يظهر في هذه الصورة المُلتقطة بواسطة عدسة مجهرٍ إلكتروني سلكٌ نانويٌ مصنوعٌ من النيوبيوم يُمكن استخدامه لصنع مُكثفاتٍ فائقة الفعالية حسب ما أشار إليه الاكتشاف الذي قام به الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. كما تبيّن أيضاً أن إضافة طبقةٍ من البوليمر المُوصِل (أنظر اللون الوردي) يُساعد في زيادة قُدرة المُكثفة على الشحن. ويُمكن رؤية الأيونات السالبة والموجبة في الصورة حيث تظهر فيها على شكل نقاط زرقاء وحمراء.
تُعتبر الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء والمُصمَّمة لمُراقبة صحة الجسم واللياقة البدنية أحد المجالات التي تشهد نمواً سريعاً في سوق الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية. لكن أبرز القيود التي تُعيق عملها هو حجم بطارياتها الصغير الذي لا يُمكّنها من تحويل القوة الكهربائية الكافية لإرسال البيانات والمعلومات. لكن الآن، تمكّن الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة من اكتشاف طريقةٍ جديدة وواعدة لتحويل ما تحتاجه تلك الأجهزة الصغيرة من نبضات كهربائية قصيرة شديدة القوة.
الحل لهذه المعضلة هو طريقة جديدة تعتمد على استخدام أجهزةٍ تحتوي على مُكثفاتٍ فائقة القوة (supercapacitors) تستطيع تخزين وتوصيل الطاقة الكهربائية على شكل نبضة أو شرارة. وهذا بالضبط ما تحتاجه بعض الأجهزة الإلكترونية المحمولة التي تعتمد على عملية إرسالٍ موجزٍ للبيانات، كجهاز قياس معدل نبضات القلب، والحاسوب، والهواتف الذكية، كما يقول الباحثون. وربما يكون استخدام هذه المُكثّفات مفيداً أيضاً في تطبيقاتٍ وأجهزةٍ أخرى ذات أحجامٍ صغيرة، لكنها تتطلب قوة كهربائية عالية، كما هو الحال بالنسبة للروبوتات الصغيرة ذاتية التحكم (autonomous microrobots).
تستخدم هذه الطريقة الجديدة خيوطاً معدنيةً مصنوعةً من أسلاكٍ نانويةٍ مأخوذة من عنصر النيوبيوم (niobium) كأقطابٍ في تلك المُكثفات الصغيرة الحجم -والتي هي في الأساس عبارةٌ عن زوجين من ألياف التوصيل الكهربائي يفصل بينها جسم عازل).
تم شرح هذه الفكرة سابقاً في مقالٍ نُشر في جريدة "American Chemical Society" تحت اسم "المواد التطبيقية والموصِلات" (Applied Materials and Interfaces) بواسطة إيان هانتر Ian W. Hunter أستاذ الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وطالب الدكتوراة سيد ميرفاكلي Seyed M. Mirvakili، إضافة إلى ثلاثة باحثين آخرين من جامعة كولومبيا البريطانية University of British Columbia.
خلال العقد الماضي، عمل الباحثون في مجال تكنولوجيا النانو (Nanotechnology) على زيادة فعالية وكفاءة المُكثفات الفائقة، واستخدموا لتحقيق هذا الهدف المواد النانوية (nanomaterials)، كالجُسيمات الكربونية النانوية التي تشمل الأنابيب الكربونية النانوية والغرافين (graphene). أظهرت التجارب نتائج مُشجعة، لكن الباحثين عانوا بعد ذلك من مشكلة الانخفاض النسبي في توصيل الطاقة الكهربائية كما يقول ميرفاكلي.
وقد قام الأستاذ هانتر مع رفاقه العلماء في بحثهم الجديد بتحديد الخصائص المطلوبة والمنشودة التي تناسب تلك الأجهزة الإلكترونية الصغيرة وهي: كثافةٌ عالية في الطاقة الكهربائية، عدم استخدام الأنابيب الكربونية النانوية، واعتبار أسلاك النيوبيوم النانوية بديلاً مناسباً لها.
يقول هانتر "تخيل أنك ترتدي جهازاً يحوي نظاماً لمراقبة صحة الجسم. ربما يحتاج هذا الجهاز لإرسال بيانات معينة لمسافاتٍ بعيدة مُستخدماً على سبيل المثال الشبكة اللاسلكية". لكن لدينا مشكلة هنا، فالبطاريات الصغيرة الدائرية الشكل المستخدمة في العديد من الأجهزة الإلكترونية الصغيرة حالياً لها قُدرة محدودة على توصيل كمية كبيرة من الطاقة بشكل لحظي. وهذا النوع من الطاقة هو الذي تتطلّبه عملية نقل وإرسال البيانات.
من جهته، يقول هانتر، الأستاذ في مركز جورج هاتسوبولوس George N. Hatsopoulos والأخصائي في الديناميكية الحرارية في قسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT: "يتطلب إرسال البيانات لمسافاتٍ طويلةٍ عبر الشبكة اللاسلكية كميةً كافيةً من الطاقة الكهربائية. لكن لن يكون لها حاجة لفترة طويلة". ويُضيف: "البطاريات الصغيرة بشكل عام عاجزةٌ عن توفير كمية الطاقة المطلوبة".
كما يقول هانتر أيضاً: "نحن على علمٍ بأن العديد من الشركات التي تختص في صناعة أجهزة مراقبة الصحة وأجهزة الرصد الفضائي التدريبية تُعاني من هذه المشكلة. لذا فالحل هو إيجاد بديلٍ يجمع بين خصائص البطارية والمُكثف". ويُضيف: "تعمل البطارية على المدى الطويل وتُرسل طاقة كهربائية ضعيفة، أما المُكثف فيُرسل طاقة كهربائية عالية على شكل نبضة في وقت قصير. لذا سيُؤدي الجمع بينهما إمّا إلى زيادة مدى الجهاز، أو تقليل متطلبات حجمه بشكل كبير، وهذه النقطة الأخيرة هي ما يهتم به سوق العمل".
على الرغم من حجمها الصغير إلا أن الأسلاك النانوية الموجودة في المُكثفات الفائقة القوة تتفوق في أدائها على البطاريات الصغيرة الموجودة في الجهاز. يقول هانتر: "لو كنت تملك ساعة يدٍ من شركة آبل Apple وقمتُ بتخفيض كتلتها بنسبة 30 بالمائة، فإنك لن تلاحظ أي تغير أبداً، بينما لو قُمتُ بتخفيضِ حجمها بنسبة 30 بالمائة فسيُشكّل هذا فرقاً كبيراً. المستهلكون حساسون جداً عندما يتعلق الأمر بحجم الأجهزة المحمولة".
يُعتبر هذا الاكتشاف مهماً جداً بالنسبة لصناعة الأجهزة الإلكترونية الصغيرة كما يقول هانتر لأن تكنولوجيا تخزين الطاقة الأخرى مثل خلايا الوقود، والبطاريات، وعجلات الموازنة، تبدو أقل كفاءةً وفعالية، أو ببساطة هي مُعقدةً جداً ولا يمكن تصغير حجمها واستخدامها في تلك الأجهزة. "لقد حققنا اكتشافاً عظيماً"، يُعلّق هانتر، إذ لدينا الآن تكنولوجيا تستطيع توصيل طاقة كهربائية كبيرة من خلال أداة صغيرة الحجم.
كما قال هانتر أنه سيكون من المرغوب به الحصول على قوة حجمية عالية الكثافة (كمية القوة المُخزنة في حجم معين)، وطاقة حجمية عالية الكثافة (كمية الطاقة المخزنة في حجم معين). "لا أحد يعرف طريقة تحقيق هذا الهدف"، يُضيف هانتر. لكن على أية حال مع وجود الأداة الجديدة "سنحصل على كثافة طاقةٍ حجميةٍ عالية، وطاقة ذات كثافة متوسطة، وسعرٍ مُنخفض". سيكون هذا المزيج مُناسباً جداً للعديد من الأجهزة والتطبيقات.
يتوفر النيوبيوم Niobium بكثرة، ويُستخدم على نطاقٍ واسع أيضاً، لذا ستكون عملية التصنيع سهلةً وغير مُكلفة"، يقول ميرفاكلي. ويُضيف قائلاً: "تكلفة التصنيع رخيصة جداً"، وأوضح أن بعض المجموعات العلمية الأخرى قد نجحت في صناعة مكثفاتٍ فائقة باستخدام أنابيب الكربون النانوية أو مواد أخرى. لكن خيوط النيوبيوم أقوى، وهي أقدر بـ 100 مرة على إيصال الكهرباء من بقية المواد. عموماً، تمتلك المكثفات الفائقة المصنوعة من النيوبيوم قدرة على تخزين الطاقة في حجم معين تفوق تلك التي تستطيعها المُكثفات المصنوعة من الكربون بحوالي خمس مرات.
يتميز النيوبيوم بدرجة انصهاره العالية جداً والتي قد تصل إلى 2,500 °س ، مما يجعل الأدوات المصنوعة من أسلاك النيوبيوم النانوية مُناسبة للعمل في درجات الحرارة العالية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر النيوبيوم مادةً مرنةً جداً إذ يمكن تحويله إلى أنسجة، مما يجعله مُناسباً للأجهزة القابلة للارتداء. ويبلغ قُطر سلك النيوبيوم الواحد 140 نانومتر فقط، أي 140 جزء من بليون جُزء من المتر، أو واحد في الألف من عرض شعرة رأس الإنسان.
حتى الآن تم إنتاج المادة مخبرياً فقط. أما الخطوة التالية التي تم البدءُ بتنفيذها فتتمثل بإيجاد طريقةٍ لتصميم هذه المادة بشكلٍ عمليٍ سهل التصنيع.
يقول جيف سبينكس Geoff Spinks، أستاذ الهندسة في جامعة ولونغونغ University of Wollongong في أستراليا الذي لم يُشارك في الدراسة: "هذا البحث مهم جداً من أجل تطوير الأنسجة الذكية والتكنولوجيا المحمولة في المستقبل، إذ يُوضّح على نحو مُقنعٍ الكفاءة العالية التي تتمتع بها المُكثفات المصنوعة من أسلاك النيوبيوم".