اكتشف أعضاء هيئة التدريس في جامعة لويزيانا للتكنولوجيا، للمرة الأولى، مركباً نانوياً (nanocomposite) جديداً، تَشكّل بواسطة التركيب الذاتي (self-assembly) للنحاس مع مكونٍ بيولوجي، يحدث تحت تأثير ظروف فسيولوجية مشابهة لتلك التي تحدث في جسم الإنسان، ومن الممكن استخدامه في التوزيع المُوجه للدواء، لمكافحة الأمراض كالسرطان.
كما اكتشف الفريق، بقيادة الدكتور مارك دي كوستر Mark DeCoster، الأستاذ المساعد بموجب منحة جيمس إي ويتشي الثالث James E. Wyche III في الهندسة الطبية الحيوية لدى جامعة لويزيانا للتكنولوجيا، طريقةً لتنفيذ هذا المُركب في شكل سائل. وهذا يسمح بالتحكم في خفض أو رفع مقياس المركب، لتنمية هياكل ذات سمات أكبر، ليصبح رصدها ممكناً.
نُشر هذا الاكتشاف في الشهر الماضي ضمن مجلة "JoVE" (مجلة التجارب المتخيلة) -وهي مجلة دولية مرموقة، تعتمد أسلوب مراجعة الأقران (النظراء). ومنذ نُشرت المقالة، التي كانت بعنوان "Generation of Scalable، Metallic High-Aspect Ratio Nanocomposites in a Biological Liquid Medium"، شُوهدت مئات المرات من قبل عشرات الجامعات من مختلف أرجاء العالم.
يقول دي كوستر: "إننا نتقصى حالياً كيفية تفاعل هذه المادة الجديدة مع الخلايا". ويرى دي كوستر أنه "من الممكن استخدامها، على سبيل المثال لتوزيع الدواء الذي من الممكن نظرياً استخدامه لمكافحة أمراض مثل السرطان. إضافة إلى ذلك، ونتيجة لاستخدامنا لعنصر النحاس، فربما كانت له بعض الاستخدامات المثيرة للاهتمام في مجالات الكهربائيات أو الطاقة أو البصريات".
وأضاف دي كوستر: "وأخيرا، وكما بيَّن لنا التسرب البيئي لنفايات التعدين في منظومات الأنهار مؤخراً، فإن المعادن بما فيها النحاس، تستطيع أحياناً أن تشُق طريقها إلى أنظمة المياه العذبة، لذا ربما تمكنت وسائل التركيب المعدني، التي اكتشفناها حديثاً، من توفير وسيلة لـ "تقييد" (bind up) النحاس غير المرغوب فيه في شكل مفيد أو أكثر استقراراً".
وقال دي كوستر، إن هذا الاكتشاف يتضمن حيثيتيْن كانتا مثار دهشة له ولفريقه البحثي. الأولى، هي أنهم وجدوا أن مركبات النحاس النانوي هذه، فور تشكلها، تصبح مستقرة بشكل لا يصدق، سواءً كانت في شكلها السائل أو الجاف، وأنها بقيت مستقرة لسنوات. وأضاف: "لقد أمضينا أربع سنوات على الأقل في إجراء هذا البحث، ولدينا عدد من العينات يبلغ عمرها سنتيْن على الأقل، ولا زالت مستقرة".
أما الحيثية الثانية، فقد تمثلت في دهشة مجموعة دي كوستر من أن هذه المركبات مقاومة للـ "تكتل" (agglomeration)، وهي العملية التي تتجمع بواسطتها المواد أو تتراص معا.
ويوضح دي كوستر قائلاً: "هناك منفعة من هذا الأمر، لأنه يسمح لنا بالعمل على هياكل فردية من أجل عزلها أو تعديلها كيميائياً". وأضاف: "عندما تتجمع المواد معاً وتتراص، كما يفعل كثير منها، يصبح من الصعب جداً العمل عليها بطريقة منطقية. إلا أن كِلا الحيثيتين متلائمتان مع فرضيتنا، ومفادها أن التركيب الذاتي الذي اكتشفناه، يضع النحاس مُوجب الشحنة جنباً إلى جنب مع الكبريت سالب الشحنة -الذي يحتوي على السيستين".
هذا الاكتشاف الذي حققه البحث كان نتيجة الجهد الجماعي للفريق، الذي تألّف من دي كوستر وطلبة جامعة لويزيانا للتكنولوجيا من مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة. وقال دي كوستر: "إن كفاءة فريقي في مضافرة الجهود المستدامة، من أجل معرفة ما هو المطلوب لتحقيق الإنتاج المتكرر لوسائل التركيب الذاتي الجديدة وتبسيطها، يعبّر بحق عما يمكن لجامعة لويزيانا للتكنولوجيا تحقيقه".
وأضاف: "علاوة على ذلك، كان العمل متعدد التخصصات بحق، وهذا يعني أنه كان يتطلب تكنولوجيا النانو مثلما كان يتطلب الاستبصارات البيولوجية والكيميائية الحيوية، لتجعل العمل ككل ممكناً، كما تطلّب الأمر كذلك بعض الأدوات الجوهرية الأساسية التي توافرت لنا لدى جامعة لويزيانا للتكنولوجيا".
يقول دي كوستر إن مستقبل هذا البحث ينطوي على احتمال أن تكون له بعض الآثار القوية. ويتواصل دي كوستر وفريقه مع الزملاء والمتعاونين، لبحث كيفية اختبار هذه المُركبات النانوية الجديدة في تطبيقات الهندسة البيولوجية وكذلك المركبات الأكبر، مثل المواد التي ستكون كبيرة بما يكفي لحملها باليد.
يختتم دي كوستر حديثه قائلاً: "إن ما نشرناه عن البحث مؤخراً ولّد شيئاً من الاهتمام وبعض الأفكار الجديدة". وأضاف: "إننا نعمل على مقترحات جديدة لتمويل البحث والحفاظ على تقدم العمل فيه. فنحن نقوم حالياً بتصنيع هذه المواد على أساس "الضرورة، مع علمنا بأنه من الممكن تخزينها ما إن يتم تركيبها، وإذا ما اكتشفنا استخداماتٍ جديدةً للمركبات النانوية، فقد تؤدي تطبيقات المواد إلى توليد الدخل من خلال الشركة الوليدة التي أسستها".