اكتشاف الميزون B في مصادم الهادرونات الكبير وانتصار جديد للنموذج القياسي

بعد محاولات استمرت على مدار ثلاثة عقود، أعلن العلماء هذا الأربعاء عن اكتشافهم لتغير في جسيم دون ذري (sub-atomic particle) يُقدم دعماً إضافياً للنظرية الأساسية المتعلقة بالكون.

فقد صرح الباحثون في أكبر مصادمات الجسيمات في العالم أنهم رصدوا حدثاً نادراً جداً، إذ اكتشفوا الميزون الحيادي B أو (neutral B meson) داخل زوج من الميونات، التي تعتبر أثقل أقارب الإلكترونات.


وتُقدم النظرية دعماً إضافياً لما يُعرف بالنموذج القياسي (Standard Model)، الذي يُشكل الإطار التصوري للجسيمات والقوى التي تُؤلف الكون وفقاً للورقة العلمية التي نشرها الباحثون في مجلة "Nature".


والميزونات الحيادية B هي مركب غير مستقر يتكون من نوعين من الجسيمات المعروفة بالكواركات (quarks)، وهي ترتبط مع بعضها البعض من خلال القوة الشديدة (strong force). وقد تنبأ النموذج القياسي بتفكك هذه الميزونات، إلا أنه لم يتوصل أي أحد إلى دليل يُشير إلى هذا التفكك منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي.


أما أحد الأسباب وراء ذلك فيكمن في أنه يتم إنتاج الميزونات الحيادية B في ظروفٍ متطرفة جداً -على سبيل المثال: داخل مصادمات الجسيمات أو تفاعلات الأشعة الكونية- ما يجعل من دراستها أمراً مكلفاً جداً، ويحصل هذا الانتقال إلى الميونات (muons) بترددٍ يصل إلى أربع مرات لكل مليار تفكك تقريباً.


عملت فرق رايفال Rival في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) (أكبر مختبر تحت الأرض وهو موجود بالقرب من جنيف على طول الحدود الفرنسية السويسرية) بشكلٍ منفصل لكشف هذا الحدث المحيّر، وبعد ذلك فقد قاموا بنشر النتائج بشكلٍ منفصل في يوليو/حزيران 2013، ولكن مع غض النظر عن تلك البيانات لعدم توفر الدقة المطلوبة لادعاء هذا الاكتشاف.

مثال عن التصادمات التي قد تُنتج عملية التفكك النادرة لجسيمات B، حيث لوحظت وتم التنبؤ بحدوثها أربع مرّات لكل مليار تفكك. حقوق الصورة: CMS/LHCb
مثال عن التصادمات التي قد تُنتج عملية التفكك النادرة لجسيمات B، حيث لوحظت وتم التنبؤ بحدوثها أربع مرّات لكل مليار تفكك. حقوق الصورة: CMS/LHCb


ووفقاً لتصريح منظمة الأبحاث النووية الأوروبية (CERN) فإن التحاليل المجموعة والمنشورة كورقة علمية في مجلة ساينس Science المُحكّمة والتي يتم تدقيقها بعناية: "تتجاوز وبسهولة ذلك المطلب".


تشير الورقة العلمية إلى أن التجارب أثبتت أن النموذج القياسي، الموضوع في سبعينات القرن الماضي، تخلص من عقبة في طريقه، إلا أن هنالك المزيد من العقبات في انتظاره.


وقد كتب مؤلفو الورقة العلمية: "على مدار العقود القليلة الماضية، نجح النموذج القياسي في كل الاختبارات الحرجة التي حصلنا عليها في التجارب، لكنه لم يتعامل مع بعض الأسئلة العميقة والأساسية المتعلقة بطبيعة الكون".

مثال عن التصادمات التي قد تُنتج عملية التفكك النادرة لجسيمات B، حيث لوحظت وتم التنبؤ بحدوثها أربع مرّات لكل مليار تفكك. حقوق الصورة: CMS/LHCb
مثال عن التصادمات التي قد تُنتج عملية التفكك النادرة لجسيمات B، حيث لوحظت وتم التنبؤ بحدوثها أربع مرّات لكل مليار تفكك. حقوق الصورة: CMS/LHCb


فمثلاً، لا يشرح إطار عمل النموذج القياسي المادة المظلمة (dark matter)، وهي الشيء الذي يُكوّن حوالي 85% من كتلة الكون وهي الآن تُكتَشف بواسطة تأثيرها الثقالي فقط (gravitational effect) على المادة المرئية (visible matter).


يُعتبر المسعى المبذول لفهم المادة المظلمة واحداً من أولويات برنامج العمل الحالي في LHC، الذي بدأ عمله خلال الشهر الماضي بعد تعرضه لفترة تحديث استمرت على مدار عامين.


ويتألف المصادم من قناة على شكل حلقة، حيث يتم تسريع أشعة بروتونات تتحرك باتجاهين متعاكسين عند سرعات تصل إلى سرعة الضوء، وفي أربعة مواقع من القناة، تتواجد مغانط هائلة القوة تقوم بحني مسارات الأشعة، وتتسبب بتصادمها مع بعضها البعض، بتصادم قصير جداً إلا أنه فائق الشدة.


وبعد ذلك يُحلل الباحثون التموجات دون الذرية (sub-atomic rubble) بحثاً عن جسيمات جديدة، أو أدلة على جسيمات أخرى تنبأ بها النموذج القياسي، ففي العام 2012، أكّد مصادم الهادرونات الكبير وجود بوزون هيغز (Higgs Boson) وهو جسيم تنبأ به النموذج القياسي، لكنه تملص من محاولات اكتشافه على مدار فترة طويلة من الزمن، ويُقدم هذا الجسيم الكتلة للجسيمات الأخرى.


ونتيجةً لما سبق، فقد حصل اثنان من العلماء على جائزة نوبل للفيزياء عام 2013 عن عملهم الذي أجروه عام 1964، وهو عمل نظري أكّد وجود البوزون.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات