شكل القمر يتغير والسبب: جاذبية الأرض

يُعد المنحدر الصدعي المفصص البارز والموجود في عنقود فيتيلّو Vitello Cluster واحداً من آلاف المنحدرات التي اكتشفت من خلال صور كاميرا المستكشف المداري القمري. وتُظهر التضاريس التي تم الحصول عليها من الصور المُجسّمة المُلتقطة بواسطة الكاميرا ضيقة الزاوية Narrow Angle Camera على متن المستكشف المداري القمري، فوهةً مُتآكلة كانت قد رُفعت للأعلى عندما تشكّل المنحدر الصدعي (يُشير اللون الأزرق إلى الارتفاعات المنخفضة، بينما يُشير اللون الأحمر إلى الارتفاعات العالية). وقد اصطفت الصخور الموجودة داخل الفوهة في صفوف موازية لاتجاه المنحدر الصدعي.


حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان


تُؤثر جاذبية الأرض على اتجاه آلاف الصدوع الموجودة على سطح القمر في الوقت الذي يتقلّص فيه حجم قمرنا، حسب ما أفادت به نتائج حديثة حصلت عليها مركبة الفضاء المعروفة باسم المستكشف المداري القمري Lunar Reconnaissance Orbiter، أو اختصاراً (LRO) التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا.

أعلن باحثون بتاريخ 10 أغسطس/آب من عام 2010 عن اكتشافهم 14 مُنحدراً تُعرف باسم "الصدوع المفصّصة" (lobate scarps) على سطح القمر وذلك باستخدام الكاميرا ضيقة الزاوية Narrow Angle Camera، أو اختصاراً (NAC) الموجودة على متن مركبة الفضاء المعروفة باسم المستكشف المداري القمري Lunar Reconnaissance Orbiter، أو اختصاراً (LRO)، بالإضافة إلى 70 صدعاً سابقاً تم التعرّف عليها من الصور المحدودة وعالية الدقة التي التقطتها الكاميرا البانورامية الموجودة على متن المركبة الفضائية أبولو. ونظراً لتوزع هذه الصدوع بشكل عشوائي على سطح القمر، فقد استنتج فريق العلماء أن القمر في حالة تقلّص.

تُعد قوى الجاذبية التي تمتلكها الشمس والقمر مسؤولة عن إحداث ظاهرتي المد والجزر على كوكب الأرض. كما تُمارس جاذبية الأرض تأثيرها على القمر عن طريق إحداث مدٍ وجزرٍ يُؤثران بشكل رئيسي على مادة القمر نفسها، ما ينتج عنه تغيّرات في شكله. يبتعد القمر تدريجياً وببطء عن الأرض، بينما تتنامى قوى الجاذبية مع تناقص الأثر المدّي على القمر بفعل زيادة المسافة بينه وبين الأرض، كما تتباطأ سرعة دورانه مع مرور الزمن. ولقد أثّرت هذه القوى المدية جنباً إلى جنب مع تقلّص حجم القمر بسبب تبريد مركزه، على نمط اتجاهات شبكة الحواف الصدعية حديثة التشكل الموجودة على سطحه.  حقوق الصورة: ناسا/ المستكشف المداري القمري / جامعة ولاية أريزونا/ مؤسسة سميثسونيان.
تُعد قوى الجاذبية التي تمتلكها الشمس والقمر مسؤولة عن إحداث ظاهرتي المد والجزر على كوكب الأرض. كما تُمارس جاذبية الأرض تأثيرها على القمر عن طريق إحداث مدٍ وجزرٍ يُؤثران بشكل رئيسي على مادة القمر نفسها، ما ينتج عنه تغيّرات في شكله. يبتعد القمر تدريجياً وببطء عن الأرض، بينما تتنامى قوى الجاذبية مع تناقص الأثر المدّي على القمر بفعل زيادة المسافة بينه وبين الأرض، كما تتباطأ سرعة دورانه مع مرور الزمن. ولقد أثّرت هذه القوى المدية جنباً إلى جنب مع تقلّص حجم القمر بسبب تبريد مركزه، على نمط اتجاهات شبكة الحواف الصدعية حديثة التشكل الموجودة على سطحه. حقوق الصورة: ناسا/ المستكشف المداري القمري / جامعة ولاية أريزونا/ مؤسسة سميثسونيان.


لا يتجاوز طول هذه الصدوع 6.2 ميلاً (10 كيلومترات) وترتفع لمسافة لا تزيد عن بضع عشراتٍ من الياردات أو الأمتار. ويُحتمل أنها تشكّلت بسبب التقلص الشامل للقمر والناتج عن انخفاض درجة حرارة قلب القمر الساخن. ذلك أنه مع انخفاض درجة حرارة باطن القمر وتحوّل أجزاءٍ من القلب الخارجي السائل إلى الحالة الصلبة، يقل حجم هذا القلب بشكل عام ما يُؤدي إلى تقلص القمر وبالتالي التواء القشرة الخارجية.


الآن، وبعد حوالي ست سنوات من الدوران حول القمر، قامت كاميرا المستكشف المداري القمري Lunar Reconnaissance Orbiter Camera، أو اختصاراً (LROC) بالتقاط صور لحوالي ثلاثة أرباع السطح القمري وبدقة عالية، ما سمح للعلماء باكتشاف أكثر من 3 آلاف من هذه التضاريس. تُعتبر هذه الصدوع الموزعة على معظم مساحة القمر من أكثر أشكال التضاريس التكتونية شيوعاً على سطح القمر. لقد أدت عملية تحليل اتجاهات هذه الصدوع الصغيرة إلى الحصول على نتيجة مفاجئة مفادها أن هذه الصدوع التي نشأت جراء عملية تقلّص القمر قد تأثرت بمصدر غير مُتوقع، ألا وهو القوى المدّية الثقالية الآتية من كوكب الأرض.


أظهرت الصور التي التقطتها كاميرا المستكشف المداري القمري Reconnaissance Orbiter Camera آلاف المنحدرات الصدعية المفصصة والدفعية حديثة التشكّل. تُشبه المنحدرات المفصصة الظاهرة في هذه الصورة عتبات أو درج ضمن هذا المشهد المُتشكّل نتيجة اندفاع مواد القشرة معاً وتحطمها ومن ثم انطلاقها باتجاه الأعلى على طول الصدع مُشكّلة جُرفاً صخرياً. تُؤدي عملية تبريد باطن القمر الساخن إلى حدوث تقلّص في حجم القمر نفسه، لكن نمط اتجاهات هذه المنحدرات الصدعية يُشير إلى أن القوى المدّية تلعب دوراً مهماً في تشكّل الصدوع حديثة التشكّل. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان
أظهرت الصور التي التقطتها كاميرا المستكشف المداري القمري Reconnaissance Orbiter Camera آلاف المنحدرات الصدعية المفصصة والدفعية حديثة التشكّل. تُشبه المنحدرات المفصصة الظاهرة في هذه الصورة عتبات أو درج ضمن هذا المشهد المُتشكّل نتيجة اندفاع مواد القشرة معاً وتحطمها ومن ثم انطلاقها باتجاه الأعلى على طول الصدع مُشكّلة جُرفاً صخرياً. تُؤدي عملية تبريد باطن القمر الساخن إلى حدوث تقلّص في حجم القمر نفسه، لكن نمط اتجاهات هذه المنحدرات الصدعية يُشير إلى أن القوى المدّية تلعب دوراً مهماً في تشكّل الصدوع حديثة التشكّل. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان


إن عملية التقلص الشاملة قادرة لوحدها على توليد سلسلة من صدوع الدسر (thrust faults) من دون أن يكون لها أي نمطٍ مُحدد فيما يتعلق باتجاهات تلك الصدوع، وذلك لأن قوى التقلّص هذه متساوية في المقدار في جميع الاتجاهات. وتعليقاً على هذا الأمر يقول ثوماس واترز Thomas Watters، أحد علماء مؤسسة سميثسونيان من متحف الطيران والفضاء الوطني في واشنطن: ''ليس هذا ما وجدناه. فقد تبيّن أن هناك نمطاً في اتجاهات آلاف الصدوع هناك، ما يدل على أن هناك شيئاً آخر يُؤثر على تشكّلها، شيءٌ يُؤثر على القمر بكامله يُحرك هذه الصدوع ويُعيد تنظيمها''. واترز هو أحد المؤلفين الرئيسيين للورقة التي تصف هذا البحث والمنشورة في نسخة شهر أكتوبر/تشرين الأول من مجلة جيولوجي Geology.

أما القوى الأخرى التي تُؤثر على القمر، فإنها لا تأتي من باطنه بل من الأرض نفسها، ويُطلق عليها اسم القوى المدّية (tidal forces). عندما تفرض القوى المدّية نفسها على عملية التقلّص الشامل للقمر، تُؤدي جميع تلك الضغوطات المجتمعة إلى اتخاد الصدوع اتجاهات يمكن التنبؤ بها من منطقة لأخرى. وحول هذا يقول واترز: "التطابق الذي رأيناه بين اتجاهات الصدوع التي سجلناها وتلك التي تنبأت بها القوى المدّية والتقلصية المُنمذجة مذهل''.


تُظهر هذه الخريطة مواقع أكثر من 3200 منحدرٍ صدعي مفصص اندفاعي (وهي الظاهرة بالخطوط الحمراء) على سطح القمر. أما الأسهم السوداء المزدوجة، فهي تُظهر متوسط اتجاهات هذه المنحدرات الفصية والتي تم رصدها في مناطق ذات خط طول 40 درجة وخط عرض 20 درجة، مقاسة بناءً على الطول الكلي للمنحدرات الصدعية الظاهرة في تلك المناطق المُختارة. ويشير نمط الأسهم المزدوجة (أسهم الاتجاهات) إلى أن المنحدرات الصدعية لا تملك اتجاهات عشوائية كما قد نتوقعه في حال كانت القوى التي شكلتها ناتجة عن عملية التقلص الشامل وحدها. تظهر وحدات حجر البازلت باللون الحنطي. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان
تُظهر هذه الخريطة مواقع أكثر من 3200 منحدرٍ صدعي مفصص اندفاعي (وهي الظاهرة بالخطوط الحمراء) على سطح القمر. أما الأسهم السوداء المزدوجة، فهي تُظهر متوسط اتجاهات هذه المنحدرات الفصية والتي تم رصدها في مناطق ذات خط طول 40 درجة وخط عرض 20 درجة، مقاسة بناءً على الطول الكلي للمنحدرات الصدعية الظاهرة في تلك المناطق المُختارة. ويشير نمط الأسهم المزدوجة (أسهم الاتجاهات) إلى أن المنحدرات الصدعية لا تملك اتجاهات عشوائية كما قد نتوقعه في حال كانت القوى التي شكلتها ناتجة عن عملية التقلص الشامل وحدها. تظهر وحدات حجر البازلت باللون الحنطي. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان

كما قال مارك روبنسون Mark Robinson من جامعة ولاية أريزونا والمؤلف المشارك والباحث الرئيسي: "إن اكتشاف ذلك العدد الكبير من التضاريس التكتونية التي لم تُرصد من قبل لهو أمر مُذهل، خصوصاً مع تطوير قدرات التصوير عالي الدقة الذي تتمتع به كاميرا المستكشف المداري القمري. ولقد شككنا في بداية المهمة أن القوى المدّية تلعب دوراً في تشكّل التضاريس التكتونية، لكن لم يكن بمقدورنا تنفيذ تغطية كافية لهذا الأمر، لذا لم نكن قادرين على حسم الموضوع. أما الآن، وبما أننا نملك هذه الصور بإضاءة مناسبة تغطي أكثر من نصف القمر، يمكن رؤية الأنماط البنيوية على سطحه بوضوح."


هذه المنحدرات الصدعية هي حديثة التشكّل لدرجة أنها ربما لا تزال تتشكّل إلى يومنا هذا. وقد أظهرت النماذج التي أعدها الفريق لهذه الصدوع أن القمر يصل إلى ذروة الضغوط الممارسة عليه عندما يكون في أبعد نقطة له عن الأرض في مداره حولها (نقطة الأوج) (apogee). وإذا ما زالت الصدوع نشطة، فإن حدوث الهزات القمرية الضحلة المرتبطة بعمليات الانزلاق الحاصلة عند الصدوع قد يكون أكثر شيوعاً عندما يتواجد القمر عند نقطة الأوج. يمكن اختبار هذه الفرضية من خلال شبكة قياس زلازل قمرية ذات عمر تشغيلي طويل نسبياً.


يظهر في الصورة الأولى (أعلاه) والصورة الثانية (أدناه) أحد المنحدرات الصدعية المفصصة البارزة في عنقود فيتيلّو، وهو واحد من آلاف المنحدرات الصدعية المُكتشفة في صور كاميرا المستكشف المداري القمري. في الصورة الثانية، وُضعت الصورة المُلتقطة بواسطة الكاميرا ضيقة الزاوية فوق التضاريس التي تم الحصول عليها من الصور المُجسّمة الخاصة بهذه الأخيرة. رُفعت فوهة مُتآكلة للأعلى عندما تشكّل المنحدر الصدعي. وقد اصطفت الصخور الموجودة داخل الفوهة في صفوف موازية لاتجاه المنحدر الصدعي. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان
يظهر في الصورة الأولى (أعلاه) والصورة الثانية (أدناه) أحد المنحدرات الصدعية المفصصة البارزة في عنقود فيتيلّو، وهو واحد من آلاف المنحدرات الصدعية المُكتشفة في صور كاميرا المستكشف المداري القمري. في الصورة الثانية، وُضعت الصورة المُلتقطة بواسطة الكاميرا ضيقة الزاوية فوق التضاريس التي تم الحصول عليها من الصور المُجسّمة الخاصة بهذه الأخيرة. رُفعت فوهة مُتآكلة للأعلى عندما تشكّل المنحدر الصدعي. وقد اصطفت الصخور الموجودة داخل الفوهة في صفوف موازية لاتجاه المنحدر الصدعي. حقوق الصورة: ناسا/المستكشف المداري القمري/جامعة ولاية أريزونا/مؤسسة سميثسونيان


يقول جون كيلير John Keller، أحد علماء مشروع المستكشف المداري القمري في مركز غودارد لرحلات الفضاء Goddard Space Flight Center التابع لوكالة ناسا في غرين بيلت، ماريلاند: "باستخدام المستكشف المداري القمري، تمكنّا من دراسة القمر شاملاً وبالتفصيل بشكل لا يمكننا إنجازه بعد في أي جرم سماوي آخر من المجموعة الشمسية. كما تُمكننا بيانات المستكشف المداري القمري من استخلاص معلومات حول العمليات الصغيرة والمهمة التي تجري وراء الكواليس على سطح القمر."

منذ إطلاقه في 18 يونيو/حزيران 2009، تمكن المستكشف المداري القمري من جمع كنز حقيقي يتمثل في كم هائل من البيانات باستخدام أدواته السبع القوية، وقد ساهم بذلك بشكل كبير في زيادة معرفتنا العلمية حول القمر. يتولى مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في غرين بيلت، ماريلاند إدارة المستكشف المداري القمري ضمن برنامج ديسكفري Discovery Program والذي يُديره مركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لناسا في هانتسفيل NASA's Marshall Space Flight Center لصالح مديرية المهام العلمية في مقر وكالة ناسا Science Mission Directorate at NASA Headquarters في واشنطن العاصمة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأوج (apogee): هي النقطة في مدار قمر صناعي حيث يكون أبعد ما يمكن عن الأرض، عكس الحضيض.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات