روبوتات

تعدنا تقنيات الذكاء الصناعي وصناعة الروبوتات بتحقيق الكثير في المستقبل القريب. يُمكن لهذه الصناعة أن تساهم في إرسال روبوتات إلى المريخ لتعمل على الحصول على الماء ووقود الصواريخ قبل وقتٍ طويل من وصول المستكشفين البشر؛ وقد تساهم أيضاً في أداء الكثير من المهام على الأرض مثل عمليات الإنقاذ الخطرة وتدمير الألغام وغيرها. ومن هنا جاءت فكرة الروبوتات الأربعة المعروفة بسوارميز (Swarmies) التي تعمل على تطويرها فرقٌ من ناسا. 


أوصلت أشهر من العمل في المختبر إلى هذا اليوم ذو الطقس البارد جداً -حسب معايير فلوريدا- مع روبوتات بأربعة دواليب تتحرك في أرجاء موقف السيارات الخاص بمركز التحكم بالإطلاق، فيما يتابع قائدهم كورت لوشت (Kurt Leucht) التواصل معها عبر حاسبه المحمول، وأثناء حمله لجهازه المحمول وتعقبه لكل آلة من الآلات الأربعة على حدى، وفي بعض الأحيان يضع بعض العقبات في طريقها أو يراقب خط نظر المركبة لمعرفة ما تستشعره حسّاساتها.

 

تُعرف الروبوتات الأربعة معاً باسم سوارميز (Swarmies)، وليس عتادها (hardware) هو ما يجعلها جديرةً بالاهتمام، وإنما البرنامج الذي تحمله في عقولها المصنوعة من السيلكون. يجعلها هذا البرنامج تبحث بالطريقة نفسها التي تبحث بها الحشرات، حيث يملك كل روبوت كاميرته الخاصة ومجموعة من الحساسات لتجنب الأخطار.

 

تتدحرج هنا وهناك، باحثة عن أوراقٍ مرسوماً عليها رمز شريطي (Barcode)، وأثناء ذلك قد تترك أثراً لإبلاغ الروبوتات الأخرى في حال وجود الكثير من الرموز الشريطية في مكان واحد.

يقول لوشت: "نحن نحاول إثبات أن هناك طرقاً للبحث ذات كفاءة أعلى من تلك المتداولة"، ويضيف أيضاً: "تعمل هذه الطريقة بشكل جيد لدى الحشرات، ونعتقد بأنها ستعمل بنفس المستوى عند الروبوتات".

 

لا يتحكم لوشت بالروبوتات كهاوي -أي عبر أجهزة التحكم الراديوي- فهو لا يقوم بالتفكير عنها، وإنما يترك مهمة تشغيل كل روبوت على حدة إلى برنامج (software)، قام هو وفريقه بالعمل عليه لمدة أشهر. سيتم اتخاذ هذه الطريقة كآلية عمل للكائنات الآلية على كوكب المريخ في حال أردنا أن نجعلها جامعة معلومات ذات كفاءة عالية. 

 

يستخدم لوشت بمساعدة مهندس الكمبيوتر شيلتون كايلن (Caylyn Shelton) من كينيدي وفريق من الباحثين من مختبر جامعة نيومكسيكو للحوسبة البيولوجية، موقف السيارات هذا والعشرات من المواقف الأخرى المشابهة له للتحقق من كون طريقة التفتيش هذه مبنية على تصرفات أكثر كفاءة وإنتاجية من الطريقة المعتادة في البحث عن المؤن في كل إنش مربع ضمن مساحةٍ ما، أو في البحث بشكل عشوائي بحت، فهذه الطريقة هي نفسها التي يستعملها النمل منذ عصور لإيجاد وجمع الطعام والمواد. ومن الممكن لهذه الطريقة أن توضع في المستقبل بخدمة رواد الفضاء المسافرين إلى المريخ.

 

واحدة من الأفكار الكثيرة هي إرسال فرق من الروبوتات الصغيرة القادرة على البحث عن المياه المتجمّدة على الكوكب الأحمر، لتقوم بعدها باستخراجه وتحويله إلى وقود وهواء قابل للتنفس. حيث ستصل الروبوتات –روبوتات مبنية لغرض محدد، وهي آلات قادرة على الطيران بأمان ومحمّلة ببرنامج شبيه بالذي يعمل عليه لوشت- قبل رواد الفضاء بأشهر أو حتى سنين، وستسّتغل هذه المدة في بناء مستودع مؤن وانتظار المستكشفين من الأرض.

 

يمكن إرسال أسطول كبير من الآلة المستكشفة أو الباحثة في الفضاء في عملية إطلاق واحدة، حيث أن الروبوت صغير لدرجة أنه يزن أقل من 10 باوند. ومع وجود أكثر من 100 روبوت هناك، لن يكون مؤثراً تعطُّل بعضها لوجود الكثير غيرها.

 

يوضح لوشت: "في النهاية عندما نرسل أشخاصاً إلى المريخ، سيكون من الأفضل استعمال تقنيات للاستفادة من الموارد الموجودة في المكان نفسه، وهذا تعبير خيالي علمي للحياة خارج الأرض"، ويضيف أيضاً: "يمكن لأسطول كهذا أن يكون مفيداً جداً في الكشف عن الموارد، وفي نمط مهمة كهذه فالروبوتات بحاجة للتجوال وجمع الموارد، وهذا الأمر ممكن لكونها نظم ذاتية التحكم".

 

حالياً وبالنسبة للوشت كل هذه الأمور هي قضايا مستقبلية. فقبل أن تتجول هذه الروبوتات في أرجاء المريخ باحثة عن هدفها في إيجاد بقعة صالحة للتنقيب، سيتوجب على لوشت التأكد من أن هذه النسخ الأرضية تفعل في الواقع ما يُبيّن برنامج المحاكاة بأنها قادرة على فعلِه.

 

يقول لوشت: "العمل مع الروبوتات الحقيقية أصعب بكثير من العمل مع الافتراضية منها". ولوشت هو مهندس برمجيات متدرب، وبالتالي هذا المشروع هو أول إنجاز له مع الروبوتات. وأضاف لوشت قائلاً : "كان علينا تخطي الكثير من الأخطاء (bugs) في كلٍ من البرمجيات والعتاد الصلب، وعندما وضعناهم في موقف السيارات للمرة الأولى، قاموا بالكثير من الأمور التي لم نتوقع منهم القيام بها. وقد تطلب منّا الكثير من عمليات استكشاف الأخطاء وإصلاحها (troubleshooting) وعمليات التصحيح (debugging)، بالإضافة إلى الكثير من الجهد في تحرّي اكتشافها. والآن وصلنا إلى التفاصيل الدقيقة -أي إلى تجارب إطلاقها في الخارج وجمع البيانات- وبالتالي بإمكاننا أن نثبت ما إذا كانت هذه التقنية المستلهمة بيولوجياً أفضل من تقنيات البحث الأخرى".

 

ويعتقد لوشت بأن النتائج ستكون واعدة وأن التطوير سيستمر بشكل ثابت، ويعتقد أيضاً بأن هذا الجهد المستمر منذ ما يقارب العام قد بات على مقربة من الوصول لهدفه، على الرغم من أنه لازال هناك الكثير للقيام به. أما الخطوة التالية فهي التحقق من إمكانية تمويل اقتراح يتضمن توسيع قدرات المحاكاة للبرنامج، وفي حال حدث ذلك سيتمكن مجتمع خبراء الروبوتات الواسع من التدخل وربما تطوير التكنولوجيا بشكل أسرع وصقل نهج البحث بحيث يمكن أن يصنع سرب من الروبوتات الملائمة للمريخ.

 

يقول لوشت: "يُعتبر العمل على تطوير الروبوتات وإنفاق المزيد من المال عليها، شيئاً من الطبيعة البشرية، ولكننا نريد إثبات أن هذا سيتضمن روبوتات بسيطة مع حسّاسات رخيصة الثمن"، ويضيف: "بما أنه لا يوجد الكثير ممن يُستلهمون بالأسلوب البيولوجي ويستعملون الخوارزميات الجينية، نريد أن نجعل هذا البرنامج متاح بشكل أكبر للتجربة من قبل جامعات ومنظمات أخرى".

 

يمكن لهذه الطريقة أن تفتح أبواباً لإعطاء دور إضافي للبرمجيات في روبوتات أخرى للعمل على هذا الكوكب، كالبحث من أجل الإنقاذ والكشف عن الألغام وتدميرها. يقول لوشت: "يوجد كل أنواع التطبيقات التي لا غنى عنها للاستفادة من مشروعٍ كهذا على الأرض، وإنه لمن الممتع التفكير بكل الاحتماليات".

 

دُعم المشروع من قبل صندوق مركز الابتكارات التابع لناسا، وهو جزء من إدارة مهمة تكنولوجيا الفضاء التابعة للوكالة، وهي المسؤولة عن الابتكارات والتطوير والاختبار وإطلاق الأجهزة في الهواء للاستعمال في المهام المستقبلية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات