فيزيائيون يُنمذجون الإلكترونات بتفاصيلٍ غير مسبوقة

في هذه الصورة الفنية، ينتقل الإلكترون بين شعاعين من الليزر أثناء التجربة، إذ يدور الإلكترون حول محوره، بينما تنبعث سحابة من الجسيمات دون ذرية أخرى باستمرار و يعاد امتصاصها مرة أخرى.
حقوق الصورة: Nicolle R. Fuller, NSF

 


في الواقع، الإلكترونات مستديرةٌ للغاية، ولكنَّ بعض الفيزيائيين غير راضين عن ذلك.

كشف باحثون في دراسةٍ جديدة عن تجربة جديدة التقطت أكثر الصور تفصيلاً للإلكترونات حتى الآن، حيث قام الباحثون باستخدام أشعة الليزر للكشف عن أدلة لوجود الجسيمات المحيطة بالجسيمات. ومن خلال إطلاق الضوء على الجزيئات، تمكن العلماء من تفسير كيفية تغيير الجسيمات دون الذرية الأخرى توزيع شحنة الإلكترون.

اقترحت نظرية الاستدارة المتناظرة للإلكترونات أن الجسيمات غير المرئية ليست كبيرة بما يكفي لتشوه الإلكترونات في الأشكال المستطيلة المربوطة أو الأشكال البيضاوية، إذ تؤكد هذه النتائج مرة أخرى نظرية فيزيائية قديمة، تُعرف بالنموذج القياسي Standard Model، والتي تصف كيف تتصرف الجسيمات والقوى في الكون.

وفي الوقت نفسه، يمكن لهذا الاكتشاف الجديد قلب العديد من نظريات الفيزياء البديلة التي تحاول ملء الفراغات حول الظواهر التي لا يستطيع النموذج القياسي تفسيرها، ويقول الباحث المشارك في الدراسة ديفيد ديميل David DeMille، الأستاذ بقسم الفيزياء في جامعة ييل في نيو هيفن، كونيتيكت، إن هذا يرسل بعض الفيزيائيين الساخطين على الأرجح إلى لوحة الرسم.


وكما صرّح ديميل لموقع Live Science: "بالتأكيد هذا لن يجعل أي شخص سعيدا للغاية."

نظرية مجربة



لا يمكن حتى الآن رصد الجسيمات دون الذرية مباشرة، إلا أن العلماء يتعلمون عن هذه الجسيمات من خلال أدلة غير مباشرة، وتحديداً، من خلال رصد ما يحدث في الفراغ حول الإلكترونات السالبة الشحنة - التي يعتقد أنها تعج بالغيوم من الجسيمات غير المرئية- يمكن للباحثين إنشاء نماذج لسلوك الجسيمات، على حد قول ديميل.
يصف النموذج القياسي معظم التفاعلات بين جميع وحدات البناء الأساسية، وكذلك القوى التي تعمل على تلك الجسيمات، ولعقود سابقة، تنبأت هذه النظرية بنجاح كيف تتصرف المادة.

ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات المزعجة للنجاح التوضيحي للنموذج، إذ لا يشرح النموذج القياسي المادة المظلمة، وهي مادة غامضة وغير مرئية تخضع للجاذبية، ولكنها لا تُصدر أي ضوء. والنموذج لا يفسر الجاذبية إلى جانب القوى الأساسية الأخرى التي تؤثر على المادة، وفقاً للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN).

تقدم نظريات الفيزياء البديلة إجابات عند عجز النموذج القياسي عن تقديمها. يتنبأ النموذج القياسي بأن الجسيمات المحيطة بالإلكترونات تؤثر على شكل الإلكترون، ولكن عند مقياس هذه الأحجام المتناهية الصغر تكون هذه الجسيمات غير قابلة للكشف إلى حد كبير باستخدام التكنولوجيا الحالية، ولكن هناك نظريات أخرى تشير إلى وجود جسيمات ثقيلة غير مكتشفة، على سبيل المثال، يفترض النموذج القياسي فائق التناظر أن كل جسيم في النموذج القياسي لهُ شريكٌ مضاد. إلا أن واضعو الدراسة الجديدة يقولون إن هذه الجزيئات الافتراضية ذات الوزن الثقيل من شأنها تشويه الإلكترونات لدرجة يمكن للباحثين رصدها.

إلقاء الضوء على الإلكترونات



لاختبار هذه التوقعات، تم إجراء تجارب جديدة على الإلكترونات بدقة أعلى بعشر مرات من التجارب السابقة التي اكتملت في عام 2014؛ أجريت كل من التحقيقات من قِبل مشروع "البحث المتقدم لالكترون الجزيء البارد والعزم الكهربائي ثنائي قطب " (ACME).

وسعى الباحثون نحو البحث عن ظاهرة غير مثبتة تدعى العزم الكهربائي ثنائي القطب، يظهر فيها شكل الإلكترون الكروي مشوهًا؛ محدبا من أحد الطرفين ومنفوخا من الطرف الآخر، وحسبما أوضح ديميل أن ذلك يحدث بسبب الجسيمات الثقيلة التي تؤثر على شحنة الإلكترون.


وستكون هذه الجسيمات أضعاف حجم الجسيمات التي يتنبأ بها النموذج القياسي، يقول ديميل: "إنها طريقة واضحة جدا لمعرفة ما إذا كان هناك شيء جديد يحدث خارج النموذج القياسي".

وبالنسبة للدراسة الجديدة، قام باحثو مشروع ACME بتوجيه حزمة من جزيئات أكسيد الثوريوم البارد cold thorium-oxide بمعدل 1 مليون لكل نبضة، أي 50 مرة في الثانية إلى غرفة صغيرة نسبيا في قبو في جامعة هارفارد، حيث قاموا بإطلاق أشعة الليزر على الجزيئات ودراسة الضوء الذي تعكسه الجزيئات، وإذا حدث انحناءات في الضوء فإنها تشير إلى عزم كهربائي ثنائي القطب.

لكن التجربة أثبتت عدم حدوث انحناءات في الضوء المنعكس وهذه النتيجة تلقي بظلالٍ معتمة على نظريات الفيزياء التي تنبأت بالجسيمات الثقيلة حول الإلكترونات، قد لاتزال هذه الجسيمات موجودة، لكنها ستكون مختلفة جدا عن الطريقة التي وُصفت بها في النظريات الحالية.

يقول ديميل: "إن نتائجنا تخبر المجتمع العلمي أننا بحاجة إلى إعادة النظر بجدية في بعض النظريات البديلة".

الاكتشافات المظلمة



قدمت هذه التجربة تقييماً لسلوك الجسيمات حول الإلكترونات، ووفرت أيضًا آثارًا مهمة للبحث عن المادة المظلمة، على حد قول ديميل. لا يمكن ملاحظة المادة المظلمة مباشرة مثل الجسيمات دون الذرية، لكن علماء الفيزياء الفلكية يعلمون بوجودها، لأنهم رصدوا تأثيرها الثقالي على النجوم والكواكب والضوء.

يقول ديميل: "ومثلنا نبحث نحن يبحث علماء الفيزياء الفلكية في قلب الاماكن التي انبثقت منها العديد من النظريات ولوقت طويل ولأسباب وجيهة للغاية، يتوقعون ظهور إشارة، ومع ذلك، فهم لا يرون أي شيء، ونحن لا نرى أي شيء."

لم يتنبأ النموذج القياسي بكل من المادة المظلمة والجسيمات دون الذرية الجديدة التي لم يتم رصدها مباشرة بعد؛ ومع ذلك، فإن مجموعة متنامية من الأدلة المقنعة تشير إلى وجود هذه الظواهر، ولكن قبل أن يتمكن العلماء من العثور عليها، قد نحتاج إلى التخلص من بعض الأفكار القديمة التي تتمركز حول شكلها بالأخص، حسبما أضاف ديميل.

ويختتم ديميل قائلاً: "إن التوقعات بشأن الجسيمات الجديدة تبدو أكثر فأكثر كما لو كانت أفكارنا عنها خاطئة."

نشرت النتائج هذه الدراسة يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول في مجلة نايتشر وبإمكانك الاطلاع على الدراسة من هنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات