التشوهات الأرضية عبر منطقةٍ واسعةٍ بترددٍ غير مسبوقٍ"، وأضاف بأن أقمار كوزمو-سكاي ميد الصناعيّة تقدّم معلوماتٍ عن الصخور الخازنة لمرةٍ واحدةٍ في اليوم في كثيرٍ من الأحيان.

وتُعدّ المخزونات المائية تحت سطح الأرض، والمحتجَزة في طبقاتٍ من الصخور المسامية التي تُدعى بالصخور الخازنة aquifer، أحد أكثر مصادر المياه الصالحة للشرب في العالم أهميةً. ويعتمد 2.5 مليون شخصٍ عبر العالم على الصخور الخازنة كمصدرٍ للمياه، وقد جفّت معظم هذه المكامن بسرعةٍ أكبر من السرعة التي يمكن بها الامتلاء مجددًا، وذلك وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم. ومع ذلك فإن الحفاظ على هذه الاحتياطيات هو أمرٌ مكلفٌ، على حدّ قول شوسارد.

وتضيف شوسارد: "لمراقبة الصخور الخازنة، نحتاج إلى الكثير من القياسات المكانية والزمنية، فقد يعطينا أخذ عيناتٍ من مستويات المياه في الآبار سلسلةً زمنيةً مستمرةً، ولكن في حال أُخِذت بشكلٍ آنيٍّ فقط، وقد لا تكون المراقبة المؤتمتة أمرًا شائعًا، حتى أن ّالآبار عالية الكثافة قد لا تشكّل نماذجَ مكانيةً لحوض خزنٍ بعرضٍ مناسب لتخزين المياه، وهذا أمرٌ أساسيٌّ لفهم العمليات التي على المحك".

إن الطرائق المستخدمة في هذه الدراسة تقدّم صورةً أكثر كمالًا عن كيفية استجابة صخرٍ خازنٍ أثناء الجفاف وكيف يمكن أن يكون لطرق حفظ المياه تأثيرٌ حقيقيٌ وإيجابيٌ في الحفاظ على سلامة الصخور الخازنة للمياه الجوفية المتدفقة وبقائها. ولا يملأ رادار التصوير في الأقمار الصناعية فجوة البيانات الحاصلة بين الآبار فحسب، بل ويقدّم أيضًا نتائجَ قيّمةً عن كيفية استجابة الصخور الخازنة تفوق حدود مراقبة شبكات الآبار لذا يمكن لوكالات المياه أن تدير وبكفاءةٍ أعلى مواردها الثمينة.


إن بعثة القمر الصناعي لرادار الفتحة التركيبية القادمة والمشتركة بين ناسا ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية NASA-ISRO (Indian Space Research Organisation) أو اختصارًا NISAR، والمزمَع إطلاقها عام 2021، ستقوم بجمعٍ منهجيٍّ من خلال صورٍ يلتقطها الرادار لكلّ الصخور الخازنة في العالم تقريبًا، لتطوّرَ فهمنا عن موارد المياه الجوفية القيمة وقدرتنا على إدارتها على نحوٍ أفضل. وإضافةً إلى تعقب استخدام المياه الجوفية في المواقع الحضرية، سيكون NISAR قادرًا على قياس الحركة السطحية المرافقة لتدفّق المياه وإعادة التعبئة الطبيعية في المجتمعات الريفية، في مناطقَ زراعيةٍ كبيرةٍ، والمناطق ذات الحياة النباتية الغنية، حيث تكون الظروف أكثر تحديًا عادةً.

نُشر هذا البحث في 25 أيلول/سبتمبر في دورية Geophysical Research-Solid Earth. ومن المساهمين الآخرين في هذه الدراسة جامعة كاليفورنيا، بيركلي؛ وجامعة بوردو، ويست لافاييت، مقاطعة إنديانا؛ ودائرة المياه في وادي سانتا كلارا.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • قياس التداخل (Interferometry): التداخل: يعود أصل هذه الكلمة بشكلٍ أساسي إلى ظاهرة تداخل فيزو المسماة نسبةً إلى عالم الفيزياء الفرنسي هيبوليت فيزو (Hippolyte Fizeau) الذي اقترح استخدام التداخل لقياس أحجام النجوم. الفكرة بسيطة جداً: خذ الضوء القادم إلى جميع تلسكوباتك وقم بإسقاط هذه الأضواء على سلسلة من المرايا المرتبة بشكلٍ جيد بحيث تكون جميعها موجودة في نفس مستوي الصورة وكأن المرايا جزء من مرآة وحيدة ضخمة. إذا ما تمَّ القيام بذلك بطريقة تسمح بوصول أضواء التلسكوبات المختلفة إلى نفس مستوي الصورة وفي الوقت ذاته، تُنتج حزمة أضواء التلسكوبات هذه تابع الانتشار النقطي (PSF) الذي يُمثل تحويل فورييه لفتحات التلسكوبات مجتمعةً. وباختصار هي تقنية يستخدمها علماء الفلك للحصول على دقة تلسكوب عملاق بالاعتماد على مجموعة من التلسكوبات الصغيرة.

اترك تعليقاً () تعليقات