التلاعب بجين واحد يحدد سبيلاً جديداً لاضطراب القلق!

إن إزالة جينٍ واحدٍ من أدمغة الفئران والسمك المخطط يجعلها قلقةً أكثر من الطبيعي. أدمغتُنا مشفرةٌ بطريقةٍ معيّنةٍ، وقد أظهر باحثون من جامعة Utah Health أن إزالة جين يُرمّز lef1 من تلك الشفرة يعطّل نمو الخلايا العصبية في منطقة تحت المهاد (الوطاء) hypothalamus والذي بدوره يسبب التوتر والقلق. هذه النتائج هي الدلائل الأولية على أن الجين lef1 يعمل في منطقة الوطاء كوسيطٍ في الربط بين التصرّفات، ومعرفة هذا الدور يسهل تشخيصَ ومعالجة اختلالات العقل البشري.

 
قال المؤلف الأول للدراسة الحائز على شهادة الدكتوراه يوانيوان زي Yuanyuan Xie: "إن القلق تصرفٌ أساسيٌّ ومعقدٌ أكثر مما نعتقد". الدكتور زي قاد البحث بالتعاون مع المؤلف الأكبر ريتشارد دورسكي Richard Dorsky الحائز على شهادة الدكتوراه في البيولوجيا العصبية والتشريح في جامعة يوتاه للصحة.
 
هناك جين يُدعى Lef1 وهو جزءٌ من سبيل إشارات Wnt ويلعب دورًا مهمًا في نمو الحيوانات، والتحكم بوظائف الأعضاء، وأحيانًا الإصابة بالأمراض. وقد دفع هذا الأمرُ الباحثَ زي إلى القول: "إن غياب هذا الجين دفعنا إلى التفكير في كيفية تحكم أجزاء المخ بالتصرفات بطرقٍ مختلفةٍ".
 
إن البشر، والفئران، والأسماك، وحتى الطيور جميعها تُصاب باضطراب القلق مما يحرض سلوكيات ترفع درجات الوعي. الشعور بعدم الارتياح قد يكون شيئًا جيدًا بالرغم أن المتعارف غير ذلك. ففي حالة الأسماك المخططة، أدى ذلك إلى جعلها تتجمد خوفًا في طريقها حتى تختبئ في أماكن بسيطةٍ من المفترسين. لكن القلق في أوقاتٍ غير مناسبة قد يأتي بنتائجَ عكسيةٍ مسببًا ضغطًا غير مرغوبٍ، وهذا لا ينطبق على الأسماك فقط بل على البشر أيضًا.
 
عندما بدأ زي ودورسكي البحث، لم يكن لديهم دليل أن lef1 لديه دورٌ رئيسٌ في القلق. كانت أدمغة الأسماك التي تفتقد هذا الجين طبيعية نسبيًا عدا وجود خلايا مفقودةٍ في الوطاء، ويتحكم هذا الجزء من الدماغ بالعديد من التصرفات مثل النوم والأكل، بالإضافة إلى إفراز الهرمونات من الغدة النخامية. قال دورسكي: "قبل إجراء التجارب لم تكن لدينا أيّ فكرةٍ أن الأعصاب التي يؤثر عليها lef1 سوف تتحكم في أحد التصرفات".
 
بتحديد الجينات الأكثر تأثرًا بنقص إفراز lef1 في منطقة الدماغ تلك، وُجد أن أكثر من 20 جينًا يكون له دور في الاضطرابات المزاجية مثل الاكتئاب والقلق. ثم لاحظ العلماء لاحقًا أن الأسماك تُنتج إشاراتٍ متناغمةً مع تلك الاضطرابات، فعندما نغير مَسْكَن الحيوانات، فإنها تمانع لاكتشاف بيئتها الجديدة، مفضلةً البقاء ساكنةً بدون حراكٍ في القاع. ثم طورت ببطء حالةً أخرى مرتبطةً غالبًا بالتوتر المتزايد.
 
طرقٌ مختلفةٌ تؤدي لنفس السلوك
على الرغم من اختلاف درجة تعقُّد الأدمغة بين الكائنات من الذباب إلى البشر، إلا أن lef1 هو المسؤول عن الاضطرابات في جميع الأنواع. أظهرت الدراسة الحديثة (على غير المتوقع) أن هذا الجين يستعمل آلياتٍ متنوعةً ليؤدي تأثيره.
 
أظهرت الأسماك والفئران التي نُزع جين lef1 من أدمغتها ردودَ أفعالٍ متشابهةً من القلق تمثّلت في صغر حجمها، وممانعتها أو نفورها من الاستكشاف لبيئتها الجديدة. كما كانت لديهم خلايا دماغية أقل في المنطقة التي يتواجد فيها lef1 عادةً. وعلى أيّ حالٍ، فإن الخلايا المفقودة تصنع الهرمون المركِّز لطليعة الميلانين Pmch وهي إشارةٌ دماغيةٌ لم تكن مضطرة عند الأسماك المخططة. وعلى نقيض ذلك، فإن الأسماك المخططة وذبابة الفاكهة Drosophila التي ليس لديها نسخة من lef1 كانت تفتقد الخلايا التي تصنع الهرمون المحرر للموجهة القشرية Crhbp، ولكن هذه الخلايا لم تتأثر عند الفئران. 
 
اقترحت النتائج أن lef1 يستطيع تنظيم الاضطراب بواسطة إشارات خليتين عصبيتين مختلفتين. لم يوثَّق هذا السيناريو في البشر، حيث وُجد أن عمل Crhbp و Pmch مترابطٌ تقريبًا في الوطاء، مما يدل على إمكانية وجودهما في الخلايا ذاتها، يُفرزان من نفس الخلايا ويوجهان lef1 في تنظيم التصرفات.
 
قال دورسكي: "عندما تعرف أن جينًا يقوم بوظيفةٍ معينةٍ، تظن أن تلك الوظيفة متوافقةٌ في جميع الحيوانات، لكنّ الدراسات تدفعك إلى إعادة النظر في تلك الفكرة، فهذا ليس صحيحًا دائمًا. اقترحت نتائجنا أنه خلال التطور، يستطيع المخ ابتكار طرقٍ مختلفةٍ للوصول لنفس النتيجة". يمكن لنتائج الملاحظات أن تفسر كيف يمكن لجينٍ يحدد سلوكًا معينًا أن يتأقلم ليناسب تغيرات وتطورات المخ على مرّ الوقت.
 
توضح النتائج مجموعاتٍ محددةٍ من الجينات المتخصصة وخلايا المخ التي تؤثر عليها هذه الجينات بكونها جزءًا من آلية حدوث القلق. سوف تركّز الأبحاث المستقبلية على تحديد ما إذا كانت تلك السبل ستحدد مجموعةً فرعيةً من اضطرابات للسلوك البشري والخلل المزاجي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات