ما العلاقة بين الأبعاد الإضافية في الفيزياء الحديثة والفن؟

هل بإمكان الفن أن يكون جسراً يصلنا بالعوالم الأخرى؟


حقوق الصورة: دانيل باركز CC BY-NC


أحياناً يكون العمل الأصعب لعالم الفيزياء النظريّة هو إخبار القصّة؛ وقد يُنجز هذا العمل بشكلٍ مجرد بالكامل، ما يترك المراقبين الخارجيين (والمطلعين الغرباء) مرتبكين، لكن قد تكون هناك مساعدة عبر تقنيات العرض المرئي التي طوّرها فنانون وكتاب معينون. غالباً ما تكون النظريّات المتطورة مدفوعة بالجماليات والبساطة. ومن ثمّ فإن فكرة تآزر العلماء والفنانين لا تبدو بعيدة المنال. أوضح مثال على نجاح هذا الثنائي هو عند الاستكشاف وفهم الأبعاد الإضافية.

ربما سمعت بحديث العلماء عن هذه "العوالم الأخرى"، ولحسن الحظ فواقعك اليومي يأخذ حيزاً في ثلاثة أبعاد من المكان، وبعداً واحداً من الزمان. وبفضل نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، زاوج الفيزيائيون هذه الأبعاد مع بعضها، فقد مكنتنا هذه النظرية من وصف نقطة في (3+1) بُعد: (المكان + الزمان) باستخدام أربعة إحداثيّات (t، x,y,z). لكن من وجهة نظر مجرّدة، فقد جعلت للسؤال التالي مغزى أكبر: لماذا هنالك فقط أربعة؟

في الحقيقة، يُمكن صياغة العديد من نظريّات الفيزياء بسهولة دون أن نكون دقيقين جداً حول عدد الأبعاد، وأن نطلق عليها اسم 1+D بعد، ويفتح ذلك احتمالية وجود أكثر من الأبعاد المكانية الثلاث (t,x,y,z,...).

بالطبع هنا تكمن الصعوبة. من الصعب جداً تخيّل بُعد مكاني إضافي، حتى بالنسبة للعلماء الذين يعملون معها (مثلي أنا)، إذ لدينا صعوبة في تصوّرها؛ وهذا لا يُعتبر في حد ذاته برهاناً على عدم وجودها. فعلى سبيل المثال نحن أيضاً نجد صعوبة في تخيل اللانهاية، وحالات التراكب في ميكانيكا الكمّ، لكن هذين المفهومين شُوهدا في الطبيعة.

الحقائق الخفيّة


ابتكر علماء الفيزياء اختبارات تسمح بوجود أبعاد أخرى، لكن تكمُن المشكلة في أنّ هذا الأمر يقودنا إلى نتائج توحي بأنّنا نكون سعيدين بالعودة إلى تلك النتائج التي نألفها.

لكن قبل التوصّل إلى أنّ هذا بالفعل يُبطل كامل النقاش المتعلق بأبعاد إضافيّة أخرى، توجد طرق للالتفاف حول هذه النتيجة، فنحن نعلم مسبقاً أنّ الأبعاد الجديدة ستكون مختلفة جداً عن تلك التي عهدناها–وإلا فسنكون قادرين على رؤيتها.

وبطريقة مشابهة كثيراً فهي قد لا تظهر في هذه الاختبارات التي تستخدم قوانين الطاقة. على سبيل المثال قد تكون صغيرة جداً، وملتفّة ما يجعلها غير مرئية لنا. يتناسب الحجم عكسياً مع الطاقة في نظريات فيزياء الجُسيمات، لذا فكلّما كانت الأبعاد أصغر، صغُرت احتمالية قدرتنا على استكشافها بشكل مباشر.

من بين الأمثلة الشائعة على كيفيّة عمل هذا هو في نملة تسير على قطعة حبل. فمن مسافة بعيدة جداً، يبدو الحبل ذو بعدٍ واحد، لكن فقط عندما تنظر عن قرب بإمكانك أن ترى أنّه في عالم النملة يكون السطح الذي تتوضّع عليه ثنائي الأبعاد.

حتى قدرتنا على إدراك أبعادنا الخاصة قد تكون مَعيبة.   أليكسا ميدِ Alexa Meade
حتى قدرتنا على إدراك أبعادنا الخاصة قد تكون مَعيبة. أليكسا ميدِ Alexa Meade


يُمكن مشاهدة هذه القدرة المحدودة على إدراك الأبعاد حتى في عالمنا المألوف، كما هو الحال مع عمل الفنانة إليكسا ميدِ، التي ترسم تركيبات ثلاثيّة الأبعاد وتجعلها ثنائيّة الأبعاد لأعيننا البدائيّة. للبدء في تخيل أبعاد إضافيّة، ألهم الفن العلماء.

التقطيع إلى شرائح


هناك نقطة انطلاق جيدة هي قلب السؤال رأساً على عقب: في العام 1884 في رواية الأرض المسطّحة Flatland كتب إدوين أبوت أبوت Edwin Abott Abott عن مخلوقات تعيش في أبعاد أقل عوضاً عن أبعاد أكثر. واجهت مخلوقات عالمه ثنائي الأبعاد الأبعاد الثلاث من خلال المقاطع العرضيّة للأجسام التي تعبر من خلال عالمهم. ويُمكن مشاهدة رسم توضيحي من الكتاب أدناه.

الأرض المسطّحة، ورومانسيّة الأبعاد المتعدّدة، إدوين أبوت أبوت
الأرض المسطّحة، ورومانسيّة الأبعاد المتعدّدة، إدوين أبوت أبوت


بنفس الطريقة تماماً، يمكننا استخدام حاسوب لإظهار ما سيكون عليه المقطع العرضي لصورة رباعيّة الأبعاد في الأبعاد الثلاث، أو في بعدين اثنين. على سبيل المثال يُمكن تمثيل مكعب رباعي الأبعاد (مكعب فائق) بطريقة التقطيع إلى شرائح:

توماس بانشوف Thomas Banchoff، جامعة براون Brown University
توماس بانشوف Thomas Banchoff، جامعة براون Brown University


من المثير للاهتمام، أن مجموعتي الشرائح تمثل الجسم نفسه، لكن تقطيع الشرائح في المجموعة العليا من الصور يبدأ من زاوية محددة؛ أما في المجموعة الثانية فقد جرى البدء من مربع.

كتب أبوت عن التقطيع لشرائح، قد تكون هناك طريقة أخرى ترصد عبرها مخلوقاته المسطّحة (الرقيقة) الدنيا ثلاثيّة الأبعاد: مثلاً لو أشرقت الشمس ثلاثيّة الأبعاد فوقها، فإن خيالاً ما سيُلقى على السطح، ويعرّف هذا الأمر طريقة المنظور الخطّي. يعود أصل هذه الطريقة إلى اليونانيين القدماء، ويتبع الفنانون المعاصرون التقنيات التي طوّرها معماري عصر النهضة فيليبو برونليسكي Filippo Brunelleschi، وأكثر ما اشتُهر به بناؤه للقبّة العملاقة لكاتدرائيّة فلورنسا.

لدى جان فرانسوا كولونا Jean-François Colonna بعض الأمثلة العظيمة لأجسام ذات أبعاد إضافيّة صُنعت باستخدام طريقة المنظور، التي تتمتع بكل أنواع زخارف الفن التجريدي.


الصورة: من http://www.drawspace.com
الصورة: من http://www.drawspace.com

 

الظل والضوء


بنفس الطريقة التي يلقي بها الضوء القادم من شمسنا بالظلال على السطوح ثنائيّة الأبعاد وفقاً لخطوط متوازية، بإمكاننا أخذ شمس افتراضيّة رباعيّة الأبعاد تُلقي بظلال الأجسام رباعيّة الأبعاد على عالمنا ثلاثي الأبعاد. من الصعب جداً تصور ذلك، لكن من السهل برمجته على الحاسوب؛ وعندها سيبدو المكعب الفائق هكذا:

من عالم وولفرام الرياضي
من عالم وولفرام الرياضي


يُدعى هذا برسم شليغل البياني (Schlegel diagram). قد لا يكون من الواضح مباشرة كيفية ارتباط هذا الأمر بظل ما، لكنّ النظر إلى خطوط حواف المنحني قد يُساعدنا في ذلك.

إذا ما تمكنت من تخيّل إضافة بُعد واحد، ستستطيع تخيّل إضافة عدّة أبعاد. على سبيل المثال، يكون لوصف نظريّة الأوتار معنى، فقط عندما يُصاغ في 11 بُعد. على الرغم من أنّ النتائج قد تنمو بشكل معقّد بزيادة عدد الأبعاد، إلا أنّ التقنيات المبيّنة هنا لا تقتصر على أربعة أبعاد.

لطالما شكلت صعوبة تخيل النظريات الفيزيائية عائقاً لفهمها، لكن لم يُثبت أبداً أن ذلك قد يُمثل القاعدة لرفضها. تُقدم التقنيات المُتطورة لتصوّر الأبعاد الإضافيّة مثالاً جيّداً حول قدرة الفيزيائيين على استعارة التقنيات المطوّرة من عالم الفنون واستقرائها، وكيف يمكن لهذا التعاون بين الاختصاصات المتعدّدة أن يكون مفيداً لكلا المجالين.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات