دواء زهيد الثمن يحمي آلاف الأمهات الجدد من الموت بسبب النزف التالي للولادة

أثبتت تجربة عالمية كبيرة أن دواءً زهيداً متوفراً في الأسواق بإمكانه إنقاذ حياة آلاف النساء سنوياً ممن يعانين من نزيف غزير بعد الولادة.

فعلى الرغم من أن عملية الولادة أصبحت آمنةً أكثر من أي وقت مضى، فإنه لا يزال نزيف ما بعد الولادة أحد الأسباب الرئيسة لوفاة الكثير من الأمهات الجدد حول العالم، بمعدلٍ يصل إلى أكثر من 100 ألف حالة وفاة سنوياً. أما الآن، تثبت نتائج دراسة حديثة قدرة هذا الدواء على حل مشكلة النزيف هذه.

أثبتت دراسة تضم 20 ألف امرأة في 21 دولة، أن بإمكان حقنة وريدية من مادة حمض الترانيكساميك tranexamic acid التقليل من معدل الوفيات الناتجة عن نزيف ما بعد الولادة إلى الثلث.

ولا يعد حمض الترانيكساميك دواءً جديدًا، فهو في الأصل عقار يقوم بتسريع عملية تجلط الدم اكتشفته الدكتورة اليابانية أوتاكو أوكاموتو Utako Okamoto في ستينيات هذا القرن، أثناء بحثها عن علاج لنزيف ما بعد الولادة. لكن في ذلك الوقت لم تتمكن من إقناع أطباء التوليد بتجربة هذه المادة، أما اليوم فيعد هذا الحمض أحد الأدوية المستخدمة لعلاج النساء اللائي يعانين من غزارة الطمث، كما أنه يستخدم في العمليات الجراحية المختلفة لمنع النزيف الغزير.

وأثبتت تجارب واسعة النطاق أن استخدام حقن حمض الترانيكساميك يقلل من حالات الوفاة نزفاً عند وقوع حوادث السيارات، وفي العام 2009، أضافت المنظمة العالمية للصحة WHO هذا الدواء إلى قائمة الأدوية المهمة. لكن قبل هذه التجربة الأخيرة لم يتوفر لدينا دليل قوي على أثر هذا العقار في التحكم في نزيف ما بعد الولادة.

ولاختبار هذه الفرضية، قام فريق باحث في عام 2010 يتكون من علماء من كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية London School of Hygiene & Tropical Medicine بتجربة ذات نطاق واسع امتدت على مدى ست سنوات في 21 دولة من 4 قارات.

قسّم الفريق الباحث النساء اللائي يعانين من نزيف ما بعد الولادة إلى مجموعتين بشكل عشوائي، مجموعة تلقت دواءً وهمياً placebo ومجموعة أخرى تلقت حقناً من حمض الترانيكساميك، إضافةً إلى بقية الأدوية التي تحتاجها حالات كهذه.

اعتمدت الدراسة على مبدأ التعمية Blind study بشكل جيد، فلا المرضى ولا الأطباء كانوا على علم بمحتوى الحقن التي حُقَنِت المريضات بها. واكتشف الباحثون أن حقن النساء بحمض الترانيكساميك خلال 3 ساعات بعد عملية الولادة يقلل من حالات الوفاة بسبب النزيف بنسبة الثلث.

لا يهم سبب النزيف أو حتى طبيعة الولادة، فحمض الترانيكساميك فعّال في كل الحالات إن أُعطي بشكل سريع. وستكون النتائج رائعة إذا ما تمكنا من إعطاء هذا العقار لكل امرأة مهددة بالوفاة بسبب النزيف، فبإمكانه حماية عشرات الآلاف من الأرواح سنوياً.

ويبحث العلماء حالياً في إمكانية الخروج بطرق جديدة تُسهل إعطاء هذا العقار، فمثلاً بالإمكان إعطاء العقار للنساء المعرضات للخطر على شكل حبوب قبل الولادة. وتعد هذه الطريقة مُثلى في العديد من الدول الإفريقية، حيث تعاني النساء من فقر الدم المرافق للحمل ولا يتلقين العلاج بشكل مناسب ومنتظم.

يقول أحد الباحثين إيان روبيرتس Ian Roberts لـ دونالد جي ماكنيل Donald G. McNeil من جريدة النيويورك تايمز The New York Times: "تملك نصف النساء اللاتي على وشك الولادة هناك نصف المعدل المطلوب من كريات الدم الحمراء، والأطباء مجبرون على القيام بكل شيء وأي شيء لعلمهم بأن المرأة قد تموت بين يديهم خلال ساعة".

وحالياً، تتضمن توصيات منظمة الصحة العالمية WHO المتعلقة بنزيف ما بعد الولادة حقن المريضة بأدوية كعقار الأوكيتوسين oxytocin تحرض انقباض الرحم، إضافةً إلى أهمية القيام بتدليكٍ للرحم، وتنص الإرشادات على استخدام حمض الترانيكساميك ولكن ليس كخط أول للعلاج.

لكن مع الاكتشافات الحديثة لأهمية هذا الحمض بوصفه عقاراً من شأنه حماية الأرواح، يتوجب تحديث هذه الإرشادات وإضافته كعقار أساسي لعلاج نزيف ما بعد الولادة الأولى.

وكتب الباحثون: "تدعم نتائجنا أهمية إضافة حمض الترانيكساميك إلى قائمة العلاجات الأساسية المقترحة من قبل منظمة الصحة العالمية لعلاج نزيف ما بعد الولادة".

ويتوفر حمض الترانيكساميك كعقار عام generic medication، وعلى الرغم من أن حقنة منه لا تكلف أكثر من دولار، فإن الباحثين يؤكدون حقيقة وفاة نساء في دول منخفضة ومتوسطة الدخل بسبب نزيف ما بعد الولادة في بيوتهن، حيث لا يوجد من يستطيع حقنهن بالعقار بشكل سريع. وكثير من النساء المشاركات في التجربة ممن لم يتمكن أحد من إنقاذهن كن قد وصلن إلى المستشفى بعد فوات الأوان.

وأخبرت الباحثة الرئيسية حليمة شاكور Haleema Shakur سارة بوسيلي Sarah Boseley من جريدة الغارديان The Guardian: "يجب أن نتأكد من توافر عقار حمض الترانيكساميك لأي امرأة معرضة لخطر النزيف أثناء الولادة، ويجب أن نحرص على تثقيف الأطباء والقابلات بنتائج هذه الدراسة، ونحتاج من وزراء الصحة توفير هذا العقار في بلادهم وأن يُضمَّن ضمن قائمة أهم الأدوية الواجب توافرها".

نُشرت التجربة في دورية The Lancet.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات