بعد 80 عاماً علماء يكتشفون الطريقة لتحويل الضوء إلى مادة

اكتشف فيزيائيون في الكلية الملكية في لندن طريقة لإنتاج المادة من الضوء -وهو عمل اعتقد أنه مستحيل عند طرح النظرية قبل 80 سنة.

في يوم واحد وبعد عددٍ من أكواب القهوة وفي مكتب صغير في مختبر بلاكت Blackett في الكلية الملكية، توصل ثلاثة فيزيائيين إلى طريقة بسيطة نسبياً لإثبات فيزيائي لنظرية تم طرحها لأول مرة من قبل العالمين بريت Breit وويلر Wheeler في عام 1934.

اقترح بريت وويلر أنه من الممكن تحويل الضوء إلى مادة عن طريق سحق فوتونين مع بعضهما لإنتاج إلكترون وبوزترون - وهذه أبسط طريقة تم التنبؤ بها مطلقاً لتحويل الضوء إلى مادة. تم إثبات العملية الحسابية نظرياً، لكن قال بريت و ويلر أنهما لم يتوقعا من أي شخص أن يثبت تنبؤهما فيزيائياً: فلم يتم رصده سابقاً في المختبر وتطلبت التجارب السابقة لاختباره أجساماً إضافية فائقة الكتلة وعالية الطاقة.

البحث الجديد والذي نشر في مجلة ناتشر فوتونك Nature Photonics يظهر ولأول مرة كيف أن نظرية بريت وويلر يمكن إثباتها تجريبياً. إن مصادم الفوتونات (photon-photon collider) سيقوم بتحويل الضوء بشكل مباشر إلى مادة باستخدام تكنولوجيا متاحة حالياً، وسيُعد نوعاً جديداً من التجارب الفيزيائية عالية الطاقة. هذه التجربة ستقوم بإعادة خلق عمليات مهمة حصلت في أول 100 ثانية من عمر الكون والتي يمكن مشاهدتها أيضاً في انفجارات أشعة جاما التي تعتبر أكبر الانفجارات في الكون وأحد أعظم ألغاز الفيزياء غير المحلولة.

كان العلماء يدرسون مشاكل غير مرتبطة بهذا البحث وإنما تخص مواضيع تتعلق بطاقة الاندماج عندما أدركوا بأن ما يعملون عليه يمكن أن يطبق على نظرية بريت وويلر. وتم إنجاز هذا البحث بالتعاون مع زميل في الفيزياء النظرية من معهد ماكس بلانك Max Planck للفيزياء النووية، والذي صادف أن يكون في زيارة للكلية الملكية آنذاك.

هذه الصورة تظهر نظريات تبين تفاعل المادة والضوء. Credit: Oliver Pike, Imperial College London
هذه الصورة تظهر نظريات تبين تفاعل المادة والضوء. Credit: Oliver Pike, Imperial College London

 

برهنة نظرية بريت وويلر من شأنها أن تثبت آخر جزءٍ دراميٍ من لغز الفيزياء الذي يبين أبسط الطرق الممكنة للتفاعل بين الضوء والمادة  الأجزاء الستة الأخرى من ذلك اللغز، والتي تشمل نظرية ديراك Dirac عام 1930: وهي نظرية حول إفناء الإلكترونات والبوزترونات، ونظرية آينشتاين عام 1905 عن التأثير الكهروضوئي، كلها مرتبطة بأبحاث حازت على جائزة نوبل.


يقول البروفيسور ستيف روز Steve Rose من قسم الفيزياء في الكلية الملكية: "بالرغم من أن كل الفيزيائيين قبلوا النظرية، فقد قال بريت و ويلر عندما قدما النظرية بأنها لا يتوقعان أن يتم إثباتها في المختبر. اليوم وبعد 80 سنة تقريبًا أثبتنا أنهم كانوا مخطئين. وما كان مفاجئاً جداً لنا هو اكتشاف كيفية خلق مادة بشكل مباشر من الضوء باستعمال تكنولوجيا نملكها في المملكة المتحدة اليوم. ونحن كفيزيائيين نظريين نتكلم الآن مع من يستطيع استعمال أفكارنا لإجراء هذه التجربة التاريخية".

تجربة المصادم التي قدمها العلماء تتضمن خطوتين مفتاحيتين. أولاً، سيقوم العلماء باستخدام ليزر فائق القوة عالي الكثافة لتسريع الإلكترونات لسرعة أقل بقليل من سرعة الضوء. ثم سيطلقون هذه الإلكترونات باتجاه لوح مصنوع من الذهب لخلق شعاع من الفوتونات طاقتها أكبر من طاقة الضوء المرئي بمليار ضعف.


الخطوة التالية من التجربة تتضمن علبة صغيرة مصنوعة من الذهب اسمها هولراوم hohlraum-وهي كلمة ألمانية تعني الغرفة الفارغة. العلماء سيطلقون ليزراً عالي الطاقة على السطح الداخلي للعلبة الذهبية لخلق حقل شعاع حراري، مولداً ضوءاً مماثلاً للضوء المنبعث من النجوم.

ثم سيقومون بتوجيه شعاع الفوتونات من المرحلة الأولى للتجربة عبر مركز العلبة، جاعلين الفوتونات الآتية من المصدرين تصطدم مع بعضها لتشكل إلكترونات وبوزترونات. وبعد ذلك سيكون من الممكن تحديد تكون البروتونات والبوزترونات عندما تخرج من العلبة.

يقول أوليفر بايك Oliver Pike الباحث الرئيسي والذي يكمل حالياً بحث الدكتوراه خاصته في فيزياء البلازما: "بالرغم من أن النظرية بسيطة من الناحية النظرية، كان من الصعب تأكيدها تجريبياً. كان بمقدورنا أن نطور فكرة لمصادم سريع جداً، لكن التصميم التجريبي الذي قدمناه يمكن أن ينفذ بسهولة نسبية وبالتكنولوجيا الموجودة. خلال عدة ساعات من البحث عن تطبيقات للهولراوم (hohlraum ) خارج دورها التقليدي في مجال الأبحاث المتعلقة بطاقة الاندماج، ذهلنا باكتشاف أن هذه الأبحاث قد وفرت الشروط المثالية لصناعة مصادم فوتونات.. لقد بدأ السباق لتنفيذ وإكمال هذه التجربة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات