يُعد الحصول على ليزر بألوان نقيّة وأحاديّة طول الموجة وغير مكلف أمراً بغاية الأهمية بالنسبة للكثير من التطبيقات العملية انطلاقاً من أجهزة تشغيل الـ DVD وصولاً إلى الجراحة الطبية وقصّ المعادن. ويُوضح هذا المقال كيفية الاستفادة من طرق زراعة وإنماء الأسلاك النانوية للحصول على هذه الليزرات.
خذ مادة هي محطّ اهتمام السّعي نحو الحصول على الخلايا الشمسية المتطورة، واكتشف تقنية "مستوى الكيمياء الابتدائية" اللازمة من أجل إنماء تلك المادة إلى ليزرات فائقة الصغر وعالية الفعاليّة، هي نتيجة بحث نُشر في مجلة Nature Materials، حيث توصل الباحثون إلى الحصول على ليزرات عالية الفعاليّة وقادرة على خلق العديد من ألوان الضوء.
ويجعل ذلك الأمر من تلك الليزرات الصغيرة مناسبة من أجل الالكترونيات البصريّة الصغيرة (miniature optoelectronics)، والحواسيب والحسّاسات. يقول سونغ جين (Song Jin)، وهو بروفسور الكيمياء في جامعة ويسكنسون-ماديسون: "نعمل مع صنف من المواد المذهلة والمعروفة بالبيروفسكايت العضوية-اللاعضوية الهجينة التي تلفت الانتباه الآن في مجال الخلايا الشمسية عالية الفعالية والتي يُمكن صناعتها عبر عمليات الحلوليّة".
ويتابع جين: "في الوقت الذي يقوم فيه معظم الباحثون بصناعة هذه المركبات البيروفسكايت على شكل أفلام رقيقة بغرض استخدامها في تصنيع الخلايا الشمسية، طوّرنا طريقة بسيطة جداً لإنمائها على طول بلورات متطاولة وواعدة جداً بالنسبة لمجالات الليزر".
يتراوح طول البلورات مستطيلة الشكل التي تمَّ إنماؤها في مختبر جين بين 10 إلى 100 جزء من المليون المتر وعرضها يصل إلى 400 جزء من المليار من المتر (نانومتر). ولأن مقطعها العرضي له حجم من رتبة النانومتر، تُدعى هذه البلورات بالأسلاك النانوية (nanowires). تقنية الإنماء الجديدة هذه تتخلص من التجهيزات المعقدة والمكلفة واللازمة لصناعة الليزرات التقليدية وفقاً لجين الخبير في مجال إنماء البلورات وتصنيع المواد النانوية (nanomaterial).
يقول جين إنّ إنماء الأسلاك النانوية احتاج إلى حوالي 20 ساعة حالما تُغطّى الصفيحة الزجاجية بوسيط صلب يُغمر في المادّة الحالّة للوسيط الثاني. ويتابع جين: "لا وجود للحرارة، ولا للفراغ، ولا لمعدّات خاصة. إنّها تنمو في فنجان على مقعد المختبر".
ويشرح قائلاً: "تتمتع عملية نمو أسلاك البيروفسكايت النانوية وأحادية البلورة انطلاقاً من محاليل موجودة عند درجة حرارة الغرفة بنوعية عالية جداً، وبالكاد يُوجد عيوب قابلة للكشف، وهي تمتلك الجوانب العاكسة والمتوازية التي يحتاجها الليزر. وأكثر اهمية من ذلك ووفقاً للقياسات التقليدية لنوعية الليزر وفعاليته، تُعتبر هذه الأسلاك النانوية استثنائية بشكلٍ كبير".
عندم تمَّ اختبارها في المختبر من قبل جين ومتعاون معه هو شاويان زو (Xiaoyang Zhu) من جامعة كولومبيا، وصلت فعالية الليزرات إلى 100% تقريباً. وتقريباً أنتج كل فوتون تمَّ امتصاصه فوتون ليزرياً. ويشرح زو: "ميزة ليزرات الأسلاك النانوية هذه أنّها أكثر فعاليّة بكثير مقارنةً مع تلك الموجودة، فهي تفوقها من حيث القدرة بمرتبة واحدة على الأقل".
الليزرات هي أجهزة تُقدّم ضوء بلون نقيّ ومتماسك عندما يتم تحفيزها بالطاقة. وتعني كلمة التماسك هنا أن الأمواج الضوئية تتحرك بشكلٍ متزامن مع وجود كل من نقاطها المنخفضة والمرتفعة في المكان نفسه. يُقدّم كل من التماسك واللون النقي أحادي طول الموجة ليزرات بخواص قيمة جداً، وتُستخدم في كل مكان انطلاقاً من أجهزة تشغيل أقراص الـ DVD، والاتصالات البصرية، ووصولاً إلى الجراحة وقطع المعادن.
تتمتع ليزرات الأسلاك النانوية بقدرة كامنة على تعزيز الفعالية وتصغير حجم الأجهزة، ويُمكن استخدامها في الأجهزة التي تدمج التكنولوجيا البصرية والالكترونية من أجل الحساب، والاتصالات والحساسات. ويقول جين: "ببساطة، إنّها أصغر وأفضل ليزرات الأسلاك النانوية التي تحقق كل المعايير الخاصة بالأداء، حتى عند مقارنتها من المواد التي يتم إنماؤها عند درجات حرارة عالية وفراغ مرتفع. البيروفسكايت مادة جيدة جداً بالنسبة لليزر، لكن عندما نقوم بإنمائها داخل بلورات عالية النوعية وبوجود حجم وشكل مناسبين، تُصبح ساطعة جداً".
الأمر المثير في القصة هو أنّه عند تبديل وتغيير وصفة الإنماء للأسلاك النانوية، فإنّ ذلك يؤدي إلى سلسلة من الليزرات التي تُصدر طول موجي محدد في الكثير من مناطق الطيف البصري. قبل أن تصبح هذه ليزرات الأسلاك النانوية متاحة للتطبيقات العملية، يقول جين أنه يجب تحسين استقرارها الكيميائي. ومن المهم جداً أيضاً إيجاد طريقة لتحفيز الليزر بالاعتماد على الكهرباء بدلاً من الضوء، وهو ما تمَّ البرهان على صحته مؤخراً.