ما دور التغير المناخي في زيادة درجة حرارة البحيرات؟

تم استخدام مجموعة من بيانات الأقمار الصناعية وقياسات الأجهزة الأرضية مثل هذه العوّامة المُجهزة والموجودة في بحيرة تاهو على الحدود بين ولايتي كاليفورنيا ونيفادا، بهدف تقديم دراسة وافية حول تغير درجات حرارة البحيرات حول العالم. العوّامة الظاهرة في الصورة تقوم بقياس درجة حرارة المياه فوق وتحت سطح البحيرة.

المصدر: Limnotech


أظهرت دراسة جديدة تم تمويلها بالتعاون بين وكالة ناسا ومؤسسة العلوم الوطنية وشملت أكثر من نصف مصادرالمياه العذبة في العالم، أن التغيرات المناخية تؤدي إلى زيادة سريعة في درجات حرارة البحيرات حول العالم، الأمر الذي يشكل تهديداً جدياً لمصادر المياه العذبة والنُّظم البيئية.

وتُعتبر هذه الدراسة الأكبر من نوعها حيث استخدمت بياناتٍ عن درجات الحرارة رصدتها الأقمار الصناعية على مدار ربع قرن أو يزيد، إضافة إلى بيانات القياسات الأرضية لدرجات الحرارة لأكثر من 235 بحيرة في قارات العالم الست.

 

هذا وقد جاءت نتائج الدراسة لتؤكد أن درجة حرارة البحيرات تزداد بمعدل يبلغ 0.61 فهرنهايت (أي ما يعادل 0.34 درجة مئوية) خلال كل عقد، وهو معدل يفوق بحسب كلام العلماء معدل زيادة حرارة المحيط أو الغلاف الجوي، ويمكن أن يخلف وراءه آثاراً جسيمة.

هذا وقد تم نشر البحث في مجلة Geophysical Research Letters، كما تم الإعلان عنه خلال اجتماع الاتحاد الأمريكي لعلوم الجيوفيزياء، والذي عقد يوم الأربعاء الموافق 16 ديسمبر/كانون الأول 2015.



تظهر في الصورة بحيرة تاهو، وهي ملتقطة بواسطة أداة ASTER الموجودة على متن القمر الصناعي تيرا Terra. وتبرز الصورة التفاوت في درجات حرارة البحيرة (درجات الحرارة الباردة باللون الأزرق ودرجات الحرارة الدافئة باللون الأحمر).  المصدر: NASA
تظهر في الصورة بحيرة تاهو، وهي ملتقطة بواسطة أداة ASTER الموجودة على متن القمر الصناعي تيرا Terra. وتبرز الصورة التفاوت في درجات حرارة البحيرة (درجات الحرارة الباردة باللون الأزرق ودرجات الحرارة الدافئة باللون الأحمر). المصدر: NASA


سيؤدي ارتفاع درجات حرارة البحيرات خلال القرن القادم إلى نتائج سلبية أبرزها زيادة متوقعة في نسبة الطحالب إلى 20%، الأمر الذي قد يتسبب في حرمان الماء من الأكسجين. هذا ومن المتوقع أن تشهد البحيرات زيادة في نسبة الطحالب السّامة بالنسبة إلى الأسماك والحيوانات بما قدره 5%، كما سيزداد انبعاث غاز الميثان بنسبة 4% خلال العقد القادم في حال استمرت المعدلات الحالية على ما هي عليه. وبالطبع يعتبر هذا الأمر خطراً للغاية إذ إن غاز الميثان من الغازات الدفيئة، كما أن تأثيره أقوى 25 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون إذا ما تمت المقارنة بينهما خلال فترات زمنية قدرها 100 عام.

 


وفي هذا الصدد، تقول ستيفاني هامبتون Stephanie Hampton إحدى الباحثات في الدراسة ومديرة مركز جامعة ولاية واشنطن لأبحاث البيئة والتعليم والتوعية في بولمان: "تشكل المياه السطحية الغالبية العظمى من الاستخدامات البشرية، ولا يقتصر الأمر هنا علي استخدامها كمياه شرب، وإنما يتعداه إلى مجالات أخرى كالصناعة وإنتاج الطاقة وري المحاصيل الزراعية. وبالطبع، لا يمكننا أيضاً إغفال حقيقة أن معظم بلدان العالم النامي تعتمد على أسماك المياه العذبة كمصدر رئيسي للبروتين".

تؤثر درجة حرارة الماء على مجموعة من خواصه الأخرى، والتي تعتبر مهمة جداً بالنسبة إلى استمرارية النظم البيئية وسلامتها؛ فعندما تتغير درجات حرارة المياه في بحيرة ما بسرعة كبيرة تجعلها تتجاوز معدلها الطبيعي بحد كبير، فإن أشكال الحياة الموجودة في تلك البحيرة قد تشهد تغيراً دراماتيكياً بل وربما تنعدم في بعض الأحيان.

من جانبها، تقول كاثرين أورايلي Catherine O'Reilly الباحثة الرئيسية في الدراسة والأستاذة المساعدة في علم الجيولوجيا في جامعة ولاية إلينوي بمدينة نورمال: "تشير النتائج إلى أن التغيرات الكبيرة في البحيرات لا تعتبر فقط أمراً مقدراً لا يمكن تجنبه، ولكنها بدأت بالحدوث فعلاً". ولا بد هنا من الإشارة إلى أن بحثاً سابقاً أجرته كاثرين قد أظهر انخفاضاً في معدل إنتاجية البحيرات بشكل مترافق ومتزامن مع ارتفاع درجة حرارة مياهها.

وفي سياق متصل، يشير سايمون هوك Simon Hook الباحث المشارك في الدراسة ومدير قسم العلوم في مختبر الدفع النفاث بوكالة ناسا في باسادينا بولاية كاليفورنيا إلى أن قياسات الأقمار الصناعية تعرض نظرة شاملة لدرجات حرارة البحيرات في كامل الكرة الأرضية، إلا أن دورها يقتصر على قياس حرارة المياه السطحية فقط.

 

أما القياسات التي يتم إجراؤها من على سطح الأرض فهي قادرة على رصد التغيرات في درجة حرارة المياه العميقة في مختلف مناطق البحيرة. وفي حين أن قياسات الأقمار الصناعية يعود تاريخها إلى 30 عاماً، فإن قياسات حرارة بعض البحيرات تعود لأكثر من قرن من الزمان.

وأضاف: "وبالجمع بين قياسات الأقمار الصناعية والقياسات الأرضية، ستكون بين أيدينا الرؤية الأكثر شمولاً لكيفية تغير درجات حرارة البحيرات حول العالم".

ويعتقد الباحثون بوجود مجموعة من العوامل المناخية المختلفة التي تلعب دوراً معيناً في زيادة درجات حرارة البحيرات. ففي مناخ المناطق الشمالية، تفقد معظم البحيرات غطاءها الجليدي في وقت مبكر من فصل الربيع، كما أن مناطق عديدة في العالم لا تغطيها غيوم كثيرة، وبالتالي تكون مياه البحيرات فيها أكثر عرضة لأشعة الشمس الدافئة.


أشار بحث سابق أجراه سايمون هوك باستخدام بيانات الأقمار الصناعية إلى أن العديد من البحيرات تشهد ارتفاعاً في درجات حرارة مياهها بشكل أكبر من ارتفاع درجات حرارة الهواء، حيث تم رصد أعلى معدل لارتفاع درجات الحرارة في خطوط العرض العالية، وهذا يتطابق مع ما رصدته دراسات أخرى معنية بارتفاع درجات حرارة الطقس. هذا وقد أكد هذا البحث الجديد صحة تلك الملاحظات السابقة، حيث توصل إلى أن متوسط معدلات ارتفاع درجات الحرارة عند خطوط العرض العالية يساوي 1.3 فهرنهايت (0.72 درجة مئوية) لكل عِقد.

ومن المحتمل أن تشهد بحيرات المياه الدافئة في المناطق الاستوائية زيادة في درجات حرارة المياه أقل حدة ودراماتيكية من غيرها، إلا أن هذا لا ينفي بالطبع آثارها السلبية الكبيرة على الأسماك. وهذا الأمر مهم جداً في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية، حيث تشكل الأسماك هناك مصدراً رئيسياً للغذاء.



يمثل هذا الرسم البياني التغيرات العالمية في درجات حرارة البحيرات على مدار الربع قرن الماضي. تشير الظلال الحمراء إلى درجات الحرارة الدافئة، بينما تشير الظلال الزرقاء إلى درجات الحرارة الباردة. وقد وجدت الدراسة أن حرارة مياه بحيرات كوكب الأرض تزداد بمعدل يبلغ 0.61 فهرنهايت (0.34 درجة مئوية) لكل عقد، وهو ما يزيد على معدلات ارتفاع درجات حرارة المحيطات والغلاف الجوي.  المصدر: Illinois State University/USGS/California University of Pennsylvania
يمثل هذا الرسم البياني التغيرات العالمية في درجات حرارة البحيرات على مدار الربع قرن الماضي. تشير الظلال الحمراء إلى درجات الحرارة الدافئة، بينما تشير الظلال الزرقاء إلى درجات الحرارة الباردة. وقد وجدت الدراسة أن حرارة مياه بحيرات كوكب الأرض تزداد بمعدل يبلغ 0.61 فهرنهايت (0.34 درجة مئوية) لكل عقد، وهو ما يزيد على معدلات ارتفاع درجات حرارة المحيطات والغلاف الجوي. المصدر: Illinois State University/USGS/California University of Pennsylvania


وأضافت ستيفاني هامبتون: "يجب أن نكون حذرين للغاية حتى لا نتجاهل معدلات التغيير المنخفضة؛ إذ يمكن لهذه التغيرات المنخفضة في حرارة مياه البحيرات الدافئة أن تكون مهمة للغاية، تماماً بنفس أهمية ارتفاع درجة حرارة مياه البحيرات الباردة".

وبشكل عام قال الباحثون: "يشير ارتفاع درجات الحرارة بشكل سريع وواسع الانتشار إلى الحاجة الملحة لدمج التأثيرات المناخية خلال عمليات تقييم مكامن الضعف وجهود التكيف في البحيرات".

وفي الختام يمكن القول إن وكالة ناسا تستخدم مواقع الرصد والمراقبة في الفضاء لزيادة قدرتنا على فهم كوكبنا وتحسين سبل الحياة فيه وبالتالي ضمان مستقبلنا. هذا وتعمل وكالة ناسا على تطوير وسائل جديدة لرصد ودراسة النظم الأرضية المترابطة باستخدام سجلات بيانات طويلة الأمد، كما تشارك الوكالة هذه المعرفة الفريدة من نوعها دون قيود وتتعاون مع جميع المؤسسات المعنية حول العالم للحصول على رؤى جديدة حول كيفية حصول التغيرات في كوكبنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات