خريطة جينية جديدة قد تؤدي الى إعادة كتابة الكتب في تطور أدمغة الفقاريات

الأمرُ ليسَ بالسهولةِ المذكورَةِ في الكُتبِ والمراجع...

بالرغم من تعقيد دماغِ الإنسان، فهو تقريبًا يمتلكُ نفسَ التركيبِ الأساسي مثلَ معظمِ الحيواناتِ الفقارية، مما يعني أن بالإمكان تقسيمهُ إلى ثلاث مناطقَ وهي: الدماغ المقدم، والدماغ المتوسط، والدماغ المؤخر.

ظن الباحثون لوقتٍ طويلٍ أن هذه المناطقَ الثلاث تطورت من نُسَخِ أقل تعقيدًا كانت في أسلافنا. لكنَ خريطةً جديدةً للجينات التي تتفعل في أدمغةِ حيواناتٍ صغيرةٍ مشابهةٍ للسمك تقترحُ شيئًا مغايرًا وقد تُجبرنا على إعادةِ النظرِ بخصوص افتراضاتنا حول كيفيةِ تطورِ أدمغةِ الفقاريات.

أنتج فريق عالمي من الباحثين هذه الشبكة من الجينات المُفَعَّلة، والتي توصفُ تقنيًا كنموذجٍ تهندُسيٍ جيني genoarchitectonic model. كان الباحثون يبحثون احتمالية أن يمثل الكائن الفقاري البدائي المسمى بالحَسيكة (lancelet) الخطواتِ الأولى في تطور جهاز عصبي مركزي معقد.

على الأغلب لن تُفكرَ أن لديك الكثير من الأشياء المشتركة بينك وبين حيوانٍ بحريٍ صغيرٍ جدًا. ولكن هذا الحيوان هو الأقرب لأن يكون منتميًا للفقاريات دون أن يكون فعالًا فيها. في حينِ أن هذه الحسيكات لا تمتلكُ عمودًا فقريًا صلبًا، إلا أن لها مجموعةً من صفاتِ حيواناتٍ أُخرى تسمى بالحبليات chordates، مثلَ القضيبِ المجوف والذي يُسمى بالحبلِ الظهري والذي يمتد على طول الجسد، وعددٍ من التراكيب الشبيهةِ بالخياشيم تسمى بالشقوقِ البلعومية.

هذا التركيب التشريحي البسيط لهذهِ الكائناتِ يجعلها الممثل الأنسب لأسلافنا من حوالي 500 مليون سنةٍ عندما كانت الفقاريات تتفرعُ بعيدًا عن باقي شجرةِ العائلة. ويجعلُ ذلك هذهِ الكائنات ذات أهميةٍ كُبرى عندَ العُلماءِ لغرضِ الحصولِ على معلوماتٍ عن كيفية تطور جهازنا العصبي من حزمٍ بسيطةٍ للأعصاب لتركيبٍ شديدِ التنظيم.

كشف تحديد التسلسل الجيني∗ [الطريقة التي يتم من خلالها إيجاد تسلسل القواعد النيتروجينية في الحمض النووي – المترجم] الذي أجري العِقد المنصرم عن الجيناتِ التي من الممكنِ أن تكون ذات علاقةٍ في تطور الفقاريات، لكن مؤخرًا فقط قام الباحثون بمحاولة الكشفِ عن الجيناتِ المفعلةِ في أجهزتها العصبية لكي يقارنوا تراكيبها.

لا تمتلك الحسيكات دماغًا مشابهًا بالضبط لما لدينا، لكنها تمتلكُ أعصابًا تمتد خلال حبلها الشوكي وتصل إلى تركيبٍ يشبه الدماغ. يميل دماغنا، مثل بقية الفقاريات، لأن ينقسم إلى ثلاثِ مناطق: الدماغ المقدم، والدماغ المتوسط، والدماغ المؤخر.

الفرضيةُ الأكثر ترجيحًا الآن هي أن هذه المناطق الثلاث قد تطورت من نُسخٍ أبسط لفقارياتٍ سابقة، لكن طِبقًا للباحثين فإن الجينات تقترحُ قصة أخرى.

تقول الباحثة بياتريز البوكيسك كريسبو Beatriz Albuixech Crespo من جامعة برشلونا في إسبانيا: "قمنا في هذه الدراسة بوصف هذه الخريطة الجزيئية (والتي تحتوي على العدد الأكبر من العلامات حتى الآن) مع الانقساماتِ التي تحدث في اللوحة العصبية للحبليات [وهو تركيب جنيني يعمل كأساسٍ للجهاز العصبي – المترجم]".

بمعنى آخر، قام الباحثون بمقارنةِ عملية التعبير عن 48 جينًا يعتقد أن لها دورًا مفصليًا في كيفية تطور الأجهزةِ العصبيةِ لأجنةِ الحسيكات مع تلك الموجودة في الفقاريات حاليًا.

يقول الباحث خوسي لويس فيران (Jose luis Ferran) من جامعة مورسيا في إسبانيا: "لذلك، عن طريق مقارنة المناطق المكوِّنة لأدمغةِ الفقاريات الحالية مع تلك الموجودة عند الحسيكات، قمنا بتحليل السبب الذي من الممكن أنه قد أدى إلى تضاعف هذه المناطق، ووصولها إلى التركيب المعقد الموجودِ حاليًا الذي تكون خلال فترة تطورنا".

كشفت الخريطةُ الجينية عن عدم وجود ثلاثِ مناطقَ رئيسيةٍ في أدمغة الفقريات سابقًا كما ادَّعت الكتب، بل اثنتين فقط على الأرجح؛ فلم توجد المنطقة الخاصة ذات الخلايا التي تتطور فيما بعد لتصبح الدماغ المتوسط عند الفقاريات.

بدلًا من ذلك، كان هناك مكان مشترك في المنطقة الأمامية لدماغ الحسيكات والتي أطلق عليها الباحثون اسم منشم الدماغ المتوسط المضاعف di_mesencephalic primordium. تشير الخريطة الجزيئية إلى أن هذه المجموعة من الأعصاب ستتطور لاحقًا لتراكيبَ في الدماغ المتوسط والدماغ الأمامي.

وهذا سبب كاف ليجعلنا نعيد التفكير في العلاقة بين أجزاء دماغنا من ناحيةِ التطورِ، كما أنه يوفر لنا طريقةً لفهم الضغوطاتِ التي جعلت الجهاز العصبي البدائي يُطور أدوات جديدة ليتعامل مع التغيرات في محيطه.

يقول فيران: "لم يتطور الدماغ في بيئة منعزلة، بل عن طريق تفاعُلِ هذه الحيوانات البدائية مع المحيط".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات