علماء يقترحون تركيب أشكال جديدة من الغرافين ثلاثي الأبعاد بصورةٍ مشابهة لخلايا النحل المترابطة

تظهر الصورة نموذجين لشبكتين ثلاثيتي الأبعاد، مبنيتين على أساسٍ من بنية ثلاثية مسطحة ذات أساس كربوني: (a): خلية النحل المترابطة. (b): خلية موحدة مؤلفة من ثمانِ ذرات. ومن الممكن صناعة هياكل أخرى، عن طريق خلق أشكال متنوعةٍ من السلاسل أفقيًا وعموديًا.

المصدر: الدكتور مولين وآخرون. الجمعية الفيزيائية الأميركية American Physical Society.


اقترحت مجموعة من العلماء تشكيل فصيلة جديدة ذات أشكالٍ متنوعة من هياكل الغرافين ثلاثية الأبعاد. ويدعى أبسط مثال على هذه التراكيب: خلية النحل المترابطة (hyper-honeycomb). وإذا أمكنت دراسة هذه النماذج المقترحة وتحقيقها تجريبيًا، فإن الطرق الجديدة لترتيب ذرات الكربون ستضاف إلى الأعداد الكبيرة والمتزايدة باستمرار للأشكال والصيغ الكربونية المتآصلة[1]. ويتوقع العلماء أن من بين خصائص هذه الخلايا المثيرة للاهتمام، هو أنها قد تكون أكثر استقرارًا حتى من الماس.

وقد قام العلماء في جامعة أوكلاهوما University of Oklahoma، "كيران مولين" Kieran Mullen، و"برونو أوتشو" Bruno Uchoa، و"دانيال ت. غلاتزوفر" Daniel T. Glatzhofer، بتأليف دراسةٍ تتمحور حول خلايا النحل المترابطة والتراكيب المتعلقة بها. وقد تم نشرها في الإصدار الأخير من دورية "Physical Review Letters".

يوصف الغرافين (Graphene) غالبًا بأنه ذو بنية تركيبيةٍ تشبه الخلايا في قرص العسل، أو أسلاك السياج. ويعود سبب هذا الوصف إلى كونه يتألّف من عددٍ من الذرات الكربونية المرصوفة في طبقةٍ واحدة، على شكل شبكةٍ سداسية الأضلاع. في هذا الهيكل ثنائي الأبعاد، تتصل كل ذرة كربون مع ثلاث ذرّات كربون أخرى، مما يؤدي إلى نشوء "ارتباطية مسطحة ثلاثية التماثل" (planar trigonal connectivity). وتساهم هذه الرابطة في منح الغرافين مزاياهُ الاستثنائية والفريدة. وعلى وجه الخصوص، تلك التي تجعل منه نصف ناقلٍ مثاليّ للكهرباء (semiconductor).

وكما يشرح العلماء، تُنتج هذه الارتباطية ثلاثية التماثل للغرافين شيئًا استثنائيًا: فهي تجعل طاقة الإلكترون تختلف باختلاف كمية التحرك (الزخم) بمنحنًى خطي، مما يجعلها تقلد سلوك غيرها من الإلكترونات التي تتحرك بسرعة قريبةٍ من سرعة الضوء. تسمى القيم اللحظية التي تحدث فيها هذه العملية "نقاط ديِراك" Dirac points، وهي تنتج عن معادلة ديراك التي تصف الحركة النسبية للإلكترونات. ولا تحوي أغلب هياكل المواد كالكربون أو غيره، على نقاط ديراك. ويؤثر هذا السلوك الخطي بشدة في كيفية تصرف الإلكترونات. فيؤثر في تبعثرها وانتشارها، وفي تفاعلها مع الاهتزازات التي تحدث في الشبكة.

وفي هذا المجال، تحرى العلماء ما يحدث عندما تتمدد نقاط ديراك في المركبات كربونية الأساس ذات البنية الثلاثية المسطحة، وتتحول إلى مساحة ثلاثية الأبعاد مما يسمح بتشكيل حلقات ديراك اللولبية (Dirac loops). وحلقات ديراك ليست مدروسة أو مفهومة جدًا كما هو الحال بالنسبة لنقاط ديراك. ويعود سبب ذلك إلى أنها لا تملك نظيرًا نسبيًا، على عكس نقاط ديراك التي تتشارك مع الإلكترونات النسبية بعدة أمور. وحتى هذه اللحظة، لم يتم رصد حلقات ديراك مخبريًا. ولكن يتوقع وجودها في بعض المواد المعدلة بشكل جيد.

وكشف تحليل العلماء أن حلقات ديراك تتشكل نظريًا عندما تتجمع سلاسل مؤلفةٌ من ذرات الكربون المتصلة ببعضها بروابط ثلاثية التماثل مع بعضها البعض بشكل متعامد. وهذا الترتيب يختلف عن الغرافيت (Graphite)، وهو شكلٌ ثلاثي الأبعاد من الغرافين. حيث تتراكم طبقات الغرافين في الغرافيت فوق بعضها البعض كصف من الأوراق.

ومن الممكن أن تكون هذه السلاسل المفترضة والمترابطة بشكل متعامدٍ مختلفةَ الأبعاد، وذلك تبعًا لطريقة التوضع الأفقي والعمودي للخلايا سداسية الأضلاع داخل كل خلية في السلسلة. فعلى سبيل المثال، أبسط هذا الأشكال هو خلية النحل المترابطة، التي تتألف من ذرتي كربون في كل سلسلة عمودية وأفقية. ويشبهها العلماء بالرفوف الموجودة في خزانة كتبٍ صغيرة، وذلك نظرًا للشكل الذي تأخذه الطبقات فيها أفقيًا وعموديًا.

يقول مولين: "تكمن أهمية بحثنا في جانبين". ويستأنف: "أولًا، هذا أول نظامٍ بسيطٍ تظهر فيه حلقات ديراك اللولبية. فهي سلوكٌ لم يُشاهد مسبقًا في الأنظمة الكهربائية. وسيكون لوجود مثل هذه الحلقات تأثيرٌ قويٌ على كيفية تدفق الإلكترونات عبر النظام، وعلى كيفية تصرفها عند تعرضها لتأثير حقلٍ مغناطيسي".

"ثانيًا، سيؤدي هذا النظام إلى حشدِ منظوماتٍ أخرى، تتشارك معه بوجود سلوكٍ استثنائيٍ فيها. وقد يكون بعضها عبارةً عن أشكالٍ كربونية أخرى. بينما يكون بعضها الآخر عبارة عن أنظمةٍ فيزيائية متنوعة، مرتبطة مع بضعها بنفس الطريقة (على سبيل المثال، شبكةٌ بصرية مؤلفة من ذرات الغاز الباردة). وربما عندما نتفحص هذه المجموعة المتنوعة من الأنظمة، سنجد المزيد من السلوكيات الاستثنائية فيها".

وكما شرح العلماء، فإن البنية الثلاثية الأبعاد قد تجعل خلايا العسل المترابطة والمتآصلة مستقرةً لدرجةٍ أكبر حتى من الغرافيت (Graphite)، أو الماس (Diamond).

يقول مولين: "من الممكن أن يكون هذا الاستقرار مخادعًا". ويتابع شارحًا ما يقصده بالاستقرار: "الماس أقوى وأصلب من الغرافيت، ولكنه 'أقل استقرارًا منه' وذلك بسبب أن صيغته الكربونية هي الصيغة ذات الطاقة الأضعف. فالماس هو جزيء شبه مستقر (meta-stable)، بحيث أنه يجب علينا الانتظار لفترة طويلةٍ جدًا قبل أن يتغير ويتحول بشكل تلقائي.

"نعرف أن البنية التركيبية للخلايا المترابطة (H0) شبه مستقرة، ما يعني أن أي تشويهٍ بسيطٍ يطرأُ على تركيبها سيؤدي إلى زيادةٍ في كمية الطاقة. ونعرف أيضًا أنه من الصعب على النظام أن يجد طريقةً ليعيد ترتيب نفسه بشكلٍ يلائم أي شبكة خلايا أخرى. لذا فإننا نحاول حساب كل من "القوة" و"الصلابة". فالغرافين قوي (من الصعب شقّه)، ولكنه ليس صلب (فهو قابل لأن يُمدّد). وسنتمكن في الصيف المقبل من معرفة المزيد عن الخصائص الفيزيائية لهذه المواد".

يتوقع العلماء أن تركيب هذه الفصيلة الجديدة من الأشكال الكربونية المتآصلة، سيشكل تحدّياً حقيقياً بالنسبة لهم. لكنهم يعتقدون أيضًا أنهم قادرون على التغلب عليه باستخدام التكنولوجيا الحديثة. حيث تتطلب عملية التركيب تهدئة السلاسل الكربونية، عن طريق استبدال ذرات الثاليوم (Thallium)، ببعض الذرات الأخرى من الكربون. وذلك بغية تسهيل عملية نمو الهياكل المقترحة. وعلاوةً على ذلك، حتى لو لم تتحقق هذه التراكيب باستخدام الكربون، فإنها قد تُنشأ في شبكات بصريةٍ من ذرات الغاز الباردة. أو ربما في بعض البنى النانوية التي تنتج حلقات مشابهة.

يقول مولين: "أولًا، سنواصل استكشاف ما تضمّهُ هذه (الحديقة) المتنوعة من الشبكات. وهذا ينطوي على حساب ما تتمتع به من خصائص مثل: الناقلية الحرارية، والصلابة، وقوة الإخضاع (yield strength)، والناقلية المغناطيسية (magneto-conductivity). ثانيًا، سوف نتخطى الصورة البسيطة المرسومة للإلكترون في هذه الأنظمة. وثالثًا، سنتعاون مع بعض الشركاء الذين يرغبون في تركيب هذه المواد".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أشباه الموصلات (أو أنصاف النواقل) (semiconductor): وهي مواد ذات مقاومة كهربائية ديناميكية بمجال بين مقاومة الموصلات ومقاومة العوازل، بحيث ينتقل التيار الكهربائي فيها عبر تدفق الالكترونات إلى القطب الموجب وتدفق للثقوب باتجاه القطب السالب (الثقب هنا موضع لإلكترون متحرّر)، من أهم تطبيقاتها: الترانزستور والثنائيات الباعثة للضوء
  • الغرافين (graphene): مادّة كربونية ثنائية الأبعاد وذات بنية بلورية سداسية، وتُعدّ أرفع مادّة معروفة على الإطلاق بحيث يُعادل سمكها ذرة كربون واحدة.

اترك تعليقاً () تعليقات