الغرافين المشوب هو موصل فائق

موصل فائق: تحفيز الغرافين باستخدام الليثيوم يؤدي إلى خلق وتشكيل أزواج كوبر.


أظهر علماء الفيزياء في كل من كندا وألمانيا، أن الغرافين يتحول إلى موصل فائق للكهرباء عندما تتم معالجته مع ذرات الليثيوم، وبذلك تضاف الموصلية الفائقة إلى قائمة المزايا والخواص الميكانيكية والإلكترونية المذهلة التي يتمتع بها هذا "العنصر المدهش". ويمكن لهذه النتيجة التي توصّل إليها العلماء أن تؤدي إلى صناعة جيلٍ جديدٍ من الأجهزة النانوية فائقة التوصيل.


يُبدي الغرافين مجموعةً متنوعةً من الخصائص الرائعة، ويعود الفضل في ذلك إلى هيكله المميّز، والذي يتكون من شبكة سداسية من ذرات الكربون، بسماكة ذرة واحدة. ويتميز الغرافين بأنه أقوى بكثير من الفولاذ، كما أنه يُعتبر ناقلاً ممتازاً لكل من الحرارة والكهرباء، ولكنّه على الرغم من هذا كله، لا يتصف بالموصلية الفائقة عندما يكون في شكله الأصلي.

أزواج اقتران كوبر


بالطبع لا يكمن الحل في الغرافيت النقي، حيث أظهر علماء الفيزياء عام 2005، أن الغرافيت يمكن تحويله لموصل فائق عند معالجته كيميائياً، وذلك لتكوين مجموعة من المواد السائبة، التي يتكون هيكلها من طبقة من الغرافين، متراصفة بالتناوب مع طبقات من عنصر آخر، يبلغ سمكها ذرة واحدة فقط. ولعل غرافيت الكالسيوم هو أفضل مادة تم إنتاجها من ناحية الأداء، حيث يتحول إلى الموصلية الفائقة في درجة حرارة تبلغ 11.5 كلفن. وقد حدد واضعو النظريات، الآلية الأساسية لعمل الموصلية الفائقة وهي اقتران الإلكترون بالفونون، والفونونات هي عبارة عن اهتزازات في الشبكة البلورية للمادة، تؤدي إلى اقتران الإلكترونات مع بعضها البعض فيما يعرف بـ "أزواج كوبر"، والتي بدورها تتمتع بقدرة الانتقال عبر الشبكة بدون أيّ مقاومة، وهذا بالطبع يشكل إحدى السمات المميزة للموصلية الفائقة. وفي وقتٍ لاحق، لوحظ أن اقتران الإلكترون بالفونون، قد لا يحدث في المركبات السائبة المكونة من الغرافيت فقط، ولكن أيضاً عندما تتم إضافة ذرات عنصر مناسب، إلى طبقات واحدة من الغرافين بهدف تحفيزه.


وفي عام 2012، استخدم جيوفاني بروفيتا Gianni Profeta وزملاؤه الباحثون في جامعة لاكويلا في إيطاليا University of L'Aquila، النمذجة الحاسوبية ليصلوا إلى افتراضٍ مفاده أن الليثيوم يجب أن يكون مرشحاً جيداً، خصوصاً لعملية التحفيز هذه. وقد شكّل هذا الأمر مفاجأة كبيرة، نظراً لأن مركب LiC6 لم يُظهر أيّ دليل على أنه موصل فائق، ولكن على الرغم من هذا، وجد الباحثون أنَّ هيكلاً أحاديّ الطبقة يجب أن يعزز الموصلية الفائقة بطريقتين.


ووفقاً للباحثين، تؤدي الاهتزازات الشبكية الإضافية الناجمة عن ذرات الليثيوم، إلى كثافة عالية بالفونونات، في حين أن قيام الليثيوم بمنح الإلكترونات للغرافين، من شأنه أن يعزز الاقتران العام للإلكترونات مع الفونونات.

تشويب الليثيوم


نشأت فكرة هذا التنبؤ أو الافتراض، من خلال البحث الأخير الذي أجراه أندريا داماستشيلي Andrea Damascelli من جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر University of British Colombia، بالتعاون طبعاً مع زملائه الباحثين في أوروبا. أعدّ داماستشيلي وزملاؤه عيناتهم، من خلال إنبات طبقات من الغرافين على ركائز من كربيد السيليكون، ومن ثم وضع ذرات الليثيوم بدقة متناهية على الغرافين، في عملية تدعى بـ "التشويب"، وهي تحصل في فراغ عند درجة حرارة تبلغ 8 كلفن.


درس الفريق خصائص العينات عن طريق استخدام مطياف الانبعاث الضوئي للزاوية المعدلة، والذي يستغل التأثير الكهروضوئي لقياس الزخم (كمية الحركة)، والطاقة الحركية للإلكترونات في الأجسام الصلبة. كما وجد الفريق أن الإلكترونات تبطّئ من سرعة حركتها عند مرورها عبر الشبكة، وهو أثر يعود سببه إلى الاقتران المعزز بين الإلكترونات والفونونات.


والأهم من هذا كله، هو إظهار العلماء أن مثل هذا الاقتران القوي أيضاً سيؤدي إلى حصول الموصلية الفائقة، من خلال إيجاد فجوة بين إلكترونات المادة الناقلة للكهرباء وتلك غير الناقلة لها، أي ببساطة، الطاقة اللازمة لكسر أزواج كوبر. وتشمل القيمة المقاسة من هذه الفجوة عند 0.9 ميغافولت، درجة الحرارة التي يحصل فيها التحول والبالغة 5.9 كلفن، بينما توقع بروفيتا وزملاؤه أن تصل درجة الحرارة إلى 8 كلفن.

مزيد من عمليات الفحص والاختبار


ومن شأن هذه النتيجة -وفقاً لداماستشيلي- أن تعزز من فائدة استخدام الغرافين، كنظام أو نموذج لدراسة الظواهر الكمومية، بالإضافة إلى أنها تظهر النطاق الواسع للأجهزة الإلكترونية، التي يمكن ربطها وتوصيلها مع بعضها البعض عبر ركيزة واحدة فقط. ويوافق على هذا الأمر كل من باتريك كيرخمان Patrick Kirchmann وشو لونغ يانغ Shuolong Yang وكلاهما من المخبر الوطني لمسرع SLAC في ولاية كاليفورنيا، وقد كانا عضوين في مجموعة البحث التي أثبتت في السنة الماضية الأساس الفونوني للموصلية الفائقة، التي يتمتع بها مركب CaC6. ويعتقد كل من كيرخمان ويانغ أن هذا البحث (بحث داماستشيلي)، ربما سيقود في نهاية المطاف إلى إنتاج وتصنيع أجهزة نانوية فائقة التوصيل وذات تداخل كمومي، ونقاط كمومية فائقة التوصيل تتكون من إلكترون واحد فقط.


ويتابع الباحثان حديثهما: "يجب أولاً تأكيد النتيجة من خلال رصد تأثيرين إضافيين هما انعدام المقاومة الكهربائية بشكل كامل في الغرافين، وطردها (أي الموصلية الفائقة) من قبل الحقول المغناطيسية الخارجية، أو ما يعرف باسم ظاهرة ميسنر Meissner effect، وذلك عن طريق تبريدها إلى ما دون درجة حرارة التحول". ويعلق كيرخمان على هذه الأمر بقوله: "إن هذه القياسات ضرورية لتأكيد حصول الموصلية الفائقة وتثبيت درجة حرارة التحول".


يقول داماستشيلي: "تنفيذ مثل هذه القياسات، يتطلب طريقة جديدة لتحضير الغرافين المشوب تسمح للمادة بالبقاء مستقرة في ظل الظروف المحيطة، مع إظهار الموصلية الفائقة مجهرياً". ويكمل داماستشيلي حديثه: "نحن ننظر إلى عناصر جديدة، وإلى أنظمة مركبة مختلفة من الركائز-الغرافين، وهي أنظمة قد تساعد على تثبيت ذرات التشويب في الغرافين المشوب".


تمكنت مجموعة أخرى من الباحثين، مؤلفة من هو يونغ لي Hyoyoung Lee وتوسون بارك Tuson Park وزملاء آخرين من جامعة سونغ كيون كوان في كوريا الجنوبية Sungkyunkwan University، من رصد الموصلية الفائقة في عينات تتكون من عدة طبقات من الغرافين تمت إضافة الليثيوم إليها، وقد سجلت المجموعة درجة حرارة التحول البالغة 7.4 كلفن، حيث تم الحصول عليها من خلال رصد ظاهرة ميسنر.


يقول كيرخمان: "تتضمن المرحلة التالية من البحث إثبات حصول الموصلية الفائقة في طبقة واحدة من الغرافين". وتم نشر نسخة مطبوعة من ورقة أبحاث دامسكيللي على موقع arXiv، كما تم أيضاً نشر نسخة مطبوعة من ورقة أبحاث (لي) على موقع arXiv.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات