يعد الوقت من أكثر الأشياء إذهالاً وغموضاً في الفيزياء، وكما ورد في تقرير دان فالك Dan Falk لمجلة كوانتا Quanta الإلكترونية، فقد اجتمع في يونيو/حزيران الماضي زهاء ستين خبيراً في مؤتمر تحت عنوان "الزمن في علم الكون" ليناقشوا طبيعة الزمن.
ومن الأسئلة التي تضمنها النقاش: ما الذي يجعل اتجاه التطور الزمني -ويسمى أيضاً سهم الزمن The Arrow of Time- يندفع متقدماً بشكل لا يمكن إيقافه من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل؟ لماذا الزمن الذي ندعوه "الحاضر" ذو أهمية خاصة جداً لنا في العالم الحقيقي، لكنه ليس ذا أي خصوصية بأي شكل من الأشكال بالنسبة للفيزياء؟
لماذا تزداد الإنتروبي entropy -وهي القياس التقني لمقدار الفوضى في الكون- أثناء تقدم الزمن للأمام كما ينص القانون الثاني في علم الديناميكا الحرارية، على الرغم من أن معادلات الفيزياء عكوسة زمنياً؟
إن الخصائص المتناقضة للأفكار والنماذج والمقترحات والتأملات العديدة التي عرضت في الاجتماع، تسلط الضوء على مدى قصور فهم هذه الأسئلة الأساسية حتى بالنسبة للخبراء.
وبما أن القليل من النمذجة كخبرة ملموسة قد تمكننا من تقدير القضية بشكلٍ أفضل، رأيت أن من الأفضل أن نقوم بمحاكاة بسيطة جداً بأنفسنا بتمثيل الكون بلعبة، لكن لنلقي نظرة على بعض الأفكار التي نستطيع استكشافها:
أحد الأمور التي حفزت مؤتمر "الزمن في علم الكون" كان عدم الرضا الذي شعر به بعض الفيزيائيين -بمن فيهم أحد المنظمين المشاركين للمؤتمر لي سمولن Lee Smolin- عن "الجملة الكونية" المعيارية في الفيزياء، القائلة بجملة ثابتة رباعية الأبعاد للزمكان، والتي يكون فيها تدفق الزمن مجرد خداع للحواس، والمستقبل موجود مسبقاً.
حيث يرفض سمولن هذه النظرة الجامدة إلى الكون كجملة، ويعرض في كتابه الأخير "الزمن يتجدد" Time Reborn بعض الجدالات الداعمة للنظرة المتفقة مع الإدراك العام، والقائلة بأن الزمن يتدفق نحو مستقبل ذي نهاية مفتوحة. وفي حين أن سمولن معروف بأفكاره المتمردة على كل ما هو تقليدي في الكثير من المواضع في الفيزياء الحديثة، إلا أن لديه فكرتين عامتين أتفق معهما من صميم قلبي.
الأولى، هي التي طرحتها في زاوية الحلول في هذه المجلة بعنوان "هل اللانهاية حقيقية؟" والقائلة بأن النماذج الرياضية المستخدمة في الفيزياء مجرد بنى ذهنية، ولا يمكن أن نتوقع منها أن تشمل كل الواقع الفيزيائي، فالخريطة ليست المنطقة التي تمثلها على أرض الواقع. والثانية، هي القائلة بأن مبدأ داروين في الانتخاب الطبيعي هو المصدر الأساسي الوحيد للتعقيد المذهل فعلاً، والذي لا نراه فقط في العالم البيولوجي إنما في كل مكان من الكون.
وقد طبق سمولن الفكرة الأخيرة على نظريته التأملية "الانتخاب الطبيعي الكوني"، والتي يشرحها في هذا الفيديو.
وليس عليك أن تؤيد نظريته الشاملة في الانتخاب الكوني الطبيعي لترى كيف يمكن لشكل بسيط من "الانتخاب الطبيعي" أن يطبق على عمليات غير بيولوجية، كولادة النجوم والمجرات والمركبات الكيميائية، وهذه الفكرة تدعى "الاستقرار المتدرج" (أي الحاصل على مراحل).
وقد شرح فكرة الاستقرار المتدرج هذه "جاكوب برونويسكي Jacob Bronowski" قبل ما يربو على خمسين عام، وهو مؤلف سلسلة "ارتقاء الإنسان" The Ascent of Man الوثائقية على الـ BBC. فالانتخاب الطبيعي البيولوجي يتطلب قابلية تغير عشوائية للنسل، التي ينشأ عنها اختلافات في السلامة الجسمية، تؤدي بدورها إلى نسب نجاة وتناسل متفاوتة.
أما الاستقرار المتدرج من ناحية أخرى، يتطلب ببساطة أن تكون التجمعات العشوائية للعناصر غير الحية كالذرات أو الجزيئات بنى أكثر تعقيداً، والبعض منها يكون بفضل قوى كالجاذبية والكهرومغناطيسية أكثر استقراراً من غيرها.
وهذه البنى المستقرة سواء كانت تجمعات فيزيائية أم مركبات كيميائية "تنجو" لتشكل بنى أكثر تعقيداً حتى، والتي يبقى منها الأكثر استقراراً بدورها، وهكذا تعلو طبقات على طبقات في البنى المعقدة وفي الكيمياء المتغيرة، وكلها ذات شكل "انتخاب طبيعي" غير بيولوجي للاستقرار المتأصل فيها.
وفي الحقيقة، فإن هذه العملية -من حيث المبدأ- يمكنها أن تفسر كيف يمكن للتجمعات الكبيرة كالمجرات والنجوم والكواكب أن تتشكل نتيجةً للجاذبية، وكيف نشأت المواد الكيميائية اللازمة للحياة بالتطور الكيميائي من مرحلة قبل الأحياء.
ومع أخذ هذه الأفكار بعين الاعتبار، دعني أصف قواعد "لعبة الكون خاصتي":
- الفضاء: يتكون كامل الفضاء من شبكة فيها 6 نقاط تقاطع (أو عقد) أفقياً و 5 نقاط عمودياً (أي 5 خلايا أفقياً و 4 عمودياً) كما هو موضح في الشكل أدناه.
- الذرات: الكون مأهول بالخطوط الحمراء السبعة (أو البارات)، والتي طول كل منها وحدة قياس واحدة، ويمتد بين عقدتين على الشبكة أفقياً أو عمودياً.
- "المجرة المركزية" أو شاشة البلورات السائلة LCD: يمكن أن نتخيل الجزء ذا الأبعاد \(3 × 2\) خلية الموجود في وسط نموذج الكون هذا، بأنه يشبه الشاشة البلورية السائلة LCD ذات القطاعات السبعة المشهورة في الآلات الحاسبة القديمة.
- الحالة الأولية: تترتب البارات جميعها على القطاعات السبعة للشاشة المركزية لتشكل الرقم "8".
- القوانين الديناميكية: في كل ثانية تتحرك البارات عشوائياً كالتالي: نهاية واحدة من نهايتي كل بار تتحرك إلى موضع جديد يتم اختياره عشوائياً من بين عقد مجاورة للعقدة التي كانت فيها (وهذا مثل المشي العشوائي لكنه مقيد بحدود الشبكة)، ونهاية البار الأخرى تذهب عشوائياً إلى إحدى العقد المجاورة للموضع الجديد.
- الإنتروبي (مقياس الفوضى): يعتبر النظام تام التنظيم إذا كانت جميع قطاعات الشاشة ذات القطاعات السبعة مشغولة ببارات، وإنتروبي هذه الحالة الأولية يساوي الصفر، أما الإنتروبي العظمى فتتحقق عندما لا يلامس أي بار أي عقدة من عقد الشاشة المركزية للشكل "8".
ويتم حساب قيمة الإنتروبي كالتالي، قم بعد ما يلي: (u) عدد قطاعات الشاشة المركزية غير المشغولة، (b) عدد البارات التي تشغل قطاعاً من الشاشة المركزية بشكل كامل (يمكن أن يوجد أكثر من بار واحد يشغل نفس القطاع)، (t) عدد البارات التي تمس عقدة من الشاشة المركزية والباقي منها يقع خارجها.
ثم احسب الإنتروبي باستخدام الصيغة التالية: \((14 + 4u – 2b – t)/42\)، لكن لماذا نقسمها على 42؟ حسناً، هذا سر الكون، ألا تعرفه؟ بصراحة، يمكن لهذا النموذج أن يعدل ويحسن بطرق عدة، لكني كنت أصبو به إلى شيء فيه ما يكفي من التعقيد ليخبرنا بشيء مثير، ويبقى بالوقت عينه بسيطاً بما يكفي ليدع مكاناً للتخمين الذكي والتقدير فيما يخص تطوره.
للذين يستمتعون بعمليات النمذجة منكم ولديهم الحماسة والمقدرة والوقت لفعل ذلك، مرحباً بكم لتقوموا بذلك، من فضلكم شاركوا نمذجاتكم وأفكاركم معنا!
وللبقية، فربما سنرفع لكم ملفاً قابلاً للتحميل خلال أسبوعين سيسمح لكم بأن تجربوا النموذج بأنفسكم.
وللآن، حاولوا تخمين أو تقدير الإجابات عن الأسئلة في الأسفل، وسأكون سعيداً بمقارنة أجوبتكم بنتائج عمليات النمذجة.
السؤال الأول
ها هو ذا مقطعٌ من مقالة دان فالك Dan Falk يتحدث فيها كيف تزداد الإنتروبي في الكون الحقيقي ولماذا لا يقوم جسم كبير بإعادة تشكيل نفسه من أجزائه ذاتياً؟
"دائما يأتي البيض المخفوق بعد البيض الكامل وليس بالعكس أبداً، ولإعطاء هذا معنى، افترض العلماء بأن الكون بدأ بحالة شديدة الخصوصية منخفضة الإنتروبي، ومن وجهة النظر هذه، فالإنتروبي تزداد لأن الانفجار العظيم أنتج كوناً منخفض الإنتروبي بشكل استثنائي، ولم يكن أمامه إلا الازدياد"، ويعد نظير البيضة المخفوقة في كوننا "اللعبة" هو الرقم 8 المتشكل على الشاشة في الوسط.
ابتداءً من الحالة الأولية ذات الإنتروبي المساوية للصفر، كم باعتقادك ستأخذ من الوقت للوصول إلى الحالة "المخفوقة" بشكل كامل، أي لتصل إلى الحالة ذات الإنتروبي العظمى؟
وما هي القيمة التقريبية للإنتروبي عندما يصل الكون إلى "الحالة المسقرة"؟ وكم سيأخذ هذا من الوقت؟ وهل يمكن للحالة أن تعود إلى الإنتروبي الدنيا الأساسية أبداً، أي إلى حالة البيضة الكاملة؟ وإن كان ذلك ممكناً، فما المدة التي تعتقد أن يأخذها هذا السيناريو؟
السؤال الثاني
دعونا ندخل مفهوم الاستقرار المتدرج (أي على مراحل) إلى كوننا بإضافة القواعد التالية: إذا وقع بار على قطاع غير مشغول من الشاشة المركزية، يتوقف البار عن الحركة ويشغل هذا الموضع بشكل دائم.
إن الحالة الأولية للكون مختلفة أيضاً، لنفترض أنها الحالة الأكثر فوضى (الإنتروبي العظمى) حيث لا يمس الشاشة المركزية أي بار، انطلاقاً من هذه البداية الفوضوية، كم باعتقادك المدة المحتاجة للوصول إلى الحالة ذات الإنتروبي الدنيا وتشكل الرقم 8 على الشاشة؟ (مفترضاً أن قواعد الحركة هي ذاتها كالسابق، حركة واحدة كل ثانية).
السؤال الثالث
في الكون المذكور في السؤال الثاني، أي من الأشكال التالية التي يمكنها أن تظهر على الشاشة -وهي الرقمين 6 و 9 والحرف A- الأكثر احتمالية لتكون الخطوة الأخيرة قبل الوصول إلى الرقم 8؟ وأيها الأقل احتمالاً؟
السؤال الرابع
لندع جانباً إشارتي المازحة إلى الرقم 42، هل يمكنك أن تكتشف الأساس المنطقي لحسابات الإنتروبي؟
ملاحظات
يرحب الكاتب بأي تحسينات مقترحة على الأحجية، أو أي أفكار واستنتاجات أو حلول تثيرها هذه النمذجة، ويدعو لمشاركتها في التعليقات على المقال في المجلة وعنونة التعليق بشكل واضح بـ "NEW PUZZLE SOLUTION" .