نظام المغناطيس ذو ٩٠ تسلا في المختبر الوطني للحقول المغناطيسية المكثفة في تولوز، فرنسا
كشف فيزيائيون من خلال تجربة محكمة عن تفاصيل «النقطة الكمومية الحرجة» التي تؤسس الموصلية الفائقة مرتفعة درجة الحرارة. اندفعت طاقةٌ تُعادل عدَّة كيلوغرامات من المادة المتفجرة TNT في الوشيعة، فغمرت بلورةً تبلغ 0.003 قيراطًا موضوعة ضمن تجويف الوشيعة بأقوى حقل مغناطيسي استطاع الإنسان توليده.
يُحدِّثنا المهندس جيروم بيارد Jérôme Béard بأن دويًا صدر عن المغناطيس يُشبه صوت خبطة القدم، لكن ولحُسن الحظ لم يُرافقه أي انفجار. لقد تحققت حساباته.
تمكن الباحثون في المختبر الوطني للحقول المغناطيسية الشديدة (National Laboratory for Intense Magnetic Fields (LNCMI) في تولوز في فرنسا الشتاء الماضي من كشف اللثام عن خاصية محورية في البلورة، وهي مادةٌ سيراميكية سوداء داكنة من صنف المواد المُسمَّاة الكوبريتات cuprates إحدى أكثر المواد الموصلية الفائقة الواعدة. أعانهم على كشفهم الانفجار المغناطيسي وما تبعه من سلسلة الانفجارات المتتابعة والمتطابقة.
تُقدِّم هذه الاكتشافات التي نُشرت في مجلة Nature مفتاحًا رئيسيًا عن العوامل الداخلية للكوبريتات والذي يُمكن أن يُساعد العلماء على فهم الكيفية التي تسمح بها هذه المواد للكهرباء بالجرَيان عبرها بحرية دون أية إعاقة أو مقاومة وعند درجاتِ حرارة مرتفعة.
يُعبِّر الفيزيائي التجريبي سياموس دافيس J.C. Séamus Davis من جامعة كورنيل Cornell وجامعة سانت أندروز St. Andrews في اسكوتلاندا ومختبر بروكهافن Brookhaven الوطني والذي لم يُشارك في هذه التجربة عن إعجابه الشديد بهذا البحث، فيقول: "إنه مذهل، هذا البحث تُحفة".
استعمل فريق العلماء التجريبيون المغناطيس الذي يولد حقلًا تبلغ شدَّته 90 تسلا ما يعني أنه أقوى بمليوني مرة من الحقل المغناطيسي المحيط بالأرض. ويستطيع مثل هذا الحقل إبطال الموصلية الفائقة مؤقتًا في عينة الكوبريتات. ويكشف هذا الإبطال تفاصيل الطور الأساس الذي يبدو وكأن هذا السلوك – أي الموصلية الفائقة – ينتج عنه.
ومع رفع هذا الستار، استطاع العلماء اكتشاف تغير حاد في السلوك عند ما يُمكن اعتباره «نقطة حرجة كمومية» في الكوبريتات، الأمر الذي يُحيلنا إلى نقطة التجمُّد في الماء. لقد خمَّن منظِّرو الموصلية الفائقة ردَحًا من الزمن وجود مثل هذه النقطة الحرجة الكمومية وأنه يمكن أن تُسهمَ مُساهمة فاعلة في الموصلية الفائقة. لكن العالم النظري في المادة الكثيفة أندريه شوبوكوف Andrey Chubukov من جامعة مينيسوتا يُشير إلى الفارق الهائل بين أن تقول بوجود هذه النقطة وبين تحديدها.
الموصلية الفائقة هي الظاهرة التي تتدفق فيها الكهرباء دون مقاومةٍ أبدًا من المادة التي تنتقل عبرها، ما يعني عدم فقدان أي طاقة خلال عملية نقل الكهرباء. وتحصل حالة الموصلية الفائقة عندما تتَّحد الإلكترونات (وهي نواقل الكهرباء وتحمل شحنة سالبة) لتُشكِّل أزواجًا، ما يجعل خصائص هذين الإلكترونين المُشكِّلين للزوج تتوازن بطريقةٍ تسمح لهذه الأزواج جميعها بالانتقال بتوافق.
ولا تحدث هذه الحالة إلا عند طور دقيق محدَّد ويتحقَّق عندما تُبرَّد المادة إلى درجة متدنية جدًا. ويتحدَّث الخبراء بأنه لو أمكن جعل الأسلاك توصل الكهرباء في حالة الموصلية الفائقة لأسهم النقل غير الفاقد للطاقة في تخفيض الاستهلاك العالمي للطاقة، ولأسهم في تطوير تقانات أخرى مثل العربات السابحة في الهواء وأنظمة تنقية المياه الرخيصة.
القوة التي تدفع الموصلية الفائقة في الكوبريتات هي الأقوى. في عام 1986 اكتشف الباحثان من مختبرات IBM جورج بيدنورز George Bednorz وألكساندر موللر Alexander Müller اكتشافًا نالا بفضله جائزة نوبل في الفيزياء في العام التالي، فقد اكتشفا أن الكوبريتات تمتاز بالموصلية الفائقة عند درجات حرارة أعلى منها عند بقية المواد ما يوحي بأن إلكتروناتها تتزاوج بطريقة مختلفة وأقوى. ولكن ما تزال الكوبريتات تحتاج إلى التبريد حتى درجة حرارة 100- قبل أن تتحول إلى موصلات فائقة.
وينبغي تقوية الغراء اللاصق لأزواج الإلكترونات إذا ما أردنا رفع درجة الحرارة التي تكون عندها موصلاتٍ فائقة. وعلى مدى ثلاثين عامًا تساءل العلماء عن ماهية هذا الغراء، أو إذا ما أردنا الدقة ما هو التآثر (التفاعل المتبادل) الكمومي بين الإلكترونات الذي تنتُج عنه الموصلية الفائقة في الكوبريتات؟
وعلى الرغم من أن الكشف عن النقطة الحرجة الكمومية لا يجيبُ بشكل حاسم على ذلك السؤال، إلا أنه يوضح الصورة، حسبما يرى سوبير ساشديف Subir Sachdev الفيزيائي النظري المتخصص في المادة المتراصة في جامعة كاليفورنيا. ويُفضي هذا الكشف إلى عدَّة اقتراحات عن ماهية الغراء الذي يجمع الإلكترونين في زوجٍ في الكوبريتات. ويقول ساشيدف بأن هناك مرشَّحَين بارزَين لتفسير ما يحدث.
أحد هذين المرشحَين – لو ثبت وجوده – سيدخل المراجع في ميكانيكا الكمّ باعتباره ظاهرة كمومية جديدة تمامًا، مع ما تحمله من غرائبية للكثير من العلماء النظريين. ولكن لو ثبتت صحة التفسير الآخر، وهو تفسيرٌ أكثر تقليدية للموصلية الفائقة عالية درجة الحرارة، لتمكَّن العلماء فورًا من الإمساك بالمفتاح الذي يتحكَّم بتقوية أثر الغراء. وفي هذه الحالة يرى دايفس أن السعي للوصول إلى موصلات فائقة في درجة الحرارة العادية سيكون واضح المعالم.
تحت القبة
وضع بروست Proust وتايللفر Taillefer وزملاؤهم نصب أعينهم قبل ثمانية أعوام اقتفاء أثر والغوص إلى أعماق «مخطط الطور» للكوبريتات، وهو مخطط يُمثِّل خليط الأطوار الموجودة في المادة عند تغيُّر خصائصها.
الطرفان الأقصيان من المخطط مفهومان بشكلٍ جيِّد: على الطرف اليساري تُمثَّل بلورات الكوبريت الخالصة وهي عازلة، في حين أن الكوبريتات المُشابة بالمزيد من الإلكترونات أو الثقوب (وهي نقصٌ في الإلكترونات تبدو وكأنها جسيماتٌ موجبة) هي مُمثَّلة على الطرف اليميني، وتسلك سلوك المعادن (أي موصلة جيدة للكهرباء). يقول تايلليفير: "إن السؤال الجوهري هو كيفية تبدُّل حال المنظومة من العازلية إلى الموصلية". وتاه العلماء في خليط الأطوار التي تتشكَّل عند مراحل الإشابة الواقعة بين الحالتين السابقتين، بما في ذلك حالة الموصلية الفائقة التي تبثق فجأةً وتبرز على شكل قبة في مخطط الأطوار.
يُقدِّم لنا المخطط معلومةً مفيدة: يفصل الخط العلوي المائل إلى اليسار فوق قبة الموصلية الفائقة بين طوري المادة في درجات الحرارة العالية. وإذا ما مدَّدنا هذا الخط إلى الأسفل حيث القسم الخاص بحالة المادة في درجات الحرارة المنخفضة فإنه سيصل إلى أسفل قبة الموصلية الفائقة تمامًا عند نقطة المنتصف.
منذ فترةٍ طويلة والعلماء النظريون يشككون بأن تكون طبيعة هذه النقطة هي المفتاح الأساس في فهم الموصلية الفائقة، التي تظهر في المخطط وكأنها تشكِّل فقاعة حولها. منذ خمسة عشر عامًا بدأ تايلليفير وبروست، الذي كان وقتها باحثًا في مرحلة ما بعد الدكتوراه عند تايلليفير، بالتفكير حول كيفية دراسة هذه النقطة الحرجة المحتملة.
كانت المشكلة التي واجهتهم أن الطورين اللذين رصداهما عند درجات الحرارة العالية، واللذان يبدوان أنهما مُلزمان بالالتقاء في هذه النقطة عند درجة حرارة الصفر المطلق، يختفيان عندما تحلُّ الموصلية الفائقة. ولاستقصاء ما يحدث خلال الانتقال من طورٍ لآخر كان على الفريق إيجاد طريقةٍ لمنع الإلكترونات من تشكيل أزواج الموصلية الفائقة بجوار النقطة الحرجة.
احتاج العلماء لتحقيق ذلك مغناطيسًا ضخمًا؛ فالحقول المغناطيسية تخرِّب الموصلية الفائقة عن طريق تطبيق قوىً متعاكسة على كل إلكترون من الإلكترونين في كل زوجٍ من أزواج الموصلية الفائقة، ما يحطِّم الترابط بينهما. وعليه فكلما كان الترابط بين إلكتروني الزوج في الموصلية الفائقة أقوى كلما كانت أصعب في الكسر. وبحسب بروست فإن الحقل المغناطيسي اللازم لإبطال الموصلية الفائقة في الكوبريتات يجب أن يكون شديدًا جدًا.
المغناطيس العظيم
تتعلق شدَّة الحقول المغناطيسية بنوعية المادة المصنوعة منها، التي يجب أن تُقاوم القوى الميكانيكية الهائلة الناتجة عن التدفقات الهائلة للكهرباء.
يوَلِّد المغناطيس الموجود في مركز LNCMI في تولوز حقلًا تبلغ شدَّته 90 تسلا، ويعمل عن طريق شحن صفٍّ من 600 مكثِّفة (مواسعة) ومن ثمَّ تفريغها جميعًا في وشيعةٍ بحجم حاوية المهملات. الوشيعة مصنوعة من النحاس القوي جدًا والمُدَّعم بالزايلون Zylon، وهو ليفٌ اصطناعي بالغ القوة.
يولِّد طوفان التيار المتدفق لفترة 10 ميلي ثانية حقلًا مغناطيسيًا قويًا عبر فوهة الوشيعة. ويشرح بيارد بقوله: "كنا قادرين على توليد نبضةٍ طويلة جدًا تبلغ ضعفي النبضات المتولدة في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو، على الرغم من أن المغناطيس في لوس ألاموس يولّد حقلًا تبلغ شدَّته 100 تسلا، وهذا ما سمح لنا بإجراء قياسات أكثر دقة".
بعد أن بنى المهندسون المغناطيس، حضَّر مجموعة من العلماء في جامعة كولومبيا البريطانية عيِّنات من الكوبريتات المُسمَّاة أكسيد يتيريوم باريوم النحاس yttrium barium copper oxide. وأشابوا العينة بأربعة تراكيز مختلفة من الثقوب وتنتشر من أحد طرفي النقطة الحرجة المفترضة إلى الطرف الآخر. وعند تبريد العينات إلى 223 درجة تحت الصفر المئوي وتعريضها لنبضات مغناطيسية تُحطِّم الموصلية الفائقة مؤقتًا، قاس العلماء خاصيةً في المادة تُحدِّد عدد الثقوب المُساهمة في نقل التيار الكهربائي لكل ذرة. وفي العدة تزداد "كثافة النواقل" هذه تدريجيًا تابعًا للإشابة.
ولكن وعند النقطة الحرجة فإنه من المتوقع أن تتغيَّر فجأةً، مُدللةً على إعادة ترتيب تلقائي للإلكترونات في البلورة. وهذا ما قاسه العلماء: قفزة حادة تبلغ ستة أضعاف في كثافة النواقل عندما بلغت نسبة الإشابة 19 بالمئة، في الموقع المتوقع لوجود النقطة الحرجة.
يقول ديفيس، الذي وجد دليلًا غيرَ مباشر على وجود النقطة الحرجة عام 2014: "من الواضح وجود نقطةٍ حرجة خفية تمامًا حيث توقَّع تايلليفير. ويقودنا هذا بقوة إلى الأخذ بفكرة أن هناك تغيراً مفاجئاً في البنية الإلكترونية عند النقطة الحرجة".
نقطة حرجة كمومية
على خلاف نقطة التجمُّد في الماء، والتي نصل إليها عن طريق تبريد الماء أو تسخين الجليد، فإن النقطة الحرجة في الكوبريتات هي "نقطةٌ حرجةٌ كموميةٌ" أو هي نقطة توازن ما بين حالتين كموميتين متنافستين، عند درجة الصفر. الحالة الكمومية المُسيطرة في الطرف اليساري من النقطة الحرجة في مخطط الأطوار تفرض على الإلكترونات أن "تنتظم"، أو أن تترتب وفق نمطٍ معين.
أما الأثر الكمومي المُسيطر في الطرف اليميني يدفع الإلكترونات إلى التجوُّل بحرية. ولكن وعند اقتراب المنظومة من النقطة الحرجة سواءً من اليمين أم من اليسار، فإن قدر التنظيم في المنظومة سيبدأ بالرجحان بسبب التنافس ما بين الحالتين. ويُعتقد أن هذا الرجحان في الترتيب هو المسؤول عن الموصلية الفائقة في جوار النقطة الحرجة الكمومية. لكن يبقى السؤال: ما هو شكل الانتظام أو الترتيب؟
على مدى السنوات الخمس الماضية ظنَّ العلماء بأن نوع الانتظام هو ما يُعرف باسم أمواج كثافة الشحنة، والتي هي بشكلٍ أساسي تموجات ما بين مناطق الكثافة الزائدة وبين مناطق الكثافة المنخفضة للإلكترونات. لكن التجربة الجديدة إضافةً للاكتشافات الحديثة لمجموعة دايفيس البحثية تُشير إلى أن أمواج كثافة الشحنة تتخامد عند مستويات الإشابة المنخفضة بعيدًا جدًا إلى يسار النقطة الحرجة الكمومية. وعليه يبقى لدينا حاليًا احتمالان.
الخيار الأكثر تقليدية تقدَّم به دايفيس بينس David Pines ودوغلاس سكالابينو Douglas Scalapino وآخرون من العلماء النظريين، ويرى أن المغناطيسية الحديدية العكسية antiferromagnetism وهي نوع من التنظيم تُبدِّل فيه الإلكترونات في اتجاه السبين بنمطٍ مُشابهٍ للوح الشطرنج، أي سيكون أحدها موجهًا للأعلى والآخر للأسفل بالتتابع.
تتسبب الترجُّحات في هذا النمط المُشابه للوحة الشطرنج بالقرب من النقطة الحرجة الكمومية بانجذاب كل إلكترون إلى جاره المعاكس باتجاه السبين فيتشكَّل زوجٌ ما يُسبب نشوء الموصلية الفائقة. وتدعم العديد من الأدلة غير المباشرة فرضية المغنطيسية الحديدية العكسية. وبحسب تشوبوكوف فإن الاكتشاف الأخير هو "الحلقة المفقودة" في التفسير وفق المغناطيسية الحديدية العكسية لأنها تتنبَّأ بمثل هذا النمط عند عددٍ من النقاط الكمومية.
ولكن لو كانت المغناطيسية الحديدية العكسية الصريحة هي الجواب لتمكن الفيزيائيون من حلِّ هذه القضية منذ عقود. غير أن العلماء التجريبيين حاولوا مرارًا وتكرارًا ولوقتٍ طويل وباءت محاولاتهم بالفشل في الكشف عن نمط المغانطيسية الحديدية العكسية في المنطقة الواقعة إلى أعلى يسار قبة الموصلية الفائقة، وهي المنطقة المفترض أنها في الطور المنتظم إلى الطرف اليساري من النقطة الحرجة الكمومية.
ويشرح ستيفين جوليان Stephen Julian الفيزيائي التجريبي المتخصص بفيزياء المادة المتراصة في جامعة تورونتو Toronto بقوله: "المشكلة في الكوبريتات أنها لا تحتوي على انتظامٍ طويل المدى فلا يستطيع أحد إيجاده". ولهذا عندما أُجريت التجارب للبحث عن نمط رقعة الشطرنج لم يتمكن العلماء من رؤيته.
يستند المؤيدون لنظرية المغناطيسية الحديدية العكسية إلى نقطة أن البنية البلورية للكوبريتات بُنية متراصة تتكون من طبقات ثنائية البُعد، وفي العام 1975 أشارت النظرية المعروفة باسم مِرمين–فاجنر Mermin-Wagner إلى أنه لا يمكن نشوء مناطق طويلة المدى من انتظام المغناطيسية الحديدية العكسية في الطبقات ثُنائية البعد عند درجات حرارة غير درجة الصفر.
وبدلًا عن ذلك يمكن أن تتشكَّل لطخٌ من الانتظام، ولا يمكن لهذا اللُّطخ أن تُكتشف وفق التقنيات التجريبية المعاصرة. ويضيف أنصار المغناطيسية الحديدية العكسية إلى أنها لا تظهر إلا عند درجات الحرارة المنخفضة. والعقبة في المغناطيسية الحديدية العكسية أن الطور الذي يُولدها (أي الموصلية الفائقة) يطمسها ولهذا ما تزال غير قابلةٍ للرصد.
لكن هناك من لا يرى أن لنظرية مِرمين – فاغنر علاقةً بهذه الحالة. فقد أشار دايفيس إلى اكتشاف انتظام المغناطيسية الحديدية العكسية في الكوبريتات غير المُشابة، التي لها البنية ثنائية البعد عينها. وقد قاد عدم رؤية انتظام المغناطيسية الحديدية العكسية قرب النقطة الحرجة الكمومية حتى الآن بعض الباحثين إلى التخلي عن هذه الفكرة وتبني نظرية أكثر غرابة سبق ووضعها ساشديف وتدور حول المبادئ التي قدَّمها في الثمانينيات من القرن العشرين فيليب أندرسون Philip Anderson الحائز على جائزة نوبل وأحد مؤسسي فيزياء المادة المتراصة.
يفترض ساشديف وجود نوع من الانتظام في الكوبريتات غير موجودٍ في غيرها من المواد. في هذا النوع من الانتظام تُكِّون الإلكترونات مركباتٍ ذوات قيمة كسرية للسبين وللشحنة. ويؤكِّد ساشديف أن بواقي هذا الانتظام، الذي أسماه بحالة سائل فيرمي الكسوري ورمز له بالرمز FL، يُشكِّل البشارة بالموصلية الفائقة عالية درجة الحرارة.
سيتطلَّب تحديد ما إذا كانت النقطة الكمومية الحرجة المكتشفة حديثًا مرتبطةً بالمغناطيسية الحديدية العكسية أو غيرها من الأشياء غير العادية مثل FL مغانط قويةً. وتجري حاليًا التجارب للبحث عن نمط رقعة الشطرنج الناتج عن انتظام المغناطيسية الحديدية العكسية عند درجات الحرارة المنخفضة، وتستعين بنبضاتٍ مغناطيسية لإبطال أثر الموصلية الفائقة التي تنشأ عندها. ويقول تايلليفير: "جميع هذه الأشياء ستحدث الآن. وتبدو أكثر شبهًا بالمغناطيسية الحديدية العكسية عند النقطة الحرجة، وهذا هو السؤال الذي نَوَدُّ الإجابة عنه".
لو تبيَّن أن المغناطيسية الحديدية العكسية هي ما يربط بين الإلكترونات المتزاوجة، لركَّز النظريون أنظارهم فورًا على معرفة لماذا يكون هذا الغراء أقوى في هذه المواد منه في المواد الأخرى، على أمل معرفة كيفية تعزيزه وتقويته فيها. ومن ناحيةٍ أخرى فإن سائل فيرمي الكسوري FL سيزود العلماء النظريين بمجموعة من الأدوات دفعةً واحدة. وفي كلا الحالتين فإن الكثير من العلماء متفائلون بأنهم على الطريق الصحيح المفضي إلى رفع درجة الحرارة التي تعمل عندها الموصلات الفائقة.
ويرى جوليان أن أحدًا لا يعتقد بوجود قيد جوهري يحول دون أن نصل إلى الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة، والجدل هو حول كم سنستغرق من الزمن حتى نُحقق ذلك. فالبعض يظن أننا قاب قوسين أو أدنى، في حين أن البعض الآخر يرى أن الأمر سيستغرق دهرًا من الزمن.