تصور فني لمجموعتين من الحلقات الرقيقة حول الكويكب البعيد تشاريكلو. حقوق الصورة: ESO/L. Calçada/M. Kornmesser/Nick Risinger (skysurvey.org)
بالقرب من زحل يقع جسمٌ صغيرٌ كويكبي الشكل ذو حلقاتٍ، كشفت عمليات رصدٍ جديدةٌ لهذا الجسم المعروف باسم تشاريكلو Chariklo عن معلوماتٍ جديدةٍ عن حلقاته غير العادية، وربما تساعد في حل لغز تشكلها. ووفقًا لورقةٍ بحثيةٍ تصف عمليات الرصد الجديدة هذه، فقد كان تشاركيلو عند اكتشافه عام 2013 أول جسمٍ صغيرٍ في المجوعة الشمسية يمتلك حلقات، وقد اكُتشف العديد من هذه الأجسام التي تملك ذات الخواص الآن.
كتب المؤلفون في الورقة: "لم يُعرف حتى عام 2013 وجود الحلقات إلا حول الكواكب العملاقة، ولهذا كان هذا الاكتشاف مفاجأةً وأساسًا لفهم أفضل للحلقات الكوكبية، حيث يبدو أن الأجسام الصغيرة ذات الحلقات أصبحت شائعةً أكثر مما كان يُظن سابقًا".
البحث عن الحلقات
ساد الاعتقاد لعقود بأن زحل هو الجسم الوحيد في النظام الشمسي الذي يزدان بحلقاته، لكن رحلة فوياجر عام 1979 أظهرت أن المشتري يحوي أيضًا مجموعةً من الحلقات.
لكن كلّ هذه الكواكب عبارة عن كتلٍ عملاقةٍ من الغاز والجليد، وهي أكبر بكثيرٍ من الكواكب الصلبة والصخور الأصغر التي تدور حول الشمس كالكويكبات والمذنبات.
تقول ديانا بيرارد عبر البريد الإلكتروني لموقع Space.com ، وهي باحثةٌ في مرصد باريس والمؤلفة الرئيسية لورقة بحثٍ جديدةٍ نُشرت في أيلول/سبتمبر عام 2017 في صحيفة The Astronomical Journal: "إن كنتم تقفون عند خط استواء تشاريكلو لن تروا الحلقات لأنها رقيقةٌ جدًا وسترونها من حوافها، وعلى عكس ذلك، فإذا كنتم على أحد القطبين سترون شريطًا مضيئًا عرضه يعادل قطر القمر المكتمل".
يعتمد علماء الفلك على النجوم البعيدة لتحديد ودراسة الحلقات، فعندما يمر تشاريكلو من أمام نجمٍ ما أو يحجبه تسد حلقاته الضوء القادم من الشمس البعيدة، وقبل أن يمنع تشاريكلو ضوء النجم، تخلق حلقاته تأثيرًا على شكل ومضاتٍ يختلف تبعًا لحجمها واتجاهها، وعندها تمكن دراسة تشاريكلو بينما يحجب النجم، وفي الحقيقة هكذا اكتُشفت حلقات أورانوس في البداية.
تشرح بيرارد: "استمر فريقنا برصد الكسوفات النجمية لمدة عشرين سنة، وهكذا طورنا شبكة عملٍ ضخمةً من المراقبين المحترفين والهواة ممن نستطيع التواصل معهم لرصد الكسوف".
أشارت عمليات الرصد الأساسية لتشاريكلو أن المواد التي رصدت حوله قد تكون مواد متناثرة من القنطور نفسه، لكن بيرارد وزملاؤها لم يثبتوا فقط أن هذه المعالم عبارة عن حلقاتٍ، بل ولم يجدوا أي علامةٍ عن أجسامٍ ضخمةٍ تقذف موادَّ.
بحث الفريق أيضًا عن إشارات مادةٍ حلقيةٍ أضعف وأقمار من المحتمل أن تدور حول تشاريكلو، وذلك لأن جاذبية القمر قد تكون مسؤولةً عن إبقاء الحلقة الداخلية حادة، لكنهم لم يجدوا إشارةً عن أيّ قمرٍ على بعد أكثر من 1.2ميل (2 كيلومتر)، بمساحةٍ تبلغ 8 أضعاف عرض حلقته.

وفقًا للورقة العلمية، تكثر الأنظمة الصغيرة ذات الحلقات في المجموعة الشمسية أكثر مما اعتقد الباحثون سابقًا، فهناك قنطورٌ آخر يُسمّى تشيرون Chiron يُعتقد أيضًا أن لديه حلقات، رغم أن بيرارد قالت بأن وجودها لم يُثبت بعد، كما أن الكوكب القزم هاوميا Haumea يمتلك مجموعةً أكبر من الحلقات أيضًا.
ورغم أن حلقات تشاريكلو أصغر بكثيرٍ من حلقات الكواكب العملاقة، يبدو أنها لا تختلف كثيرًا عن تركيبها، على حد تعبير بيرارد، حيث تقول: "يبدو أن لها ذات الخواص الشاذة التي تملكها حلقات أورانوس ألفا وبيتا وإبسيلون، من حيث الحواف الحادة، وزيادة كثافة الحواف عن المركز، ويحتاج الباحثون المزيد من عمليات الرصد لإثبات هذه الفرضية"، وتعني كلمة الشاذة هنا الدرجة التي تتطاول بها مدارات الحلقات أكثر من كونها دائرية الشكل.
سوف تتقدم عمليات الرصد هذه بمساعدة المسبار الفضائي غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وفي حين ستقوم هذه المركبة بتحديد مواقعَ أكثر من مليار نجمٍ، ستحسن دقة تحديد مواقع النجوم المعروفة وحركاتها مما يسهل أن نتنبأ متى يحجب تشاريكلو ضوء نجمٍ آخر، وقد بدأ مسبار غايا دورانه منذ عام 2014 في مهمةٍ ستدوم لخمسة أعوام وأنهى لتوه جولة بياناته الأولى.
تقول بيرارد: "إن التنبؤ بوقت مرور تشاريكلو من أمام نجمٍ ما هو التحدي الأكبر، ففي عام 2014 أسفر خطأٌ في التنبؤ بمواقع النجوم عن ضياع الكثير من الفرص، لكن غايا ستزيد من دقة التنبؤات عشرين ضعفًا، ولن نفوت كسوفًا أبدًا إلا إذا عرقلتنا الغيوم".
قد يُطور رصد ودراسة الحلقات فهم العلماء عن كيفية تشكل هذه الحلقات، وهناك الكثير من الاحتمالات في الوقت الحالي، فوفقًا لبيرارد ربما تكون قد تشكلت من دمار قمرٍ قديمٍ، أو ربما يكون جسمٌ عابرٌ قد اصطدم بشاريكلو وخلق هذا القمر، والأمر نسخةٌ مصغرةٌ عن كيفية تشكل قمر الأرض، أو أن جاذبية القنطور يمكن أن تكون قد جمعت حطامًا سابحًا في الفضاء.