يستعد العلماء للحفر في المركز الرئيسي للاصطدام الذي أدى إلى انقراض الديناصورات

رسم فني يمثل فوهة تشكسولوب، Chicxulub بعد الاصطدام بوقت قصير، والذي حصل منذ 66 مليون سنة.
حقوق الصورة: DETLEV VAN RAVENSWAAY/SCIENCE SOURCE. 

سيتم هذا الشهر تشييد منصة تنقيب في خليج المكسيك، ولكن لن يكون هدفها البحث عن النفط، حيث سيحاول العلماء إنزال مثقاب برأسٍ ماسية الشكل إلى مركز فوهة تشكسولوب - وهي البقايا المدفونة للكويكب الذي اصطدم بالأرض منذ 66 مليون سنة، وأدى إلى انقراض الديناصورات بالإضافة إلى معظم أشكال الحياة على الكوكب.


يأمل العلماء أن يحمل لب الصخور المستخرجة مفاتيح دلالية لفهم كيفية عودة الحياة في أعقاب الكارثة، وما إذا كانت الفوهة ذاتها موطناً لأشكال الحياة الميكروبية التي ظهرت بعد ذلك أم لا. كما يتطلع العلماء من خلال الحفر في سلسلة تلال دائرية داخل الفوهة ذات العرض البالغ 180 كيلومتر إلى البت في كيفية تشكُّل هذه الحلقات الدائرية حول الفوهة، وهي علامات مميزة لأكبر فوهات الاصطدام.


يقول شون غولك Sean Gulick، وهو عالم جيوفيزيائي في جامعة تكساس في مدينة أوستن، ومدير مساعد في المشروع البالغة تكلفته 10 مليون دولار أميركي ويرعاه كل من برنامج اكتشاف المحيطات الدولي (International Ocean Discovery Program (IODP، وبرنامج التنقيب العلمي القاري الدولي International Continental Scientific Drilling Program: " تشكسولوب هي البنية الوحيدة المحفوظة بحلقة فوهةٍ سليمةٍ والتي يمكننا الوصول إليها، وكل ما عداها إما أن تكون موجودة على كوكب آخر أو قد تعرضت للحت". 


وفي نهاية مارس/ آذار 2016. ستبحر سفينة مزودة بمعدات خاصة من ميناء بروغوسو المكسيكي إلى نقطة تبعد 30 كيلومتر عن الشاطئ. هناك، وعلى عمق 17 متر، سيُنزل القارب في المياه ثلاثة أبراج، وسيقوم برفع نفسه فوق الأمواج مكوناً منصةً ثابتة. وبحلول الأول من أبريل/ نيسان يخطط الفريق للبدء بالحفر لمسافة 500 متر داخل حجر الكلس الذي ترسب في قاع البحر منذ حدوث الاصطدام. وبعد ذلك، سيقوم عمال الحفر باستخراج عينات من اللب على عمق 3 أمتار إضافية مع تعمقهم بالحفر. سيعملون ليل نهار لمدة شهرين في محاولة للتعمق مسافة كيلومتر واحد إضافية، حيث سيبحثون عن تغيرات في نوع الصخور، وسيقومون بتصنيف المستحاثات الدقيقة وجمع عينات الحمض النووي DNA (اُنظر الشكل في الأسفل). يقول ديفيد سميث David Smith، مدير عمليات برنامج IODP في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية في مدينة أدنبره في المملكة المتحدة: "لدينا فرصة واحدة فقط للوصول إلى عمق 1500 متر".

(DIAGRAM) V. ALTOUNIAN/SCIENCE; (PHOTOS) CHRIS JENSON, DES; DAVE SMITH, ECORD; MICHAEL RYMER; DAVID KRING; GEOLOGICAL SOCIETY OF AMERICA; ARTOGRAPHY/SHUTTERSTOCK; VILAX/SHUTTERSTOCK; HINRICH BAESEMANN/ALAMY
(DIAGRAM) V. ALTOUNIAN/SCIENCE; (PHOTOS) CHRIS JENSON, DES; DAVE SMITH, ECORD; MICHAEL RYMER; DAVID KRING; GEOLOGICAL SOCIETY OF AMERICA; ARTOGRAPHY/SHUTTERSTOCK; VILAX/SHUTTERSTOCK; HINRICH BAESEMANN/ALAMY


وبالرغم من أنّ هذه المحاولة هي الأولى للتنقيب داخل الفوهة بعيدًا عن الشواطئ، إلا أنَّ العمّال في منصات النفط حفروا آباراً فيها من على الأرض - حتى قبل أن يعرف العلماء بوجود الفوهة. ففي الخمسينيات، قام الجيولوجيون العاملون في بيمكس Pemex، وهي شركة النفط الوطنية في المكسيك، بإجراء مسح ثقالي وآخر منغناطيسي لشبه جزيرة يوكاتان وقد لفت انتباههم وجود بنى دائرية تحت الأرض - صخور بركانية نفطية محتملة. كانوا قد حفروا العديد من الآبار الاستكشافية ولكنهم فقدوا اهتمامهم بالأمر بعد أن وجدوا صخورًا بركانية بدلاً من رواسب تحمل النفط. يقول آلان هلدبراند Alan Hildebrand، وهو جيولوجي في جامعة كولغاري في كندا: "عندما وجدوا الصخور البركانية قالوا: آه، هذا مركز بركاني".


إلا أنه وفي عام 1980 قام لويس ألفاريز Luis Alvarez حامل جائزة نوبل وآخرون بلفت الانتباه إلى طبقة رقيقة من الإريديوم -وهي مادة يُحتمل أن مصدرها كويكب - وجدت في جميع أنحاء العالم في الصخور من زمن انقراض الديناصورات. وقالوا إنها دليل لم يُنظر إليه بعين الشك سابقًا حيث تشير إلى سببٍ أدى إلى حدوث الانقراض: ألا وهو الاصطدام الهائل. وفي عام 1991 أشار هلدبراند وزملاؤه إلى قرية تشكسولوب على أنها مكان حدوث الكارثة، حيث وجدوا في ذلك المكان بلورات كوارتز تكونت إثر اصطدام في عينات من آبار بيمكس -وهي عينات تواجدت منذ أكثر من عقد من الزمن. يقول: "البعض محرَجٌ قليلًا من ذلك في هذه الأيام".

 
كانت المُعطيات القادمة من آبار بيمكس غير مكتملة، لذا أراد العلماء دومًا العودة لاستكشاف مكان الاصطدام وآثاره بشكل أكثر تفصيلًا، كما تقول جوانا مورغان Joanna Morgan، وهي عالمة ومساعدة رئيسية في المشروع من جامعة أمبيريال غولاج لندن Imperial College London، وأوّل من قام بتقديم بئر محفورة بطريقة علمية لمشروع IODP في عام 1998، تقول: "يبدو الأمر كما لو أنَّ حلمًا راودنا مدى العمر قد بدأ يتحقق". وعلى الرغم من أن التنقيب البعيد عن الشواطئ أمر مكلف، فهي تؤكد أن العمل في البحر يقلل من المشاكل التي سيواجهها الفريق من ناحية التراخيص البيئية، ولن يتوجب عليه التأقلم مع طرقات يوكاتان السيئة. وفي عام 2005، قادت مورغان وغوليك حملة استشعار عن بعد بكلفة مليوني دولار أميركي استخدمت فيها انفجارات زلزالية صغيرة للمساعدة على إنارة البنى الواقعة تحت الأرض، وتحديد أفضل منطقة للوصول إلى حلقة القمة.

ومع اقتراب الحفر من الفوهة، أي على عمق 800 متر، يتوقع العلماء العثور على أنواع أقل من الحيوانات المنتجة للقشرة التي تشكل الحجر الكلسي، لأن الحياة كانت تتعافى لتوها من الاصطدام. يعتقد بعض العلماء أن غاز ثنائي أكسيد الكربون المنطلق نتيجة الاصطدام قد زاد حموض المحيطات، مؤديًا إلى الانقراض، لذا فإنَّ فريق الحفر سيستكشف ما إذا كانت كائنات القاع التي ظهرت بعد الاصطدام تعود إلى أنواع قادرة على تحمل درجة pH منخفضة (أي حموضة عالية) أم لا.

فوق الفوهة تمامًا، تقبع طبقة تشكلت نتيجة الاصطدام، سمكها حوالي 100 متر أو أكثر ويُعتقد أنها ترسبت في الأسابيع التي تلت الكارثة. وفي قاعدتها يتوقع العلماء أن يجدوا خليطاً من قطع صخر الأديم نُسِفَت نتيجة الاصطدام، وصخورًا كانت مصهورة سابقاً سقطت في الفوهة في الدقائق التي تلت الاصطدام. علاوة على ذلك، سيجدون رواسب تصلَّبت إلى صخور وجُرِفت إلى الفوهة عندما اندفعت مياه المحيط إلى الانخفاض الضخم الجديد المتكون نتيجة الاصطدام. ويمكن أن تكون الطبقة الناشئة عن الاصطدام قد تحجرت بسبب رواسب الرماد التي بقيت معلقة في الجو لأسابيع أو أكثر بعد الاصطدام قبل أن تتساقط.
 
V. ALTOUNIAN/SCIENCE; (MAP) SEAN GULICK, UNIVERSITY OF TEXAS
V. ALTOUNIAN/SCIENCE; (MAP) SEAN GULICK, UNIVERSITY OF TEXAS

سيكون الحدث الرئيسي للعديد من علماء مشروع IODP هو الوصول إلى حلقة القمة. تكثر حلقات القمة على القمر، وعطارد، والمريخ، ولكن على الأرض يوجد فوهتين فقط أكبر من تشكسولوب يجب أن يكون لهما أيضًا حلقات قمة وهما: فوهة فردفورت Vredefort في جنوب أفريقيا وعمرها ملياري عام، وفوهة سيدبوري Sudbury في كندا وعمرها 1.8 مليار عام - إلا أنهما مغرورقتان في القِدَم بحيث أن حلقات قمتهيما قد تآكلت.

يرغب فريق IODP باختبار نموذج رئيسي لتشكل حلقة القمة، يرتدّ فيه الغرانيت (الصوّان) القادم من أعماق الأرض بعد اصطدام عظيم وبشكلٍ يشابه رمي الماء بحجر، ليشكل برجًا مركزيًا أطول من حافة الفوهة. وفي دقائق معدودة، ينهار البرج ويصطدم مع مادة متساقطة من الحواف ليشكل حلقة القمة. يمكن أن تأتي إثباتات النموذج من العثور على صخور "غير منتظمة"؛ وهي صخور عميقة، صوّان في الغالب، موجودة في البرج المركزي وتتموضع فوق صخور أصغر وأكثر ضحالة منها. يقول جاي ملوش Jay Melosh، وهو عالم كوكبي في جامعة بيردو Purdue University في غرب لافاييت في إنديانا ومساعد في تطوير النموذج: " سيقومون باختبار ما إن كانت نماذجُنا المتعددة ذات معنى أم لا".

ولا يهتم الفريق في تركيب صخور حلقة القمة فحسب، وإنما في أشكال الحياة التي قد تحتويها. لقد أوحى الاستشعار عن بعد أن حلقة القمة أقل كثافة مما هو متوقع للصوّان - وهي إشارة إلى أن الصخور مسامية ومتشققة في بعض الأماكن. من الممكن أن هذه الشقوق امتلأت في أعقاب الاصطدام بسوائل حارة. يقول تشارلز كوكل Charles Cockell، وهو عالم في الأحياء الفضائية في فريق IODP في جامعة أدنبره: " ستكون هذه الشقوق الأماكنَ المفضلة لنمو الميكروبات، ولكن هذا الأمر يعتمد على توفر الطاقة والمواد المغذية فيها". عندما يصادف رأس المثقاب عروقًا معدنية أو مناطق شقوق أخرى في حلقة القمة، سيقوم كوكل وزملاؤه بأخذ عينة من اللب؛ خزعة جيوفيزيائية. سيقومون بإحصاء واستنبات أية ميكروبات لا تزال تعيش في الشقوق، وترتيب سلاسل الحمض النووي DNA للبحث عن المورثات المسؤولة عن الممرات الاستقلابية (الأيضية).

قد تُظهر هذه المورثات أن ميكروبات حلقة القمة - وهي متحدِّرة من تلك التي عاشت بعد الاصطدام - لا تستمد طاقتها من الكربون والأكسجين كمعظم الميكروبات، بل من الحديد أو الكبريت المترسِّب من السوائل الحارة التي رُشحت عبر الصخور المتشققة. وذلك سيعني أن فوهة الاصطدام، نذيرة بالموت، وكانت أيضاً موطنًا للحياة.
 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات