عشر سنوات من قوس قزح المحتجز...ثورة الضوء المتباطئ!

مصدر الصورة: Imperial College London 

لقد مر عقد من الزمن على مقترح الضوء القابل للإبطاء بشكل ملحوظ، أو حتى إيقافه بواسطة أدوات جديدة. وفي مقالنا هذا يستعرض أورتوين هيس Ortwin Hess هذا التقدم و قابلية تطبيقاته العلمية.

إن السرعة القصوى للضوء عالية جدا فهي 299,792,458 متر في الثانية. وعندما يمر عبر المواد الشفافة، مثل الماء أو الزجاج، فإنه يتباطأ بعض الشيء. ومع ذلك، يعتقد العلماء أنه بإبطاء الضوء لدرجة أكبر بكثير (أبطأ بمليون مرة) فسيكون بإمكانهم استخدامه في تطبيقات جديدة، مثل نقل وتخزين المعلومة أو استجواب ومراقبة جزيئات منفردة.

 
في العام 2007، قام البروفيسور أورتوين هيس، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ علم المواد الخارقة أو فوق المادة Matematerials بمجلس Leverhume في قسم الفيزياء بجامعة إمبيريال Imperial، بنشر مقالة نظرية بمعية تلميذه كوزماس تساكماكيديس Kosmas Tsakmakidis ومعاونهما آلان بوردمان Allan Boardman. واقترحوا أنه باستعمال المواد الخارقة (وهي تلك التي صممت لتمتلك خصائص غير موجودة في الطبيعة) يمكنهم إبطاء الضوء، بل وحتى حجزه أو حصره. الآن، وبعد عشر سنوات، فإنهم قد قاموا بنشر مراجعة بمجلة Science عن الكيفية التي أدت بها هذه الفكرة إلى نظريات، وتجارب وتطبيقات جديدة.
 
تحدثنا مع البروفيسور هيس حول الكيفية التي يُشكِّل بها الضوء المتباطئُ "قوسَ قزحِ محتجزاً-trapped rainbow"، وكيف تمتد الآن التطبيقات المحتملة إلى التخزين المغناطيسي، وأشعة الليزر، والتصوير الحيوي وحتى الدروع الزلزالية.
 
ماذا يعني "قوس قزح محتجز" وكيف يعمل؟
"تعتمد عملية إحداث قوس قزح محتجز على تركيبات المواد الخارقة Matematerials والنانوبلازمونية Nanoplasmonic مدعمة بخصائص سالبة مميزة، ومحاطة بمواد 'عادية'. ومثلما ينتشر الضوء من خلال مادة خاصة، فإنه يُدفَع إلى الوراء لخطوات قصيرة حيث تلتقي المادتان معا. إنه أشبه بصعود منحدر ثلجي حاد، في كل خطوة تأخذها تنزلق إلى الوراء قليلا، مبطئا بذلك تقدمك.
 
الفرق الحاصل في المادة هو أنه في كل مرة يتم فيها دفع الضوء إلى الوراء فإنه يتباطأ أكثر فأكثر. وفي نهاية الأمر، بما أن الضوء الأبيض يتباطأ، فإن مختلف عناصره (جميع ألوان الطيف) تقف عند نقاط مختلفة، محدثة بذلك "قوس قزح محتجز".
 
الضوء والمادة مختلطان معا داخل سدادة ذهبية دقيقة مصدر الصورة: Imperial College London
الضوء والمادة مختلطان معا داخل سدادة ذهبية دقيقة مصدر الصورة: Imperial College London
 
"ومنذ الفكرة الأصلية، اختبرت عدة مجموعات أساليب متباينة لإنجاز هذا العمل. وتغيرت بعض المواد، لكن الفكرة لا تزال ذاتها، حيث أنه من المحتمل أن تؤدي إلى بعض التطبيقات المثيرة للاهتمام. كنت قد اقترحت في أطروحتك الأولية بأنه يمكن استخدامه (الضوء) لنقل البيانات. كيف يمكن لذلك أن يعمل؟"

"بما أن الضوء ينتقل بسرعة كبيرة جدا، و يفعل ذلك بحزمة عريضة (ما يعني أنه يغطي نطاقا واسعا من الطيف) فإنه بذلك يمكن أن يصبح أسلوبا فعالا لنقل البيانات. هكذا يعمل ربط الإنترنت عبر الألياف البصرية مثلا. ومع ذلك، ومن أجل إتاحة البيانات من خلال تدفق سريع الحركة؛ فإننا نحتاج لإبطائه. مثل خروج عربة ما من الطريق السيار، يجب عليها تخفيف سرعتها كلما اقتربت من ملتقى الطرق. وتسمى هذه العملية بالتحميل المؤقت Buffering. في الوقت الحالي، وللتخفيف من سرعة الإشارات الضوئية، يجب علينا أن نقوم بتحويلها لنبضات كهربائية، ومن ثم إعادة تحويلها للضوء حالما تصبح متاحة، لإرجاع البيانات الأصلية مجددا. ومن خلال إبطاء الضوء ذاته، بدلا من تحويله، ستصبح هذه العملية أكثر كفاءة. ويمكننا أيضا استخدام الضوء على نطاق أكبر لنقل البيانات عبر طيف واسع".

كيف تستعمل ضوءا بطيئا وكيف يمكنك إيقافه في بحوثك؟


"يصبح الضوء المتباطئ مفيدا من خلال طريقة واحدة وهي زيادة التفاعلات بين الضوء والمادة. وفي كثير من الأحيان، لا يتفاعل الضوء كثيرا مع المادة، لأنه ينتقل بسرعة. وبإبطائه يمكننا جعل هذه التفاعلات أقوى، باستخدام المادة بطرق جديدة على سبيل المثال توصلنا إلى شئ جديد مؤخرا بالتعاون مع جامعة كامبريدج. حيث أبقينا جزيئة وفوتونا داخل محبس دقيق، وهكذا امتزجت خصائصهما معا".

 
قطع الغابات بأشكال معينة يمكنه الحد أيضا من سرعة الموجات الزلزالية.  مصدر الصورة: Imperial College London
قطع الغابات بأشكال معينة يمكنه الحد أيضا من سرعة الموجات الزلزالية. مصدر الصورة: Imperial College London
 
"فريقي مهتمون أيضا بالليزرات الموقفة للضوء. الليزرات هي مصادر مضخمة للضوء عند أطوال موجية معينة، والتي يمكن تجميعها في حزمة مشعة ونقلها لمسافات طويلة دون فقدان تركيزها، مثلما يفعل مصباح جيب كهربائي تقليدي".

"يتم إنشاء الليزرات عن طريق ضخ الطاقة إلى حالات إلكترونية، على سبيل المثال الجزيئات المستثارة، مما يؤدي بها إلى إصدار الفوتونات حينما تسترخي عائدة إلى مستويات الطاقة المنخفضة. إذ ترتد هذه الفوتونات حولها في مساحة محدودة، محفزة بذلك جزيئات أكثر نشاطا لتحرير الفوتونات بشكل متزامن، حتى يتم خلق حزمة مشعة عالية الطاقة".

"إن كبح الضوء من شأنه أن يسمح بالمزيد من التفاعلات المحدودة ما بين الجزيئات النشيطة والفوتونات، مما يسهل من تشكيل الليزرات أكثر وبشكل موضعي دقيق دون ارتدادها حول مساحة ما. منذ طرحكم للفكرة، اقترح الناس عدة تطبيقات مبتكرة. هل يمكن أن تخبرنا عن بعض منها؟ من الناحية النظرية، التطبيقات المثيرة للاهتمام بالنسبة لنا هي تلك التي تتعلق بالتدقيق في السلوك الكمومي للمادة وبحزمة الضوء المتوقف أو شديد البطء".

أحد النماذج الذي يدعو إلى الاهتمام وهو توجيه الضوء نحو بقعة صغيرة من أجل إحداث تسخين موضعي دقيق على مستوى مجهري. والتطبيق الأهم لكل ذلك هو تدعيم التخزين المغناطيسي، ذلك النوع الذي يشغل القرص الصلب للكمبيوتر الخاص بك.

يتطلب التخزين المغناطيسي تشكيل حقول مغناطيسية صغيرة جدا. لكن في هذه اللحظة، تعتبر هذه الحقول أصغر مما هو ممكن، الأمر الذي يحيلنا إلى السؤال إلي أي حد يمكننا صناعة أجهزة تخزين أصغر. فمن خلال إبطاء الضوء في منطقة محدودة للغاية، يمكننا زيادة شدته. ما ينتج عنه تسخين على درجة صغيرة جدا، مشكلا حقولا مغناطيسية مصغرة ما يعني أنه يمكننا الرفع من كثافة التخزين أو اختزال أحجام الأجهزة.

تطبيق آخر محتمل يوجد في التصوير الطبي الحيوي، حيث أنه لتصوير بعض المواد البيولوجية، يجب أن نرفع شدة ضوء الليزر، لكنه قد يتلف العينة. ومن خلال الحد من سرعة الضوء، يمكننا أن نسمح لهذا التفاعل مع العينة لوقت أطول دون الإضرار بها.
 
غير أن مفهوم "قوس قزح المحتجز" للموجات المتباطئة لم ينطبق فقط على الضوء. بل معمول به أيضا على الإلكترونات. وإحدى الأفكار المبتكرة حقا، يجري اختبارها حاليا من قبل فريق يضم الباحثين من Imperial، وهو إبطاء الموجات الاهتزازية. من خلال القيام بقطع شامل للتركيبات فوق المادية على الأرض، أو حتى على الأشجار، فقد أظهرت أنه من الممكن إعادة توجيه الموجات الاهتزازية السيزمية (موجات الزلازل) نحو الأرض وحماية البنيات التحتية من الزلازل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات